«رقيقة واحساسها عالي.. صوت مميز».. تعرفه من بين مئات الأصوات.. انها الفنانة الكبيرة نجاة محمد كمال حسنى ، الشهيرة ب«نجاة الصغيرة».. والتي تحتفل اليوم بعيد ميلادها الثمانون. للفنانة نجاة الكثير من الذكريات والمحطات في حياتها، فقد تألقت الخمسينات والستينات من القرن العشرين، واعتزلت الغناء عام 2002 ، ثم عادت للغناء أول عام 2017 بأغنية «كل الكلام ».. لتعود بهذه الاغنية الى جمهورها، ولكن من وقت هذه الاغنية اختفت الصغيرة مرة اخرى عن الاضواء .. واليوم تطل على جمهورها مرة اخرى بمناسبة عيد ميلاها. ولدت نجاة الصغيرة في القاهرة، وهى ابنة محمد كمال حسني ، وكان يعمل خطاط عربي من دمشق من سوريا الشقيقة، حيث هاجر إلى مصر في شبابه وتزوج بوالدة نجاة في مصر بدأت نجاة في الغناء في التجمعات العائلية في سن الخامسة، وقدمت أول فيلم لها بعنوان هدية عام 1947في سن الثامنة، وكتب عنها الكاتب الصحفي فكري أباظة في بداية ظهورها إنها الصغيرة التي تحتاج إلى رعاية حتى يشتد عودها ، وفي حاجة إلى عناية حتى تكبر، وهي محافظة على موهبتها، مبقية على نضارتها . في مقابلة تلفزيونية مسجلة مع نجاة في منتصف الستينيات للتلفزيون المصري مع المذيعة سلوى حجازي، ذكرت نجاة أن لها ثمانية أشقاء وشقيقات، الشهيرة منهم هي الفنانة الكبيرة الراحلة سندريلا الشاشة المصرية سعاد حسنى ، وعندما بلغت نجاة سن التاسعة عشرة، كلف والدها شقيقها الأكبر عز الدين ليدربها على حفظ أغاني السيدة أم كلثوم لتقوم بأدائها فيما بعد في حفلات الفرقة، ووصلت نجاة إلى درجة من الاتقان، مكنتها من تقليد أم كلثوم، وبهذا بدأت مرحلة جديدة في مشوارها الفني. كان بيت والدها معروفا باسم بيت الفنانين فابنه، عز الدين حسني، هو ملحن موسيقي، وقد درس شقيقته نجاة الموسيقى والغناء، وابنه الآخر سامي حسني يعزف على آلة التشيلو، وهو كذلك مصمم مجوهرات وخطاط، والفنانة الشهيرة سعاد حسني هي الأخت غير الشقيقة لنجاة، وقد توفيت سعاد في لندن في ظروف غامضة. قدم لها الشاعر مأمون الشناوي أغنية أوصفولي الحب من تلحين محمود الشريف، وكانت هذه الأغنية بدايتها الفنية الحقيقية، ومنذ ذلك الوقت أحاطت نجاة نفسها بالمثقفين أمثال محمد التابعي، مأمون الشناوي، كامل الشناوي، فكري أباظة، محمود الشريف، وأخيها عز الدين حسني إضافة إلى رؤوف ذهني وغيرهم، فكونت نجاة بذلك هيئة مستشارين من أصدقاء ينصحونها، وينيرون الطريق أمامها، إلى جانب موهبتها عرفت نجاة بدقتها الشديدة جدا في العمل، وحرصها الشديد وكان لهذا الحرص دور كبير في نجاحها المستمر. تعاونت نجاة بعد ذلك مع الموسيقار محمد عبد الوهاب في لحن كل دا كان ليه، لتتوالي بعدها أعمالها الفنية، وغنت أيضا للملحنين امثال سيد مكاوي، وحلمي بكر، وبليغ حمدي، وكمال الطويل وهو أفضل الموسيقيين الذين استوعبوا صوتها[من صاحب هذا الرأي ، وكذلك