قصة صعود فاروق العقدة واحدة من عجائب حكايات البنوك، ساعده فيها رجالات مبارك وبعض الرموز الاقتصادية والمصرفية فى مصر منذ التسعينيات من القرن الماضى، ومنهم د.حسن عباس زكى، الوزير الأسبق للاقتصاد، والذى مازال يشغل حاليا رئيس مجلس إدارة بنك الشركة العربية المصرفية، على الرغم من أنه مواليد 1917 وتم التجديد له مؤخرا لقيادة البنك لفترة أخرى ولمدة 3 سنوات (وهو ابن ال94 عاما) حسب توصيات السيد محافظ البنك المركزى فاروق العقدة الذى قرر أن يرد الجميل، أما الشخصية الأخرى فكان السيد على نجم، محافظ البنك المركزى الأسبق ورئيس مجلس إدارة بنك الدلتا الدولى الذى بيع مؤخرا إلى البنك الأهلى المتحد، وكذلك عضو مجلس إدارة شركة مصر للطيران. أما قصة صعود فاروق العقدة، فتبدأ عندما كان يعمل فى بنك أوف نيويورك موظفا فى إدارة القروض المشتركة المتعلقة بتمويل صفقات التأجير التمويلى والتأجير المنتهى بالتمليك وكان من أهم عملاء البنك شركة مصر للطيران، وكان مكلفا بترتيب التمويل اللازم لعمليات اقتناء الطائرات من خلال صفقات البيع المباشر بين الشركات المنتجة وشركة مصر للطيران لتحديث الأسطول... إلخ. ويبدو أنه كان على علم بحجم العمولات التى يتم ترتيبها بين الشركات البائعة (بوينج وإيرباص وخلافه) والمستفيدين من النظام السابق لحساب شركة مصر للطيران.. ولكن كان يدور بخلده الصعود لسلم المجد سريعا لتحقيق طموحات كاسرة.. فاختصر الطريق بخطة جهنمية مفادها اللقاء بالمسئولين المصريين على أعلى مستوى ليشرح لهم أن صفقات التأجير التمويلى يمكن أن تصبح بديلا عن الشراء المباشر، وسوف تعود عليهم بنفس قيمة العمولات فى نفس لحظة تنفيذ الصفقة دون تحميل خزانة الدولة تكاليف الشراء لحظيا.. ولمرات عديدة طلب العقدة مقابلة الرئيس حسنى مبارك عند زيارته الولاياتالمتحدةالأمريكية ولكن محاولاته باءت بالفشل لدواع أمنية، نظرا للستار الحديدى حول الرئيس.. إلا أنه نجح أخيرا وبعد محاولات مستميتة فى ترتيب اللقاء المنتظر من خلال أحد رجال المخابرات المصرية.. وقام بتقديم شرح واف للرئيس الذى قرر بعد اللقاء أن التجربة جديرة بخوضها مادام مؤداها سيكون إرجاء الدفع الفورى لصفقة الشراء دون التأثير على توقيت تسلم العمولة أو قيمتها. العمل في مصر طلب السيد فاروق العقدة من البنك الذى يعمل لديه - بنك أوف نيويورك - العودة لمصر ليكون قريبا من صانعى القرار ويضمن توجيه الصفقات إلى ذات البنك.. فكان ما طلب وانتقل للعمل بمكتب تمثيل بنك أوف نيويورك بالقاهرة مجرد موظف ضمن مجموعة موظفين بالمكتب تحت قيادة السيد جمال محرم، وكذلك ألحقته السلطات المصرية (دون أى غضاضة وإغماض عين حول اعتباره ممثلا للبنك المرتب للصفقات) كعضو مجلس إدارة بشركة مصر للطيران لتقديم النصح الفنى لهم حول ترتيب صفقات التمويل.. العضو المنتدب إنكوليس شركة أسستها مجموعة من البنوك وشركات التأمين (بنك الشركة العربية المصرفية، بنك مصر، بنك فيصل الإسلامى، بنك الاستثمار القومى، شركة مصر للتأمين، البنك العربى البريطانى...