"كيف نجوت".. قالها وهو يرى شريط حياته يمر أمامه عندما كان يصارع الموت، وهو بين أحضان الأمواج، هل أراد الله لي الحياة من جديد لماذا وكيف سوف أعيش بعد أن غرق مصدر رزقنا جميع، وكيف سوف أنسى نظرة الموت في عين صديقي "جمعة" الذي غرق وهو يبحث عن رزقة؟.. تساؤلات وحزن يعتصر عيون أحد ال 6 الناجين من الصيادين المصريين بعد أن أنقذهم بحرية قطاع غزة. كما تعود يستيقظ من نومه قبل أذان الفجرمودعاً أهله، رامي تكاله على الله فهو الرزاق، ورزق البحر لا ينتهي، حمل حقيبته خلف ظهره، التي تحتوي على بعض الملابس الثقيلة ومصحف صغير وسجادة صلاة.
كان ثم أخرج تليفونه ليتأكد أن باقي رفاق الرحلة أجتمعوا، وبالفعل، بعد أن وصل إلى المركب وجد الجميع في انتظاره، لبدء رحلة البحث عن الرزق.
جميعهم في العقد الثاني من عمرهم، وسابعهم جمعة العشي 48 عاما، كان أكبرهم، بل بالنسبة للجميع هو الأخ الأكبر، كان المسئول عنهم وبمثابة القائد.
رغم البداية الغير مبشرة للبرد الشديد، قرروا جميعا أن "يتوكلوا على الله"، فقد مرت عليهم أوقات أسواء من هذا الوقت، ووفقهم الله بالرزق، وبعد ان أصبحوا في "عرض البحر"، تأزم الوضع وأصبح أسواء بالفعل، وبدأت الأمواج تأخذ شكل الجبال التي أعلنت غضبها لتواجدهم داخلها في هذا الوقت.
لم يكن مجرد غضب من أمواج ثائرة بل تحول إلى لعنة، ألقت غضبها إلى هذه المركب المتواضعة في قلب البحر "الهائج"، وقررت أن تنتقم منه وتغرقه لتثبت قوتها التي لم يكن من الصائب الإستهانة بها من البداية.
وما هي إلى ثواني وينقلب المركب، ويبحث جميع طاقمها عن أداة للنجاة، وهم وسط الأمواج التي لم تهدأ ثورتها، الصقيع لا يرحم والبرد مثل الجحيم في قسوته.
الجميع تشبث بشيء أمامه ولكن جمعة أكبرنا لم يوفق، مات رفيقي، جمعة صاحب ال48 عاما، ربما لم يستطع مقاومة البرد الذي اخترق قلبه، ربما استسلم للقدر، وقرر أن يرتاح من هذه الحياة المرهقة.
وبعد وقت كبير استجاب الله دعواتهم وانقذتهم أحد المراكب الخاصة ببحرية قطاع غزة، بعد أن قذفت بهم الرياح والأمواج إلى شواطيء بحر المنطقة الوسطى، قبالة غزة. بعد أن حظى بالدفء تلفت حولة وجد جميع الوجوه التي تعود على رؤيتهم، ولكن فقد بينهم وجه الأخ الأكبر، "جمعة"، ماذا سوف أقول لأسرته ؟.. كيف سوف أقنع طفله أن والده فقد في عرض البحر؟؟.. كيف سوف أعيش وأنا أحمل بداخلي نظرته الأخيرة وخلفة جبل الموج الهائج، قبل أن ينقض عليه ليفتك به.