الموسيقار محمد الموجي وهاني شنودة . تزوجت نجاة مرتين كان زواجها الأول في سن مبكرة، تحديدًا في عام 1955، عندما كانت بعمر 17 سنة، من كمال منسي الذي كان صديقًا لشقيقها، ثم انفصلت عنه حوالي عام 1960، ومن ثم تزوجت مرة أخرى في عام 1967 من زوجها الثاني، المخرج حسام الدين مصطفى ، إلا أنّها انفصلت عنه بعد مدة قصيرة، ولم تتزوّج منذ ذلك الحين، واتّخذت قرارًا بتكريس حياتها لتربية طفلها الوحيد وليد من زواجها الأول، والتفرغ لعملها. وفي السنوات العشر الأولى من مسيرتها الغنائية قلدت نجاة المطربين الآخرين، خاصة أم كلثوم، وفي عام 1946 كتب الصحفي المصري الشهير فكري أباظة في مجلة المصور تقريرا بعنوان مطربة يجب أن تستولي عليها الحكومة طالب فيه الدولة بدعم موهبة نجاة الصغيرة، وكانت بمثابة تدريب لصوتها رغم ذلك، في عام 1949.. قدم الملحن محمد عبد الوهاب بالفعل شكوى رسمية في مركز شرطة ضد والد نجاة، ادعى فيها أن هذا التدريب هو عرقلة للعملية الطبيعية لتنمية صوتها، وأنها ينبغي أن تترك وحدها لتتطور بشكل طبيعي دون تلك التدريبات . من اكثر المقربين لها في العصر الذهبي هو الملحن كمال الطويل، وهو أحد الذين تعاونوا معها كثيرا، كما يرى محمد عبد الوهاب، أن أعماله وألحانه كانت أكثر أمانا مع نجاة ووصفها بأنها صاحبة السكون الصاخب، وقال عنها الشاعر الكبير نزار قباني أنه عندما ينشر ديوانا شعريا فإنه يأمل في الحصول على نحو 15 ألف قارئ على أحسن تقدير، لكن عندما تغني نجاة إحدى قصائده فإنها تجتذب الملايين في العالم العربي. تركت نجاة تقليد المطربين الآخرين عندما غنت أول أغنية خاصة بها في عام 1955 عن عمر يناهز 16 عاما ، وقالت أن أغنيتها الأولى كانت لية خليتني أحبك أغنية ليلى مراد ، وبعد ذلك أطلقت العديد من الأغاني الأخرى لمحطات الراديو، وكانت مدة كل أغنية منها 7 إلى 8 دقائق ثم بدأت في تقديم الأغاني الطويلة، حيث تحكي كل واحدة من هذه الأغاني قصة ما وكل أغنية تستمر عادة لمدة 20 إلى 40 دقيقة في بعض تسجيلات الاستوديو، ولتحافظ نجاة على جمهورها لفترة أطول على خشبة المسرح تحول انتباه نجاة إلى شعراء مثل نزار قباني صاحب الأنماط الشعرية الكلاسيكية التي تجمع بين البساطة والأناقة في استكشاف مواضيع الحب والأمور النسوية، و تغنت نجاة بأربع من قصائده على الأقل والتي كانت تلحن من قبل عبد الوهاب. و كانت هذه الأغاني طويلة المدة ناجحة للغاية وزادت من شعبيتها على وجه السرعة حتى اقتربت من شعبية أم كلثوم، فكانت تخضع لبروفات مطولة في استوديوهات التسجيل، مما جعل أداءها الدؤوب على المسرح مميزا، سجلت نجاة الصغيرة أكثر من 200 أغنية . في سن 37 عام، قدمت العديد من الأغاني في فيلمها الأخير جفت الدموع، وكانت إحدى هذه الأغاني أغنية متى ، وهي من قصيدة كتبها نزار قباني ومن ألحان محمد عبد الوهاب، وكانت مدة هذه الأغنية