إلخ) وقد تقلد فيها السيد فاروق العقدة منصب العضو المنتدب، والذى لا يعرفه رجل الشارع أن شركة إنكوليس أبرمت فى وقت معاصر لتعيين فاروق العقدة بها، عقد إدارة مع شركة أوف شور بالمملكة المتحدة (غير خاضعة للضرائب).. والعجيب أن إنكوليس عينت بالفعل فاروق العقدة فى منصب العضو المنتدب بصفته خبيرا فى مجال ترتيب القروض والتأجير التمويلى.. لكن المفاجأة القنبلة.. أن أخانا فاروق العقدة هو نفسه مؤسس وصاحب شركة الإدارة البريطانية والتى تتقاضى عمولة إدارة على صافى رقم العمليات الموكلة إلى شركة إنكوليس، بالإضافة طبعا إلى راتب أخينا فاروق العقدة كعضو منتدب – والمفترض أن راتبه شىء وعمولة شركة الإدارة شىء آخر. هذا وقد عين السيد فاروق العقدة أحد أصدقائه المقربين وهو محمد نجيب - لأسباب سوف يأتى ذكرها فيما بعد - وهو مصرفى سابق، سبق إنهاء عقده لدى بنك مصر الدولى فى أواخر التسعينيات لارتكابه خطأ جسيما (وتم حفظ الموضوع جنائيا نظرا لحسن النية). السيد فاروق كان يتقاضى بالإضافة إلى راتبه كعضو منتدب عمولات إدارة لصالح شركته البريطانية.. وكان صافى دخله الشهرى من كلتا الجهتين حوالى مليون جنيه شهريا.. إلا أن هذا الدخل لم يحقق له القناعة الكافية.. فدبر بعناية فائقة إمكانية انتقاله على رأس البنك الأهلى المصرى كرئيس للبنك ليستطيع أن يخلق فرصا إضافية لشركة إنكوليس من خلال تدبير تسهيلات ائتمانية وعقد صفقات تأجير تمويلى لأصول البنك وأصول عملائه ومن ثم زيادة إيرادات شركة إنكوليس التى يتقاضى عنها عمولات مباشرة لصالح شركته البريطانية التى كانت تحتفظ بعقد الإدارة مع شركة إنكوليس. رئاسة البنك الأهلي المصري وعلى الرغم من أنه ليس لديه أى خبرة عملية فى إدارة أى بنك تجارى فى حياته، إلا أن فرقة الحرس القديم المتمثلة فى السيد على نجم والدكتور حسن عباس زكى لم تستح من ترشيح الأخ فاروق العقدة لقيادة البنك الأهلى المصرى وإقناع مؤسسة الرئاسة بأنه الشخص المناسب خلفا لسلفه السيد أحمد ضياء.. وترك السيد فاروق العقدة مساعده الذى أتى به «محمد نجيب» كعضو منتدب لشركة إنكوليس لمتابعة الغلة الشهرية التى تحول أوتوماتيكيا إلى شركته البريطانية وذهب لقيادة البنك الأهلى المصرى، وفى خلال مدة رئاسته للبنك الأهلى المصرى التى لم تتعد السنة، استطاع بحيله الماكرة تدبير تسهيلات ائتمانية بمئات الملايين من الجنيهات إلى شركة إنكوليس لتوفير السيولة لديهم، وذلك لتمكينهم من اقتناص أكبر عدد من الصفقات التى تعود بشكل مباشر على شركة الإدارة البريطانية.. بل أوعز إلى عملاء البنك اللجوء إلى شركة إنكوليس لتدبير احتياجاتهم التمويلية لشراء أصول من خلال شركة إنكوليس.. والسؤال