فوجئت منذ أيام بدار نشر تعلن عن مسابقتها الروائية فى «الأدب الإسلامى»، وأن الروايات الفائزة سوف تنشر خلال معرض الكتاب القادم، صدمنى المصطلح، سألت بعض الأصدقاء، فوجدتهم يسخرون مما أسأل، وكانت دهشتى من شيئين، أولهما: المصطلح الذى لم تسمعه أذنى من قبل، وثانيهما: التوقيت الذى نمر به الآن على أرض الوطن. فجنس الرواية، وأسس كتابتها معروف ومعلوم، وجميعنا يعلم أنواع الرواية، ومدارسها الأدبية، لكن أن تدخل الأيديولوجيات فى الإبداع، فهذا ما يرفضه الكثيرون ممن يهمهم أمر الإبداع، على أى شكل سواء شعر أو قصة أو مسرحية أو رواية. الإبداع سواء عربى أو إفريقى أو يابانى أو أمريكى، فى البداية يرتبط جغرافيا أو مجازا بالمكان الذى صدر منه، وهو توضيح فى المعنى فقط، ولكنه فى النهاية يصب فى الفكر الإنسانى وتطوره. إننا أمام مرحلة مهمة وصعبة، فلا يصح أن يصدر مثل هذا الإعلان، لأننا سوف نقبل بأن تطلب دار نشر أخرى «رواية مسيحية»، ولكى نزيد التخصص أكثر تصبح رواية إخوانية، ورواية سلفية، ثم يليها، خذ باك أننا نقطع فى أجزاء الوطن، رواية نوبية وسيناوية وصعيدية ومنوفية وشرقاوية. بعض الأخوة السلفيين يقولون إن الأدب حرام، لكن لو أصبح أدبا إسلاميا فهو حلال، وكما أن قلة الأدب حرام، إذن الأدب حلال، وهذا غير «محل الأدب» والذى لن يعرفوه. استباحة دم الأدب، عموما، بهذا الشكل جريمة كبرى، ولا يصح أن نقوم بتلبيس جنس الرواية الجلباب، لأنه سوف يعوقها عن الحركة الطبيعية، والتى هى الحركة الإنسانية للحياة. هذا المصطلح ما هو إلا جس نبض، لو صمتنا ووضعنا الرواية داخل أيديولوجية دينية، سوف نقوم بعد ذلك بتعريف هذا الشخص بأديب إسلامى وشاعر إسلامى وقاص إسلامى، فلا تجعلوا الناس تضحك علينا بهذا الشكل. نعم، هناك عداء مستحكم بين رجال السياسة العرب والمثقفين، وارتبطت السياسة العربية لفترة طويلة، وربما لا تزال، رغم الثورات العربية بالهيمنة المطلقة، وتأليه السلطان ومن بيدهم مفاتيح القوة، بما يصحب ذلك من ظواهر التملق والنفاق والوشاية والتجسس، لذا كان المثقف والمبدع والكاتب عموما، محل شبهة وارتياب وتهميش، ما لم يكن جزءا من ماكينة النفاق الإعلامية والرسمية. إن الرواية الآن على مستوى العالم تتشعب ويتسع مفهومها، فكيف بعد أن شعرنا بقوتنا ووحدتنا وهويتنا فى ميدان مثل ميدان التحرير، يأتى اليوم الذى نحاول أن ننطلق فيه، فنرتد للخلف بقوة، ونقع على الأرض بشدة لتنهار الحضارة والفكر والإبداع ويبقى الجلباب الخاوى.