ردود مصرية حاسمة على تغول اسطنبول.. والخارجية: الاتفاق لا يؤثر على مصالح وحقوق أي أطراف ثالثة في تحرك وصف بالأهوج أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن توقيع "مذكرة تفاهم" لترسيم الحدود الاقتصادية البحرية بين تركيا في شمال المتوسط وليبيا في الجنوب، إلى جانب اتفاق عسكري آخر، مع الحكومة الليبية في طرابلس برئاسة فائز السراج، وفي هذا السياق اعتبر خبراء شؤون الشرق الأوسط أن هذا الاتفاق لا يأتي بجديد غير تعميق خلافات الأطراف الليبية إلى جانب زعزعة أمن المنطقة بالكامل، وهو الأمر الذي رُفض على نطاق واسع محليًا وعربيًا ودوليًا.
على المستوى الليبي، أدان رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، هذا التحرك المنفرد، وقام بتوجيه خطاب إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، بشأن مذكرة التفاهم الموقعة من رئيس حكومة الوفاق فايز السراج مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان؛ معتبرًا أن هذه الخطوة تمثل خطورة على الدولة الليبية ومستقبلها وأمنها.
استكمل صالح تحركاته ضد اتفاق أردوغان - السراج؛ وقام بتوجيه خطاب ءخر لأمين عام جامعة الدول العربية، أحمد أبوالغيط، دعا فيها أبو الغيط لعرض الموضوع على مجلس الجامعة، لإصدار قرار بسحب اعتماده لحكومة الوفاق، واعتماد مجلس النواب، باعتباره الكيان الشرعي الوحيد الممثل للشعب الليبي.
وذهب رئيس مجلس النواب في رفضه للاتفاق ألى الإشارة لخطورة التدخل التركي في الشؤون العربية، الذي بدأ في سوريا ثم يستكمل الآن في ليبيا؛ محذرًا من امتداده إلى دول عربية أخرى، لافتًا إلىخطوىة تدفق السلاح التركي إلى ليبيا عبر ميناءي مصراتة وطرابلس، وهو الأمر الذي لا تتحرج حكومة الوفاق من إعلانه.
فيما اعتبر عقيلة صالح أن الهدف من مذكرة التفاهم، هو استمرار استباحة أراضي الدولة الليبية وأجوائها وموانئها ومياهها الإقليمية من قبل الجيش التركي، ما يمثل احتلال تركي لأراضي ليبيا وانتهاك لسيادتها، مختتمًا تصريحاته الإعلامية بأن ترسيم الحدود البحرية بين دولة ليبيا والجمهورية التركية باطل، وأهم دوافع هذا البطلان أن ليبيا وتركيا لا تربطهما حدود بحرية مشتركة.
امتدادًا للموقف الإقليمي الرافض لعبث أردوغان بأمن المنطقة أدانت الخارجية المصرية أول الأمر الاتفاق التركي مع الحكومة الليبية برئاسة فايز السراج، بتوقيع مذكرتي تفاهم في مجال التعاون الأمني والحدود البحرية.
ووصفت الخارجية المصرية في بيان لها مذكرات التفاهم الموقعة بأنها معدومة الأثر القانوني، مستندة على ذلك بعدم إمكانية الاعتراف بها وفقًا لما تقتضيه المادة الثامنة من اتفاق الصخيرات السياسي بشأن ليبيا، الذي ارتضاه الليبيون؛ حيث حدد الاختصاصات المخولة لمجلس رئاسة الوزراء الليبي، التي تنص صراحة على أن مجلس رئاسة الوزراء ككل وليس رئيس المجلس منفردا يملك صلاحية عقد اتفاقات دولية.
ولفت بيان الخارجية المصرية إلى أن مجلس رئاسة الوزراء منقوص العضوية بشكل واضح وجلي، ويعاني خللًا جسيمًا في تمثيله للمناطق الليبية، ومن هنا أكَّدت الخارجية المصرية على محدودية صلاحيات رئيس مجلس الوزراء، والتي تتلخص في تسيير أعمال المجلس، وأن كل ما يتم من مساعٍ لبناء مراكز قانونية مع أي دولة أخرى يعد خرقًا جسيمًا لاتفاق الصخيرات.
فيما ركَّز موقف الخارجية المصرية على أن الاتفاق لا يلزم ولا يؤثر على مصالح وحقوق أي أطراف ثالثة، ولا يترتب عليه أي تأثير على حقوق الدول المشاطئة للبحر المتوسط، ولا أثر له على منظومة تعيين الحدود البحرية في منطقة شرق المتوسط، في الوقت الذي طالبت فيه المجتمع الدولي للوقوف في وجه هذه التصرفات التي تضر بأمن المنطقة، وتجهض جهود حل الأزمة الليبية.
امتدت حالة الرفض للاتفاق الأخير إلى المحيط الإقليمي، التي عبر عنها تحرك وزير الخارجية المصري سامح شكري، ووزير خارجية اليونان نيكوس دندياس، ووزير خارجية قبرص نيكوس خريستودوليدس، وإعلانهم عدم وجود أي أثر قانوني للإعلان عن توقيع الجانب التركي مذكرتي تفاهم مع فائز السراج رئيس حكومة طرابلس، في مجالي التعاون الأمني والمناطق البحرية.
