الحكايات الموجعة التى يرويها السوريون فى مصر تتناثر فى الأماكن التى يقيمون فيها، خصوصا أن كل من جاء منهم يحمل معه مشاهد من المأساة التى يعيشها وطنهم، تكفى لصناعة فيلم رعب لا ينتهى. بعضهم يحمل جسده بصمات النار التى تحرق بلادهم، وآخرون تمكنت هذه النار من أعماقهم، جاءوا إلى مصر للعلاج بعد أن ضاقت المستشفيات فى بلادهم بالجرحى والمصابين، وتهدم معظمها بقذائف قوات النظام، فضلا عن نقص الأدوية والمعدات والكوادر الطبية.. منهم من فقد أخاه أمام عينيه، ومنهم من يرتعد جسده ويبكى حينما يتذكر هول ما جرى، ومنهم من فقد الأمل فى الحياة بعد أن أقعدته الإصابة عن الحركة، ومنهم من أصيب نتيجة خيانة بعض المندسين وسط الثوار، ومنهم من ينتظر شفاءه حتى يعود للانتقام. «الصباح« التقت عددا من ضباط ومجاهدى الجيش الحر الذين جاءوا إلى مصر للعلاج، بعدما أصيبوا وأدرجت أسماؤهم على قوائم المطلوبين، فهربوا من جحيم الأسد إلى مصر لاستكمال شفائهم، حيث كانوا يعتقدون أن السوريين فى الخارج سيحملونهم على الأعناق لجهادهم من أجل نصر الثورة، إلا أنهم فوجئوا باستغلال بعض السوريين لهم، ووقع عدد منهم فى أسر وعود كاذبة من أبناء وطنهم طمعا فى كسب المال على حسابهم. الملازم أول حذيفة الحاتم الملازم أول، حذيفة الحاتم، كان ممن تعرضوا لمأساة أخرى خارج الوطن بعدما اتصل به من مصر شخص سورى يدعى نعيم شقلب، وادعى أنه شقيق معتز شقلب، عضو المجلس الوطنى السورى، ليخبره بمجيئه من تركيا إلى مصر، حتى يسفّرهم إلى أوروبا لتلقى العلاج، وأخبره بأن كل التكاليف سيتحملونها، فسلمه الملازم أول تقريرا طبيا، ولما جاء إلى مصر لم يجد الشخص. يقول الحاتم، 24 عاما، إنه جاء ومعه جريح من مدينة حمص اسمه سليم، بعدما فقد الأمل وأدرك أن هؤلاء أخذوا البيانات لكى يسلموها لمنظمات ورجال أعمال ليتقاضوا أموالا عليها، وليس لعلاجهم، فعاد مرة أخرى يحارب فى سوريا رغم قطع ذراعه. الحاتم، ضابط ب«لواء النصر»، أصيب نتيجة الخيانة وانتشار الجواسيس، ويروى حادثة إصابته قائلا «كنا نعمل كمينا لدبابة، جواسيس دلوا على موقعنا، صوبت علينا قذيفة مدفع، كان معنا لغمان انفجرا فينا، استشهد 16 من أصدقائى، وجرح 20 آخرون، كانت أياديهم وأرجلهم مقطعة، حاولت القيام، جسدى كان مغرقا بالدماء لا أستطع أن أسير على قدمى، ظللت أمشى على رجل واحدة حوالى 25 مترا، وجدت تاكسى ركبته، كان هول الموقف سيجعل صديقا لنا يقتلنا، أمسك الكلاشنكوف ووجه علينا الرصاص، اصطحبونى إلى 4 مشافى، تتبعهم الجيش النظامى وكلما وصلنا لمشفى يقصفه، دخلت إلى منزل ظللت به 4 أيام، وعلمت أنى فقدت كعب قدمى وشظايا فى فخدى، أجروا لى عملية لإخراج الشظايا وخياطة فى فخذى حوالى 25 غرزة بدون مخدر استمرت العملية ساعة ونصفا. ثانى يوم داهمت قوات الجيش منزل الحاتم وأحرقوه