هو: هل هناك استغلال وظيفة أبشع من ذلك؟! لم يكتف السيد العقدة بذلك بل سعى جاهدا من خلال العصابة الحاكمة لمساعدته فى الانتقال إلى البنك المركزى للعمل به كمحافظ خلفا للدكتور محمود أبوالعيون الذى أقصى عن موقعه لخلافه مع رئيس الوزراء عاطف عبيد وجمال مبارك عندما حاول أن يؤكد استقلالية قرارات البنك المركزى، الأمر الذى لم يرق لعصابة مبارك.. الذين وجدوا فى العقدة ضالتهم المنشودة وخصوصا أن مبارك وولده باتا يعرفانه من خلال الصفقات القديمة إياها ووثقا فى نواياه.. محافظ البنك المركزي بدخوله البنك المركزى فتح العقدة مغارة على بابا من أوسع أبوابها منذ ديسمبر 2003 وهو للآن ينهل منها، وعندما تولى منصبه كمحافظ حاول أن يحيط نفسه بأصدقائه المقربين كرؤساء للبنوك وأقصى من أقصاه وأبعد من أبعده عن الاقتراب من قيادة أى بنك، وبفكره السطحى الساذج تصور أن البنك هو رئيسه فقط، وكان لا يسمح لأحد من المصرفيين بالاقتراب منه ولو حتى فى مناسبة اجتماعية مادام أنه ليس رئيس بنك، ووصل به الحد إلى درجة أنه كان يصرح فى الاجتماعات الدورية لاتحاد بنوك مصر دون خجل أو استحياء بأنه لا يقبل أن يتعامل أو يتحدث مع أى مصرفى من نواب رؤساء البنوك أو أعضاء مجالس الإدارة وأن حدوده هم رؤساء البنوك الذين يختارهم بعناية خاصة بعد إجراء اختبارات الولاء الأعمى له.. ودأب السيد المحافظ منذ توليه منصبه على الاتصال برؤساء البنوك المنتقين بعناية ليحثهم ما بين فترة وأخرى على تفعيل التعاون مع شركة إنكوليس، من خلال منحها تسهيلات ائتمانية أو بيع بعض أصول هذه البنوك لشركة إنكوليس وإعادة استئجارها منهم.. وذلك لتحقق شركة إنكوليس أقصى دخل ممكن يصب جزء منه لدى شركة العقدة فى بريطانيا.. ومؤخرا وعند مراجعة الجهاز المركزى للمحاسبات فى عام 2008 لدفاتر شركة إنكوليس بصفتها شركة مساهمة مصرية يغلب عليها ملكية المال العام.. اكتشفوا موضوع شركة الإدارة البريطانية المملوكة للعقدة واستحواذها على نسبة لا بأس بها من الأرباح دون تقديم أى خبرة ملموسة أو مهمة إدارية فعلية.. وبالفعل أدرج الجهاز المركزى للمحاسبات ملحوظته فى التقرير معترضا على مثل هذه الممارسات السافرة.. فما كان من السيد محافظ البنك المركزى إلا أن انسحب بشركته البريطانية عن مسرح الأحداث.. ولم يجرؤ أحد على فتح هذا الملف حسب تعليمات مبارك الابن بأن يغض النظر عن مثل هذه المخالفة والتى عاصرها ورآها رأى العين السيد عبدالحميد أبوموسى، محافظ بنك فيصل الإسلامى، وأثبت اعتراضه على ممارسات شركة العقدة فى محاضر مجالس إدارة شركة إنكوليس.. إلا أن السيد العقدة إمعانا منه فى إذلال شركة إنكوليس بعد الاستغناء عن خدمات شركته البريطانية، قام بسحب صديقه الذى يجمع له الغلة «محمد نجيب» من وظيفة العضو المنتدب لشركة إنكوليس وقام بتعيينه عضو مجلس إدارة فى البنك الأهلى المصرى