فاجأ الأديب الصينى موا يان الأوساط الأدبية بحصوله الأسبوع الماضى على جائزة نوبل فى الآداب، إذ لم يعرف خاصة العرب عن الصين سوى قدرتهم المهولة على إغراق الأسواق العالمية بمنتجاتهم، موا يان الذى يكتب عن المواطن الصينى البسيط، يكشف الغطاء عن وجه آخر من وجوه الصين المتعددة، ذهبت معظم التخمينات إلى أن فوزه بالجائزة الأرفع عالميا فى مجال الأدب يرجع إلى كونه معارضا، ليس بالمعنى الصريح ولكن بالمعنى الرمزى، اسمه الذى اختاره لنفسه يكتب وينشر به يعنى «الصامت» أو «لا تتكلم». من حسن الحظ أن خبر الفوز تزامن مع إعلان المركز القومى للترجمة عن قرب صدور الترجمة العربية لرواية «الذرة الرفيعة الحمراء» للأديب الفائز، والتى ترجمها الدكتور حسانين فهمى حسين، أستاذ الأدب المقارن والترجمة بكلية الألسن بجامعة عين شمس، لتتعرف المكتبة العربية للمرة الأولى على إنتاج أديب نوبل الجديد. يقول د.حسانين: «بدأ اهتمامى بأعمال موا يان تقريبا فى 2005 وذلك فى العام الأول من البعثة العلمية للحصول على الدكتوراه من جامعة اللغات ببكين، حيث شاركت فى الكثير من الندوات والمؤتمرات حول الأدب الصينى المعاصر والكاتب موا يان، إلى أن التقيت به لأول مرة فى أكتوبر 2007 وأعربت له عن اهتمامى بدراسة أعماله ورغبتى فى أن أشرف بترجمة بعض من أعماله الإبداعية إلى القارئ العربى، فوجدت منه كل التشجيع، مع موافقة خطية منه لترجمة رائعته «الذرة الرفيعة الحمراء». ترجمة الرواية استغرقت سنة ونصف السنة، وتم تقديمها للمركز القومى للترجمة فى أغسطس 2011. هنأت السيد موا يان عقب الإعلان عن فوزه بهذه الجائزة الرفيعة، وعبر عن امتنانه وسعادته بأن يتعرف القارئ العربى على أعماله مترجمة إلى العربية. وأن تكون البداية مع رائعته المعروفة «الذرة الرفيعة الحمراء». - الواقعية السحرية التى تنتمى إليها روايات موا يان بما تحفل به من احتفاء بالثقافة المحلية وبالإنسان البسيط وبالحياة والناس، هى سبب حصوله على جائزة نوبل، يقول: «يتميز الكاتب موا يان بين أبناء جيله بأنه نجح فى أن يقدم للقراء الصينيين ولقراء العالم صورة دقيقة عن الريف الصينى وعن حياة الفلاحين الصينيين وعاداتهم وتقاليدهم وأسباب تخلفهم وخبراتهم الحياتية الثرية ومعاناتهم فى ظل ظروف الاستعمار الأجنبى (العدوان اليابانى على الصين 1937 – 1945)، وفى ظل القهر السياسى وتدنى القيم الأخلاقية وانتشار الظواهر السلبية التى عمت مجتمع الصين الحديثة بما فيها الرشوة والفساد الإدارى وضياع حقوق الإنسان البسيط». - لا أفضل أن يحسب موا يان على المعارضة فى الصين فهو يحتل منصب نائب رئيس اتحاد الكتاب الصينيين والذى يعتبر منصبا رسميا، كما أنه ليس لديه مواقف سياسية معارضة وإنما يظهر موقفه من النظام والسلطة فى كتابته الأدبية عن معاناة الشعب فى ظل هذا النظام. - «موا يان اسمه الأصلى قوان موا ييه، ويعود اختياره لاسم «موا يان» – الصامت–إلى نشأته فى الريف الذى يتميز بالزيادة السكانية، وسهولة نشوب الخلافات فيما بين الصغار، حيث كان والد موا يان قد نصحه فى صغره