وقتلوا 6 من أولاد عمه واعتقلوا بعضهم، ونزح لتركيا لإجراء بعض العمليات ومن المفترض أن يجرى 3 عمليات. الحاتم، حزين من استغلال السوريين لبعضهم البعض، لهذا أصر على أن يكون نضاله فى الداخل والخارج، وأن يوصل صورة مستغلى الثورة السورية للجيش الحر فى الداخل حتى يدركوا أن هناك متسلقين للثورة. مأمون المجاهد بالجيش الحر أما مأمون، فهو مجاهد بالجيش الحر، لا يفارق سريره الصغير.. زارته «الصباح» فى منزله بأكتوبر.. كان ممددا فى سريره، وبدأ يروى حادثة إصابته قائلا «كنت فى مدينة التل الكبير بريف دمشق رمضان الماضى.. أمطروا علينا الصواريخ فسقط صاروخ بالقرب من أحد المنازل ولم ينفجر، فأسرعت لإبعاده حتى لا تحرق شظاياه المنزل، وحينما مسكته، شلت يدى وفقدت الوعى، ولما أفقت أخبرونى إننى أصبت بالإشعاع لأن الصاروخ الذى أمسكته مشع. الناشط محمد دغمش على أحد المقاهى بضواحى القاهرة، يجلس الرقيب مجند محمد دغمش الهارب قبل أيام من سوريا، المصاب بطلقة فى يده، ومريض بمرض فى صدره نتيجة اعتقال النظام له وتعذيبه، يروى ل«الصباح» حادثة اعتقاله ومساومة نظام الرئيس بشار الأسد له ومطالبته بإرسال عبوات بها مخدر إلى مصر، وإلا سيتم إلقاء القبض عليه، وعقب امتناعه عن تسليم المخدرات اعتقلت قوات النظام أخاه وقصفت منزله، حتى يسلم نفسه. يقول دغمش، أحد المطلوبين فى سوريا «أخبرنى صديق محسوب على النظام بإدراج اسمى على قائمة المطلوبين الذين سيتم إعدامهم فى مدينة حرستا بتهمة تسليح الجيش الحر والانقلاب على النظام، ومنحنى نسخة منها، عقب ذلك جهزت أغراضى ودفعت 7 آلاف دولار لشخص ليخرجنى من مطار دمشق، ولما وصلت بحثوا عن اسمى، وصاح الضابط فى وجهى واحتجزونى بالمطار، حتى جاءت سيدة مسئولة مقربة للمخابرات الجوية، ومنحتنى 3 علب بودرة بها علبة بها مخدرات، وأخبرتنى إما أن توصلهم لشخص يدعى أحمد فى مصر وإلا سأسلمك للأمن، فوافقت». وعقب صعود الشاب العشرينى المصاب بإحدى الطلقات فى يده اليمنى، على متن الطائرة، أفرغ المخدر خوفا من إلقاء القبض عليه فى مطار القاهرة، وعقب وصوله الأراضى المصرية قرر ألا يتصل بالشخص المتزوج من سورية، إلا أنه أضاف «عقب وصولى لمصر وصلنى العديد من رسائل التهديد من دمشق، آخرها بقتلى خلال أسبوع، وقامت قوات الأمن باقتحام منزل أسرتى واعتقلوا أخى الأكبر، وأخبروا أهلى إن لم أعد سيعتقلون أسرتى»، مشيرا إلى أنه يحمل نظام الأسد مسئولية أى شىء يحدث له ولأهله. ويروى دغمش عن حياته فى مصر، قائلا: «لا أشعر بالأمان، قبل أيام جاء مجموعة من السوريين وسألونى بعض الأسئلة التى تعجبت منها، وعقب تركهم سألوا صاحب أحد محلات الهواتف الجوالة سورى الجنسية عنى، وأخبرنى بأنهم تتبعونى، كما حذرنى الشباب من سيارة تابعة للمخابرات الجوية تمر فى الشوارع وتختطف النشطاء، أريد حمايتى ولا