التأسيسية تضم عديمى الخبرة الدستورية والقانونية 40 مليون فلاح و20 مليون عامل ليس هناك من يمثلهم سياسيا بعد إلغاء ال50٪ للإخوان «عناصر خفية» داخل المؤسسات لا يكشفون عن هويتهم الا وقت الحاجة هناك عناصر داخل «التأسيسية» لم تسطر سطرا فى قرار وزارى وليس فى دستور أكد المستشار محمد حامد الجمل، الفقيه الدستورى، رئيس مجلس الدولة الأسبق، أن للإخوان «عناصر خفية» داخل المؤسسات لا يكشفون عن هويتهم ويظهرون وقت الحاجة، للسيطرة على مؤسسات الدولة، ووصف هذه العناصر بال«كامنة» التى لم يستطع أمن الدولة فى السابق التوصل إليها، وبعضهم من الرموز الذين تولوا مواقع مهمة بعد سيطرة الإخوان على السلطة، وقال الجمل فى حواره مع «الصباح»، إن إلغاء نسبة ال50% عمال وفلاحين من الدستور تنتزع حق 40 مليون فلاح و20 مليون عامل فى إيجاد من يمثلهم سياسيا، وأشار إلى وجود 25 ألفا من خريجى كليات الحقوق بتقديرى امتياز وجيد جدا يمكن إلحاقهم بالقضاء إذا كنا نعانى من قلة أعداد القضاة، كما أكد أن الجمعية التأسيسية بها كثيرون دون خبرة أو كفاءة، وأشار إلى أن عددا كبيرا منهم لم يسطر سطرا واحدا فى مسودة الدستور التى أكد أنها «ناقصة» وصياغتها ركيكة وتعبر بوضوح عن أفكار التيار الإسلامى، وكشف عن أن تعطيل خروج الدستور حتى الآن متعمد.. وإلى نص الحوار.. * تصريحات كثيرة حددت منتصف نوفمبر لانتهاء الدستور ولكنه لم يصدر بعد، فما سبب ذلك؟ هناك معوقات كثيره تحول دون إخراج الدستور، أهمها الأزمات المتتالية التى تمر بها الجمعية التأسيسية للدستور، بداية من التشكيل المطعون فيه أمام المحكمة الدستورية العليا حاليا، بعد إحالته من قضاء مجلس الدولة إليها، وليس انتهاء بالخلافات الحادة بين الإسلاميين والليبراليين داخل التأسيسية، حيث التيار السلفى الإخوانى من جهة، وبقية ممثلى الشعب المصرى من جهة أخرى، واستمرار الجدل حول نوعية الأحكام والمبادئ العامة التى يتضمنها الدستور. * وكيف ترى مسودة الدستور فى العموم؟ مسودة «ناقصة» وصياغتها ركيكة وضعيفة، وهناك العديد من المواد الرئيسية التى خرجت بصورة تميل بوضوح إلى أفكار جماعة «الإخوان المسلمون» والتيار السلفى، وهم يحاولون فرضها، مثل المادة الثانية، وأيضًا المواد المتعلقة بحقوق المرأة والطفل، كما خرجت المسودة متجاهلة لعشرات الاتفاقيات الدولية التى صدقت عليها مصر وأصبحت جزءًا من القانون الداخلى المصرى مثل الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية واتفاقية عدم التمييز ضد المرأة والاتفاقية الدولية لحماية الطفل والاتفاقيات الخاصة بحقوق الإنسان وحقوق المواطنين السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وكان لابد من وضع مادة تنص على احترام مصر لكل هذه الاتفاقيات. * هل تمت بالفعل صياغة بعض المواد بالمسودة بشكل فيه نوع من الخداع للشعب المصرى بحسب ما تردد فى الآونة الأخيرة؟ بالفعل هذا حدث، ومن أمثلة ذلك، ما فعله السلفيون عندما استبدلوا كلمة «مبادئ» ب«أحكام الشريعة الإسلامية»، والأخيرة ليست بالضرورة تعبر عن مضامين واضحة، والآيات الواردة فى القرآن الكريم والخاصة بأحكام المعاملات والزواج والطلاق وما إلى ذلك ويبلغ عددها 275 آية، هى عبارة عن أحكام قاطعة الثبوت وليست قطعية الدلالة، بمعنى أنها ليست قطعية المعنى وبالتالى هناك خلاف بين المذاهب الإسلامية فى تفسير هذه الأحكام وبالتالى على المشرّع المصرى أن ينتقى من بين الآراء الفقهية والمذاهب المختلفة ويعرضها أمام البرلمان بعد صياغتها تدعيما لمبدأ السيادة الشعبية. * تقصد أن أحكام الشريعة الإسلامية كانت تطبق فى مصر بالفعل؟ بالطبع، وقد يبدو للكثيرين غير ذلك، لكن الشريعة تطبق فى أمور كثيرة ومنها الأحوال الشخصية والوصية والوقف والميراث وأيضا فى التعاملات المدنية، فيما عدا مادة بالقانون المدنى خاصة ببند الفائدة، يعتبرها الإسلاميون مادة «ربوية»، بينما أفتى اثنان من علماء الأزهر، بأنها مادة لا تخالف الشريعة الإسلامية، والأمر الثانى خاص بتطبيق الحدود السبعة والمبادئ الإسلامية تقرر عدم تنفيذ تلك الأحكام إلا بعد الوصول بالبسطاء والعامة إلى حد الكفاية، وهذا ما فعله الخليفة عمر بن الخطاب فى عام «الرمادة» أوالمجاعة، وعبر عنه الخليفة عمر بن عبدالعزيز حينما قال «لو استقدمت من أمرى ما استرجعت، لجعلت لكل مسلم بيتًا يؤويه وزوجة يسكن إليها ودابة يركبها»، فإذا وصلنا لهذا الحد من الكفاية سنكون مستعدين لتطبيق الحدود السبعة. * البعض يؤكد أن الجمعية التأسيسية باطلة من الأساس.. فما رأيك؟ بالتأكيد، والمحكمة الدستورية تنظر الآن 45 دعوى قضائية ضد التأسيسية تطالب بحلها وبطلان تشكيلها، والقانون الذى تعمل على أساسه، والذى وضعه مجلس الشعب بمخالفة المادة 60 من الدستور المؤقت والصادر بتاريخ 30/ 3/ 2011، لأن الذى كان يملك وضع القواعد الخاصة بالجمعية التأسيسية هو المجلس العسكرى الذى وضع هذه المادة، وقيام مجلس الشعب بوضع هذا القانون وتحصينه باعتباره عملا برلمانيا لا يخضع لرقابة القضاء هو عمل غير دستورى ومن المنتَظر أن تُصدر المحكمة الدستورية حكما بحل الجمعية التأسيسية، وبالتالى سوف تؤيد محاكم مجلس الدولة حكم الدستورية، ولذلك كنت أقول يجب انتظار الحكم القضائى فى شأن بطلان تشكيل التأسيسية أو صحته. * وإذا جاء الحكم بالحل للمرة الثانية.. فماذا يعنى ذلك؟ هذا دليل واضح على عدم التزام التيار الإسلامى بأحكام القضاء، وعدم احترام القضاء نفسه، وتشكيل الجمعية بمشروع قانون باطل للمرة الثانية خير شاهد، والبداية ترجع إلى قرار الدكتور محمد مرسى، رئيس الجمهورية، بإهدار حكم المحكمة الدستورية بحل مجلس الشعب، وأيضا قرار عزل النائب العام، فى محاولة لإبقاء الضغط مستمرًا على القضاء. * وهل مسودة الدستور الأخيرة ستكون معبرة عن جميع طوائف الشعب؟ بالتأكيد لا، وكان هناك إصرار ورغبة من الأغلبية الإسلامية أن يخرجوا بدستور يعبر أولا عن أفكارهم ومبادئهم، وخصوصا جماعة «الإخوان المسلمون» وبالفعل نجحوا فى ذلك. * وما حقيقة أن الدستور لم يأخذ الوقت الكافى لإعداده؟ لا، هذا غير حقيقى، والحديث عن الوقت ربما يكون معيارا غير موضوعى، فكتابة الدستور لا تحتاج إلى كل هذا الوقت والعناء، ولو تم إسناد مهمة كتابة الدستور إلى أصحاب الخبرة الدستورية سواء فى الأحكام أو الصياغة والمعروفين بولائهم للشعب المصرى ومراعاة مصالحه لكان الأمر أفضل كثيرا من إسناده لجمعية تأسيسية مشكلة من معدومى الخبرة الدستورية والقانونية من جهة وممن لا يتسمون بمبدأ المواطنه والوطنية من جهة أخرى، وهناك عناصر داخل التأسيسية لم تسطر سطرا فى قرار وزارى وليس فى دستور، وللعلم سبق أن أعددت لحزب الوفد دستورا كاملا من 204 مواد، واستغرق إعداده ثلاثة أشهر فقط، وبمجهود أسبوعى، وكانت هناك طرق بديلة أكثر سهولة لإعداد الدستور. * أى طرق تقصد؟ أبسطها كان اختيار مجموعة من أصحاب الخبرات الدستورية، وتكليفهم بإعداد دستور خلال فترة زمنية محددة، وسط حالة من الهدوء، ثم عرضه على جمعية منتخبة لإبداء الرأى فيه، لكن هناك سياسات معينة جعلتهم يختارون العناصر المعاونة لهم، وهو ما ظهر جليا خلال اختيار العناصر المشاركة فى كتابة الدستور، فهم يتعاملون بمبدأ «التكويش» واختياراتهم تقتصر على التحالف فقط، وأنا هنا أقصد التحالف الإخوانى السلفى مع وجود أقلية لا تستطيع أن تؤثر فى قرارات التأسيسية، رغم أنهم ذاقوا مرارا وعانوا كثيرا من أساليب الظلم والقهر السياسى على أيدى النظام السابق. * كيف ترى أداء الرئيس محمد مرسى؟ أخطاء مرسى كثيرة ومتكررة ولا يسأل عنها وحده، ومستشاروه ساهموا فيها، وكانت هناك قرارات كان لابد من دراستها دراسة متأنية ومعرفة ما يترتب عليها من ردود أفعال قبل الإعلان عنها. * لماذا لم يستعن الإخوان بفقهائهم الدستوريين أمثال المستشار طارق البشرى فى إعداد الدستور؟ البشرى ليس من خبراء الدستور، ولم يشارك فى أى تجربة دستورية غير التجربة الخاصة بتعديل وإعادة صياغة سبع مواد من دستور عام 1971 داخل لجنة «إخوانية»، وما يتردد عن مشاركته فى إعداد دساتير بعض الدول العربية مجرد أقاويل ليست لها أى أساس من الصحة. * من هى الشخصيات التى تمنيت وجودها بالتأسيسية ؟ لا أريد التطرق إلى أسماء، ومن المؤسف غياب ذوى الخبرة الدستورية والقانونية وذوى «الموهبة» فى الصياغة عن التأسيسية، فليس كل من درس القانون قادرًا على إعداد وصياغة دستور، فمن غير المنطقى أن يكتب الشعر كل من يجيد قواعد اللغة العربية، لاسيما أن نصوص المواد لابد أن تكون قاطعة الدلالة واضحة المقصد، حتى نتجنب المنازعات التى قد تعطل تنفيذ الأحكام، وأتذكر حين كنت رئيسا لقسم التشريع بمجلس الدولة أننا كنا نختار بعناية من لديهم الخبرة التى تزيد على العشرين عاما فى الإفتاء والأحكام والنظام القانونى الخارجى والداخلى، يضاف إلى ذلك الموهبة فى الصياغة. * وهل تستحق المادة الثانية كل هذا الجدل والخلافات؟ هناك عدم فهم من البعض لمدلول هذه المادة، تسبب فى حالة الخلاف حول نص هذه المادة، يضاف إلى ذلك أن أعضاء التيار السلفى لديهم إصرار دائم على إظهار إسلاميتهم وأنهم هم حماة الدين، ويتعمدون وضع عبارات تدل على عدم خبرتهم الصياغية، مثل أن تنتهى المواد المتعلقة بالحريات العامة بعبارة «عدم مخالفة الشريعة الإسلامية»، فى حين أن المادة الثانية بما نصت عليه من أن تكون «مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع»، وهى مادة عامة تنطبق على كل مواد الدستور ولايجوز طبقا لها وضع أى تشريعات تتعارض مع مبادئ الشريعة. * ماتعليقك على أزمة القضاة مع التأسيسية؟ الأزمة بدأت منذ صدور حكم قضائى من المحكمة الدستورية بحل مجلس الشعب وبطلان الانتخابات التى تمت طبقا للقوائم الحزبية والفردية، دخل بعدها التيار السلفى والإخوانى وأنصارهم فى صدام شديد مع رجال القضاء، تبعه هجوم إعلامى وسياسى أيضا على المحكمة الدستورية واتهامها بأنها «مسيسة» وتعالت وقتها الأصوات المطالبة بتطهير القضاء وامتد الهجوم ليصل إلى محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة التى كانت قد أصدرت حكما ببطلان الجمعية التأسيسية الأولى، تلاه اتهام النيابة العامة بالتقصير فى التحقيق فى قضايا قتل وإصابة المتظاهرين، وكل ما سبق يدل على أن هناك حملة منظمة يقودها التيار الإسلامى، وأقصد الإخوان والسلفيين تحديدا، ضد القضاء، وهو ما دفع نادى القضاة والمجلس الأعلى للقضاء إلى رفض مسودة الدستور فيما يتعلق بالسلطة القضائية بأكملها بما تتضمنه من عدوان على استقلال وحصانة السلطة القضائية، فضلا عن سوء صياغة تلك المواد، ومن ثم رفض المسودة كاملة. * وماذا عن أزمة النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة ومطالبتهم التأسيسية بالمساواة بأعضاء النيابة العامة ومعاملتهم كهيئات قضائية مستقلة؟ هناك أزمات افتعلتها التأسيسية، منها أزمة النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة، اللتان طالبتا بضرورة أن ينص الدستور على أنهما هيئتان قضائيتان مستقلتان، ومطالبهما مشروعة، وبحسب القانون الخاص بالمؤسستين فإنه ينص على أن الأخيرة هيئة قضائية مستقلة بالفعل، ويتساوى أعضاؤها برجال القضاء، فلماذا لم يتم ذكرها ضمن مواد الدستور كنوع من الضمانة لهم أن يبقى وضعهم كما كان، وهو مطلب مشروع ولا اعتراض عليه. * المسودة تضمنت إلغاء هيئة قضايا الدولة لتحل النيابة المدنية بديلة عنها.. فماذا وراء ذلك؟ هى أحد «الاختراعات» التى خرجت بها التأسيسية، وليس هناك أى مبررات تبيح إلغاء هذة الهيئة، فهناك دور مهم تقوم به، ومهامها ممثلة فى الدفاع والترافع عن الحكومة فى جميع محاكم الهيئة منذ الاحتلال البريطانى وحتى قبل «التنظيم القضائى»، وحجتهم فى ذلك محاولة التغلب على مشكلة نقص عدد القضاة رغم أن هناك أكثر من 25 ألفًا من خريجى كليات الحقوق بتقديرى امتياز وجيد جدا وكان يمكن إلحاقهم بالمؤسسة القضائية إذا كنا نعانى من أزمة فى أعداد القضاة، دون أن نغير أوضاع هيئة قضائية بهذه الأهمية. * كيف ترى الإبقاء على مجلس الشورى مع إعطائه توسيعًا فى نطاق صلاحياته؟ هى محاولة للرجوع بنا إلى الوراء، وتحويل مجلس الشورى إلى مجلس شيوخ مثلما كان فى دستور عام 1923، والذى كان يمثل نخبة من المفكرين والسياسيين المخضرمين، بالإضافة إلى تمثيل الطبقة المالكة للأراضى الزراعية تعبر عن نفسها مع النخبة السابق ذكرها ولا اعتراض على بقاء الشورى بهذا الشكل، وكانت تتم عملية مراجعة ومناقشة للتشريعات التى تتعلق بمسؤولية الحكومة وهكذا، فضلا عن أن إلغاء نسبة العمال والفلاحين داخل المجلسين أمر كارثى، فهناك أكثر من 40 مليون من الفلاحين إضافة إلى قرابة 20 مليونًا آخرين من العمال، انتزعنا منهم حقهم فى إيجاد من يمثلهم سياسيا، لا سيما أنه الطريق الوحيد لهذه الفئات للتعبير عن آرائها. * هل الشعب المصرى أصبح قادرا على اختيار دستوره بعد تخبطات الاستفتاء الأول؟ هناك استغلال واضح من التيار الإسلامى لنسبة ال40 % الأميين وأيضا نسبة العاطلين عن العمل ومعظمهم من الشباب، وهم ليسوا قادرين من الناحية الواقعية، إلا بنسبة ضيئلة على أن يدركوا مشروع الدستور بما يحمله من مواد وما يتضمنه من مبادئ حياتية. * كيف ترى المستشار حسام الغريانى رئيسًا للجمعية التأسيسية؟ ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن للإخوان عناصر خفية داخل العديد من المؤسسات، لا يكشفون عن هويتهم الإخوانية، وتبدأ هذه العناصر فى الظهور وقتما يشاءون فى محاولة للسيطرة على المواقع المهمة والمحركة لسياسات الدولة بالكامل، ومنهم المستشار حسام الغريانى والمستشار طارق البشرى ومنهم المستشار أحمد مكى، وزير العدل، والمستشار محمود مكى، نائب رئيس الجمهورية، وهو ما يوضح أن هناك تصنيفات داخل صفوف الإخوان تتنوع ما بين شخصيات معلومة وأخرى غير معلومة، حتى إن النظام السابق عجز عن كشفهم وبقوا فى مناصبهم، ويمكن وصفهم بالأعضاء «الكامنين».