في الفيلم أقل من عشر دقائق، و لكن بعد نجاح الأغنية، وفي السنوات التي تلت ذلك الفيلم، غنت نجاة هذه الأغنية عدة مرات على خشبة المسرح، وكانت آخر مرة في عام 2002 قبل اعتزالها الغناء وفي واحدة من الحفلات التي قدمتها نجاة في الثمانينات، عندما كانت في الأربعينات من عمرها، أدت نجاة أغنية متى على المسرح بأداء استمر لما يقرب من ساعة . لنجاة 13 فيلما سينمائيا على مدى 30 عاما ابرزها فيلم هدية ، مع عزيزة أمير و محمود ذو الفقار ، وبنت البلد ، مع إسماعيل يس، وغريبة ، مع أحمد رمزي و أحمد مظهر ، وفيلم الشموع السوداء ، مع صالح سليم و فؤاد المهندس ، وفيلم شاطئ المرح ، مع حسن يوسف ، وفيلم سبعة أيام في الجنة ، مع حسن يوسف و عادل إمام ، وفيلم ابنتى العزيزة ، مع رشدي أباظة ، وفيلم جفت الدموع ، مع محمود ياسين و محمود المليجي ، وبعد اعتزالها من أفلام السينما استمرت نجاة الصغيرة لأكثر من ثلاثة عقود لاحقة قدمت فيها حفلات غنائية عديدة وبعدها اعتزلت من المسرح أيضا . تعاونت نجاة مع العديد من الملحنين، منهم كمال الطويل الذي لحن عيش معايا و محمد عبد الوهاب الذي لحن لها كثيرا من أفضل أغنياتها بما في ذلك أغنية لا تكذبي المشهورة، وبليغ حمدي ، الذي لحن لها غنية أنا في انتظارك ، وسيد مكاوي الذي تفرق كتر، ومحمد الموجي الذي لحن عيون القلب . وقد ترددت بعض الاخبار فى العصر الذهبى عن قصة حب من طرف واحد من قبل الشاعر الكبير كامل الشناوي، فلقد أحبها بجنون وأثناء خصامه لها لا يتحمل بُعدها ويقول : افهميني على حقيقتي.. إنني لا أجري وراءك بل أجري وراء دموعي، ولقد تعرض الشناوي لكثير من الصدمات أثناء حبه لنجاة الصغيرة، كان أبرزها عام 1962 في عيد ميلادها عندما اشترى هدايا الحفل، وحضر برفقة أصدقائه في شقتها بالزمالك، وعند إطفاء الشموع اختارت يوسف إدريس ليقطع التورتة معها ممسكا بيدها، فانسحب الشناوي حزينا باكيا، ثم تضاعفت أحزانه حين رآهما يخونانه، فكتب كلمات اغنيته الشهيرة «لا تكذبي إني رأيتكما معا» وفي أحد الأيام ذهب لمصطفى أمين ومعه قصيدته، فاتصل بنجاة على أمل أن تغنيها، وألقاها عليها في الهاتف كامل الشناوي بصوت منتحب، وبعد انتهائه فوجئ برد بارد «الله حلوة قوى الأغنية» وكأنها لا تدري أنها كتبت فيها، وقد عبر الشناوي بقوله «إنها تحتل قلبي.. تتصرف فيه كما لو كان بيتها تكنسه وتمسحه وتعيد ترتيب الأثاث وتقابل فيه كل الناس.. شخص واحد تتهرب منه. صاحب البيت ثم عبر عن خيانتها له بقوله «هل ألعنها أم ألعن الزمن.. كانت تتخاطفها الأعين فصارت تتخاطفها الأيدي ، ثم كتب قصيدته الرائعة التي غناها عبد الحليم حافظ : حبيبها لست وحدك حبيبها . وفي إحدى المرات شاهد أحد محبيها يتودد إليها، فكتب ساخرا: «إنها كالدنيا.. لا تبقى ولا تتجدد إلا إذا خرج من حياتها أناس.. ما أكثر الذين شاهدتهم وهم يغادرونها وما