امتدت المباحثات إلى اجتماع في القاهرة جمع سامح شكري وزير الخارجية المصري مع نظيره اليوناني نيكوس دندياس، وأكد الوزيران على عدم شرعية قيام السراج بالتوقيع على الاتفاقية الأمنية والبحرية مع الحكومة التركية، الذي يمثل إجهاضًا لكل جهود نزع فتيل الأزمة الليبية.
من جانبه أعلن رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس أن أثينا ستطلب الدعم من حلف شمال الأطلسي؛ مؤكدًا أن الحلف لا يمكنه أن يبقى غير مبال عندما ينتهك احد أعضائه القانون الدولي ويسعى إلى إلحاق الضرر بعضو آخر، وهددت أثينا بطرد السفير الليبي إذا لم تفصح طرابلس عن تفاصيل الاتفاق العسكري.
فيما أعلنت وزارة الخارجية المصرية عن تواصل جهودها لتكوين موقف دولي ضد اتفاق أردوغان - السراج معدوم الأثر؛ حيث أجرى وزير الخارجية المصري اتصالا مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان، اتفق فيه كل من شكري ولودريان على عدم مشروعية توقيع رئيس مجلس الوزراء الليبي لمذكرتي التفاهم مع تركيا اتصالا بالتعاون العسكري والمنطقة الاقتصادية الخالصة"، معتبرين أن الأمر يعد تجاوزًا "بصلاحيات رئيس الوزراء في اتفاق الصخيرات المؤسس لتشكيل حكومة وفاق وطني في ليبيا، مشيرين إلى أن مذكرتي التفاهم تمثلان انتهاكًا لقواعد القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن بشأن حظر السلاح إلى ليبيا".
وفي هذا الإطار توافق الوزيران على أهمية استمرار العمل في إطار مسار برلين للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة بشأن الأزمة الليبية.. والعمل على دعم مؤسسات الدولة وصلاحيات مجلس النواب باعتباره المجلس التشريعي المنتخب، مع التصدي الحازم للمليشيات والجماعات الإرهابية وإنهاء النزاع المسلح، وتفعيل المسار السياسي حتى الوصول إلى عقد انتخابات حرة".
الاتفاق الذي لم يعلن فحواه، سرب تفاصيله موقع "نورديك مونيتور" الاستقصائي وثائق للاتفاقية البحرية الأخيرة بين تركيا وليبيا، والتي حددت إحداثيات المنطقة الاقتصادية بين البلدين وأثارت غضب دول الجوار.
ووفقًا للموقع الاستقصائي نص الاتفاق على أن تركيا وليبيا حددتا تحديدا "دقيقا وعادلا" المناطق البحرية لكل منهما في البحر الأبيض المتوسط، حيث "يمارس الطرفان السيادة والحقوق السيادية و / أو الولاية القضائية وفقا لقواعد القانون الدولي المعمول بها مع مراعاة جميع الظروف ذات الصلة".
يرى مراقبون دوليون أن الخطوة التصعيدية الأخيرة من جانب أنقرة، تشير إلى عدم اكتفائها بأنشطتها المستمرة والمخالفة للقانون الدولي في التنقيب عن الغاز الطبيعي في المياه الإقليمية لقبرص بمنطقة شرق المتوسط فقط، بل إنها أيضًا أضحت عازمة على توسيع نطاق هذه الأنشطة البحثية عن الغاز والنفط إلى المياه الليبية في تحد واستفزاز شديدين للمجتمع الدولي.
ويحذر المتابعون للأزمة من أن الخطوة التركية الأخيرة بالاتفاق مع السراج تدعم مشروع القرصنة التركي اللاهث وراء الاستيلاء على ثروات الغاز الطبيعي والنفط في منطقة شرق المتوسط، خاصة أن هذا الاتفاق يرهن سيادة ليبيا برا وبحرا وجوا بشكل تام، ويسمح للطائرات والسفن التركية بدخول المياه والأجواء الليبية دون إذن السلطات هناك.
ويتوقع المراقبون أيضًا أن تدخل أنقرة المستمر والمتزايد في الشأن الداخلي الليبي وتقاربها مع مليشيات طرابلس وحلفائها السياسيين، يؤدي مستقبلًا إلى عرقلة تصدير الغاز من منطقة شرق المتوسط إلى أوروبا، من خلال توظيف واستغلال هذه المليشيات من أجل ضرب شاحنات نقل الغاز من مصر في طريقها إلى أوروبا أو في تفجير خط الأنابيب المزمع إنشاؤه بين إسرائيل وإيطاليا مرورا باليونان، والمعروف باسم "خط أنابيب شرق المتوسط".
من جهة أخرى، توقع كثير من المراقبين اتخاذ القاهرةوأثينا في المستقبل المنظور خطوات نحو التعامل مع المخططات التركية اللاهثة وراء الاستيلاء على جزء من كعكعة الاكتشافات الهائلة من الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط عن طريق الجهود الجماعية والتنسيق مع الحلفاء والشركاء، لبناء تكتل دولي يتصدى للأطماع التركية في المنطقة.