أعرف ماذا أفعل؟». واتكأ دغمش على الأريكة فى المقهى متذكرا الوقت الذى قضاه فى المعتقل، قائلا: «كنا فى غرفة 3 متر فى 3 متر، نعامل أسوأ معاملة نضرب ونشتم ونعذب، كانوا يتركون الناس تموت، صديقى كان مصابا بطلق فى جانبه تركوه حتى تعفن الجرح لم يسعفوه، وأنا أصبت بمرض فى الصدر أعالج منه حتى الآن نتيجة وضعهم جهازا يشع ضوءا يصيب بأمراض، كان مسلطا علينا 24 ساعة، كنا نعتقد أنه الشمس». الناشط محمد الأدلبى محمد الأدلبى، 19 عاما، أصيب بطلقات خرطوش فى عظام الوجه وعظام الساعد أثناء مشاركته فى التظاهرات السلمية فى ريف دمشق، وألقى القبض عليه لمدة 6 ساعات فى فرع المخابرات الجوية السورية، وتم تعذيبه وكسر كتفه وتم صعقه بالكهرباء، جاء إلى مصر مع أسرته بعد أن احتجزوا فى المطار لمدة 13 ساعة ولولا حصول إخوته الصغار على جنسية أخرى لما خرج هو وأسرته وجدته. الأدلبى استشهد أخوه الأصغر، 17 عاما، خلال مشاركته فى المظاهرات، اقتنصه قناص فى الجيش النظامى بطلقة أظلمت الحياة فى وجه أمه التى كلما تذكرت لا تقف عيناها عن البكاء والتى لا تخلع السواد عن جسدها. المجاهد محمود السورى المجاهد محمود السورى، 27 عاما، من كتيبة «أحرار الشمال» التابعة للجيش الحر، استشهد أخوه خلال مشاركته فى المواجهات العسكرية، عمله كان يختص بضرب حواجز النظام فى الجيش، أدرج اسمه على قوائم المطلوبين، طالبوا منه الرحيل عن سوريا فجاء إلى مصر. ويروى السورى عن إنجازات كتيبته، قائلا: «دمرنا الكازية العسكرية فى حلب، ومحطة الوقود، وحررنا خانا العسل بريف حلب، واستولينا على معسكر بطريق حلب اللاذقية واستولينا على دبابات ومدرعات من الجيش النظامى». وبينما كان يروى السورى إنجازاته تذكر أبشع حادثة عاشها مع أصدقائه فى الكتيبة التى تضم 3 آلاف مجاهد، قائلا «الطائرات أطلقت علينا 8 صواريخ فى رمضان الماضى، فجرت موقعنا، استشهد 6 من أصدقائنا وجرح 35، أرسلناهم لتركيا لتلقى العلاج، كان المشهد صعبا، الدماء تسيل حولنا والقتلى أصدقاؤنا، والمصابون أيضا أصدقاؤنا». المجاهد أشور بنيامين أشور بنيامين (اسم حركى)، مجاهد سنى، من حمص، جاء موعد التحاقه بالجيش وبدلا من أن يخدم فى جيش الأسد، التحق بالجيش الحر وأصبح من مجاهدى لواء «النصر»، بنيامين كان يقوم بالاستيلاء على السلاح من الشحنات العسكرية والحواجز والنقاط التفتيشية، حيث يهجم عليهم هو والمجاهدون الذين يبلغ عددهم 900 شخص، ويأخذون أسلحتهم. ويتحدث بنيامين عن وجود جواسيس لبشار الأسد، هم من يقومون بوضع شرائح متصلة بالرادارات والطائرات السورية، يضعون هذه الشرائح فى المنازل والمستشفيات وتقصفها القوات النظامية. بنيامين هددوه وهددوا أهله بالقتل، فطالبته أسرته بالخروج من سوريا، جاء إلى مصر حفاظا على حياتهم، ويتمنى العودة لاستكمال الجهاد لأجل نصرة الثورة.