أكثر المواليد الذين رأيتهم على بابها وعن قصة حب الشناوي الأليمة قال صديقه الصحفي الراحل مصطفى أمين في كتابه الشهير «شخصيات لا تنسى»: «عشت مع كامل الشناوي حبه الكبير، وهو الحب الذي أبكاه وأضناه.. وحطمه وقتله في آخر الأمر، أعطى كامل لهذه المرأة كل شيء المجد والشهرة والشعر ولم تعطه شيئا أحبها فخدعته.. أخلص لها فخانته.. جعلها ملكه فجعلته أضحوكة الصديق المقرب من الشناوي وصف مشاعره أثناء كتابة هذه القصيدة قائلا: «كتب قصيدة «لا تكذبي» في غرفة مكتبي بشقتي في الزمالك.. وهى قصيدة ليس فيها مبالغه أو خيال.. وكان كامل ينظمها وهو يبكي.. كانت دموعه تختلط بالكلمات فتطمسها.. وكان يتأوه كرجل ينزف منه الروم العزيز وهو ينظم.. وبعد أن انتهى من نظمها قال: إنه يريد أن يقرأ القصيدة على المطربة بالتليفون . وقال مصطفى امين أن كامل كان يقول: «لا أفهمها، فهي امرأة غامضة لا أعرف هل هي تحبني أم تكرهني..؟، هل تريد أن تحييني أم تقتلني..؟.. وكان الشناوى يجلس يوميا يكتب عن عذابه، وأصبح يتردد على المقابر، وحينما سأله مصطفى أمين عن ذلك، أجابه بابتسامه حزينة وقال: «أريد أن أتعود على الجو الذي سأبقى فيه إلى الأبد .. حتى توفى الشناوى في 30 نوفمبر 1965، ومن أبرز قصائد الشناوى حبيبها ، لست قلبي، يوم بلا غد، حياتي عذاب، الليل والحب والموت. حصلت نجاة الصغيرة في الستينات على وسام من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ، كما وقد حصلت على وسامين من الرئيسين التونسيين الحبيب بورقيبة ثم زين العابدين بن علي ، وفي عام 1985، قدم لها الملك حسين ملك الأردن وسام الاستقلال من الدرجة الأولى، وفي عام 2006 ، حصلت على جائزة الشاعر الإماراتي سلطان بن علي العويس وكان عنوان الجائزة هؤلاء أسعدوا الناس، وقدمت في دبي، وحصلت نجاة على الميدالية الذهبية ، ومنذ عام 2006 لم تظهر نجاة الصغيرة على شاشة التلفزيون ولم تُشاهد في الأماكن العامة ، وفي عام 2010، أكد أحد المراسلين أنها ما زالت تعيش في القاهرة، لكنها تسافر أحيانا إلى لندن في الصيف لتلقي العلاج الطبي ، وفي عام 2014، ، ظهرت نجاة في مكالمة هاتفية مع قناة سي بي سي المصرية وكانت تتحدث من ألمانيا، حيث كانت تتلقى العلاج الطبي. وفي يناير 2015، رفضت نجاة الصغيرة عروضا نقدية كبيرة من قنوات تلفزيونية تريد منها المشاركة في مسلسل تلفزيوني مقترحا عن أختها سعاد حسني.، وفي بداية عام 2017، قررت نجاة الصغيرة العودة إلى الساحة الفنية من خلال أغنية كل الكلام من كلمات عبدالرحمن الأبنودي، وألحان طلال، وتوزيع يحيى الموجي وقد استغرق تنفيذ العمل سنة كاملة وقد تم تصوير الأغنية فيديو كليب من إخراج هاني لاشين ، ومن أشهر أغانيها « اوصفوا لى الحب .. اسهر وانشغل انا .. أيظن .. شكل تانى .. لا تكذبي .. ساكن قصادى ..انا بعشق البحر.. عيون القلب.. القريب منك بعيد .