بتجنب الحديث مع أهل البلدة بشكل قد يعرضه وأسرته للكثير من المشاكل». - عدم معرفتنا كعرب بأديب فى قامة موا يان سببه عدم الاهتمام بمجال التبادلات الأدبية فيما بين الصين والعالم العربى، وقلة عدد المترجمين المتخصصين فى هذا المجال، على الرغم من التقاطع فيما بين الأدبين، كل منهما يرتكز إلى الحضارة العريقة والثقافة الشرقية الأصيلة، ولهذا تتشابه فى أحيان كثيرة الخلفية الاجتماعية والسياسية للأعمال الأدبية الصينية والعربية. - مثلا فى خمسينيات القرن العشرين تتشابه ظروف الشعب الصينى مع الظروف التى يعيشها الشعب المصرى والعربى، فقد كان انتصار الثورة الصينية وتأسيس الصين الجديدة 1949 بمثابة بصيص من النور والأمل للشعب المصرى والشعوب العربية التى كانت تتوق إلى التحر والاستقلال، فقد رأى الشعب المصرى معاناته من خلال اطلاعه على معاناة الشعب الصينى الصديق، ورأى النور والأمل من خلال نجاح الثورة الصينية بقيادة الزعيم ماو تسى تونج وتأسيس جمهورية الصين الشعبية. - «سبق لى نشر دراسة مقارنة بين روايتى «الباب المفتوح» للأديبة المصرية لطيفة الزيات و«أنشودة الشباب» للأديبة الصينية يانج موه، وقفت من خلالها على أوجه التلاقى بين الروايتين، كذلك دراسة حول أوجة الشبه بين أعمال رائد الأدب الصينى الحديث لو شيون والكاتب المصرى عبد الغفار مكاوى، وغيرهما من الدراسات المقارنة المنشورة باللغتين الصينة والعربية. وبالطبع فإننا نثمن الدور الكبير الذى يقوم به أساتذة قسم اللغة الصينية بكلية الألسن فى مجال دراسات وترجمات الأدب الصينى، واهتمام القسم بمواكبة التطور الذى يشهده الأدب الصينى المعاصر. - الصينى على عكس العربى، مهتم بقراءة الأدب، ليس فقط الأدب الصينى ولكن الأدب العالمى أيضا، ومنه الأدب العربى الذى اجتهد أساتذة اللغة العربية فى الصين منذ وقت مبكر إلى أهميته، وقدموا للقارئ الصينى عددا من الأعمال الأدبية العربية لكتاب من مصر وسوريا ولبنان والعراق وتونس والمغرب وليبيا والجزائر والكويت والسودان وغيرها من الدول العربية، وعلى رأس هذه الأعمال بعض من أعمال كاتبنا الراحل الكبير نجيب محفوظ وأعمال أخرى ليوسف إدريس وإحسان عبدالقدوس ويوسف السباعى وعبدالرحمن الشرقاوى وجمال الغيطانى وغيرهم من الكتاب المصريين. برواز فى الموضوع «لمحة» درج نقاد الأدب الصينى على تقسيم الأدب الصينى إلى أدب كلاسيكى وأدب حديث وأدب معاصر. أما عن الأدب الكلاسيكى فهو الأدب الصينى منذ التاريخ القديم حتى عام 1919، والأدب المعاصر يشير إلى الأدب الصينى منذ مطلع تأسيس جمهورية الصين الشعبية فى عام 1949 حتى الآن. كما يمكن تقسيم الأدب الصينى المعاصر إلى «أدب فترة السبعة عشر عاما» من عام 1949 حتى عام 1966، حيث عاشت من عام 1966 حتى 1976 عشر سنوات من المعاناة فى ظل الثورة الثقافية التى أدت إلى توقف حركة الإبداع. ومنذ عام 1978 بدأ ما يعرف بأدب الفترة الجديدة، فبعد انتهاء الثورة الثقافية شهد الأدب الصينى تطورا ملحوظا، وظهر على الساحة مجموعة من الكتاب الشباب المثقفين الذين أطلق عليهم اسم «الشباب المثقفين»، ونذكر منهم الكاتب ليانغ شياو شينغ، أول من وصف حياة الصينيين فى ظل الظروف الصعبة خلال الثورة الثقافية وذلك فى روايته المعروفة «الأرض السحرية» و«المدينة الثلجية» وغيرهما من الأعمال التى كانت تعكس الحالة النفسية للشباب الصينى آنذاك. وسعى الكاتب المعاصر خان شاو قونغ إلى الاهتمام بمشاكل الريف فى جنوب الصين. وهكذا فقد بدأ يظهر على الساحة الأدبية عدد من الكتاب المعاصرين الذين جمعتهم أفكار واحدة فيما يعرف بتيار البحث عن الجذور، والذى ضم الكتاب آه تشانغ، وموا يان ولو ياو، تشين جونغ شه، جيا بينغ وا، وانغ آن إى وغيرهم من الكتاب المعاصرين والذين أثروا الساحة الأدبية بعدد كبير من الأعمال الروائية والقصصية التى ترجمت إلى عدد كبير من اللغات الأجنبية بما فيها اللغة العربية. كما شهد إبداع المرأة الصينية تطورا كبيرا خلال أدب الفترة الجديدة. فإبان الإطاحة بعصابة الأربعة عام 1976، سارت إبداعات الكاتبات الصينيات المعاصرات فى نفس الطريق الذى سار فيه الأدب الصينى آنذاك. فكتبت أوليات الكاتبات اللائى ظهرن على الساحة الأدبية آنذاك فى «أدب الجراح» وسجلت كتاباتهن الكثير من المآسى والجراح التى عاناها الشعب الصينى خلال سنوات الثورة الثقافية (1966-1976)، مثل قصة «طفل الغابة» للكاتبة جانغ جييه التى عبرت بعاطفة الأنثى عن جراح الأمة الصينية خلال تلك الحقبة المهمة فى تاريخ الصين المعاصر. وكان ديوان الشاعرة شو تينغ «شجرة المطاط» الصادر عام 1977أول عمل أدبى نسوى يعبر عن التحدى للتقاليد الصينية القديمة والدعوة إلى المساواة والاحترام بين البشر، والإعلان عن ظهور جيل جديد من أجيال المرأة الصينية العصرية، فقد رسمت الشاعرة صورة أنثى رافضة للخضوع للرجل ومعبرة عن استقلالية الأنثى ومساواتها بالرجل فى مكانتها وحقها فى الحياة. ورواية الكاتبة داى خوو يينغ (1938-1996) «الإنسان، الإنسان» (1980) والتى كانت أول عمل أدبى فى الفترة الجديدة يعبر عن قيمة ومكانة الإنسان الصينى فى العصر الحديث، ففى هذه الرواية الشهيرة كانت دعوة الكاتبة إلى الاهتمام بالإنسان وآدميته وإعادة النظر فى التاريخ الصينى والكشف عن ونقد المعتقدات الإقطاعية البالية والقهر الذى عاناه الإنسان الصينى تحت ضغوط التيارات اليسارية المتطرفة، وطرح قضية كيفية الاهتمام بالإنسان وآدميته وكرامته ومكانته فى ظل النظام الاشتراكى الجديد. ويسعدنا أن نشير فى هذا الصدد إلى انتظارنا صدور كتاب «مختارات قصصية لكاتبات صينيات معاصرات» عن المركز القومى للترجمة والذى يحتوى على عدد من الأعمال القصصية لأربع كاتبات من أهم وأبرز الكاتبات على الساحة الأدبية الصينية. وشهدت الساحة الأدبية الصينية منذ مطلع القرن الحادى والعشرين ظاهرة أدبية جديدة فيما يعرف ب«أدب كتاب مواليد ما بعد الثمانينيات» ونذكر منهم الكاتب الشاب خان خان وقوه جينغ وغيرهما من الكتاب الشباب الذين ظهر فى إبداعاتهم التأثر الواضح بالثقافة الأجنبية وبالموجة التجارية، حتى عارض كثير من شيوخ الأدب الصينى انضمامهم لاتحاد الكتاب الصينيين.