ثم ما لبث بعد فترة وجيزة أن عينه النائب الأول لرئيس مجلس إدارة بنك مصر ضاربا بعرض الحائط مخالفاته السابقة التى تسببت فى إقصائه عن موقعه فى البنوك المصرية منذ 10 سنوات.. بعد تركيع شركة إنكوليس عقب انسحاب فريق العقدة من الإدارة.. وسحب البنوك لتمويلاتها للشركة (حسب تعليمات سى فاروق لرؤساء بنوك مصر والأهلى... إلخ) اضطر المساهمون إلى اللجوء لفاروق العقدة لدرء الخطر الداهم على شركتهم.. فما كان منه – بعد أن استوعبوا الدرس - إلا أن يأمر صديقه محمد نجيب بالإعلان فى الصحف اليومية أنه لم يعد يرغب فى التجديد له فى موقعه كنائب لرئيس بنك مصر.. وما لبث أن عينه العقدة رئيسا تنفيذيا لبنك مصر.. ولكن هل تعرفون السر فى ذلك؟! حسب عقد تأسيس شركة إنكوليس، جرى العرف على أن يرأس مجلس إدارتها الرئيس التنفيذى لبنك الشركة العربية المصرفية.. أى أنه أوفد صديقه محمد نجيب لمعاودة قيادة شركة إنكوليس من أعلى نقطة فيها وهى رئاسة مجلس الإدارة والذى يعهد إليه برسم الخطة المستقبلية للشركة.. فهل هناك جبروت أبعد من ذلك؟! مناصب أخرى وهكذا ظل السيد فاروق العقدة يتقلد بجانب منصبه كمحافظ للبنك المركزى المصرى مناصب أخرى تتعارض مع وظيفته ومنها على سبيل المثال احتفاظه بمنصب رئيس مجلس البنك الأهلى لندن، وهو البنك المملوك بالكامل للبنك الأهلى المصرى بمصر، أى أن فاروق العقدة مرءوس للسيد طارق عامر بكونه رئيسا للبنك الأهلى المصرى، فى حين أن السيد طارق عامر تابع لمراقبة فاروق العقدة بصفته محافظا للبنك المركزى المصرى والسؤال: أين الجهات الرقابية من هذا العبث؟ بالإضافة إلى الملايين التى يتقاضها شهريا هو وأصحاب الحظوة من رؤساء البنوك الذين يغدق عليهم السيد فاروق العقدة من صندوق تحديث القطاع المصرفى!!! كان طارق عامر يحدد له مكافأة نهاية العام وبدلات حضور جلسات لندن، وفاروق يحدد لطارق راتبه السنوى فى مصر بصفته رئيس البنك الأهلى مصر.. إن الذى يجب أن يحاسب هو رئيس ومسئولى الجهاز المركزى للمحاسبات الذين يقيمون القيامة على التفاهات ويغضون النظر عن مثل هذه الفضائح التى لا تخفى على أصغر مصرفى فى مصر! السيد فاروق العقدة يتقلد كذلك منصب رئيس مجلس إدارة بنك اتحاد المصارف العربية والفرنسية (اليوباف) فى فرنسا.. والكوادر المصرفية التى أقصاها فاروق العقدة عن مناصبها خلال ال8 سنوات السابقة من المؤكد أنهم أكثر منه حرفية. العقدة وحاشيته من يحميهم؟ فاروق العقدة محافظ البنك المركزى يدعى الآن أنه لم يساند جمال مبارك والسؤال: لماذا كان يجدد لجمال مبارك كعضو مجلس إدارة فى البنك العربى الإفريقى الدولى ممثلا عن البنك المركزى المصرى ولفترتين متتاليتين منذ توليه مسئولية محافظ البنك المركزى؟ والسؤال: لماذا التنصل الآن يا سيادة المحافظ من قراراتك التى كنت تفاخر بأخذها بمحض إرادتك دون أى ضغوط عليك من أى أحد؟