إنشاء ممثلية فى تعز اليمنية.. وسك عملة ال«پكونيا».. وانتشار صور مواطنين بعلم الدولة الجديدة مزاعم بمنحها عضوية الكومنولوث والبرلمان الأوروبى.. وموافقة مبدئية من ألمانياوفرنسا الانضمام متاح للجميع بشرط احترام الحريات.. ووعود بمزايا اقتصادية وحماية من «بعض الدول» على مهل وبتحركات تبدو مدروسة، يسعى مواطنون عراقيون وتوانسة يحركهم مواطن أمريكى، إلى إقامة دولة جديدة باسم «بيرلاند»، فى منطقة تسمى «بير طويل»، على الحدود بين مصر والسودان وليبيا، تماشيًا مع ما يشاع عن مخطط «الشرق الأوسط الجديد»، الذى لم يكد الحديث عنه ينتشر حتى دبت فى المنطقة الحركات الانفصالية المطالبة بالاستقلال بدول جديدة، وهو ما تحقق بالفعل باستحداث دولة «جنوب السودان»، بينما لا تزال جبهة البوليساريو تبذل مساعيها للانفصال ب«جمهورية الصحراء» عن المغرب، فيما تتجه المؤشرات بعد ثورات الربيع العربى إلى إنشاء وطن قومى للأكراد بين العراق وسوريا وإيران وتركيا، مع دعوات مشابهة لانفصال جنوب اليمن. وعلى الرغم من أن الأمر يبدو مستغربًا أو هزليًا، فإن «الصباح» تتبعت خيوطه، وتوصلت إلى أن الدعوة لإنشاء دولة «بيرلاند» بدأت مع الأمريكى جرمايا هيتون، فى يونيو 2014، حينما غرس علمًا شخصيًا فى «بير طويل»، بين مصر والسودان ونصب ابنته إميلى «7 سنوات» أميرة على المنطقة المعروفة أيضًا باسم مثلث «بارتازوجا»، والتى لا يدعى أى من البلدين ملكيتها، وهى تقع جنوب خط عرض 22 شمالًا، وتبلغ مساحتها 2060 كلم مربع، والمثير أن سلاح المهندسين الأمريكى أبدى اهتمامًا بها فى خرائطه فى ستينيات القرن الماضى، كما أن البدو هناك يتحدثون عن تجهيزات «تحت أرضية» ترجع إلى عام 1987. هذه الإرهاصات لم تكن طافية على سطح الاهتمام الإعلامى وربما السياسى عام 2010، وتحديدًا يوم 25 يناير، عندما أنشئت فى المنطقة ما تسمى «دوقية بير طويل»، لكن أحدًا لم يتعاط مع الأمر بالجدية المناسبة، إلى أن جاء عام 2015 وأصدرت الدوقية عملة معدنية من فئة «10 پكونيا»، حملت على أحد جانبيها رسمًا لغزال مع تاج ملكى، والجانب الآخر نقش عليه رسم لرجل ملتح يحمل فى يمناه عصا بمقبض مذهب، وفى يسراه كتاب رسم عليه الصليب يبدو أنه الإنجيل. تجدد الدعوة شهر أكتوبر من العام 2015 نفسه، شهد تجدد الدعوة إلى إنشاء الدولة الجديدة، من خلال شخص يدعى Emir A. Haiyawi وهو عراقى الجنسية مقيم فى بروكسل، وأخذ يتحرك فى دول الاتحاد الأوروبى رافعًا علم الدولة المزعومة، وتواصل مع العديد من المواطنين حول العالم لإقناعهم بإقامة «بيرلاند» فى منطقة بير طويل، مستندًا إلى أنها غير متنازع عليها، وأن كلًا من مصر والسودان لا تطالب بها. وخلال الحديث معه، ذكر أن هناك مؤسسات أوروبية وغربية عمومًا تتواصل معه لدعم الدولة بعد إعلان استقلالها، وأوضح أن هناك دراسات ورؤى لقيام الدولة، إلا أن الخطوة الأولى التى يتم التحضير لها هى عملية الانتقال إلى هناك عبر مجموعات والتخييم فيها، نظرًا لأنها منطقة صحراوية، ومن ثم تنظيم الحياة هناك عبر توفير مستلزمات العيش من مأكل ومشرب وملبس، وهو ما كشف أنه تواصل كذلك مع جمعيات لتوفرها له. حامل لواء «بيرلاند» دعا إثر ذلك كل من يرغب إلى الانضمام للدولة الجديدة بمن فى ذلك الإسرائيليين، وطمأنهم بأنه تواصل مع بعض المؤسسات لبناء مدينة كاملة، على أن تكون بيرلاند ضمن دول الكومنولث، ومن ثم يكون من حق مواطنيها الدفع بممثلين عنهم فى البرلمان الأوروبى، مشيرًا إلى أنه بعد وضع اليد على الأرض سيتجه وفد إلى ألمانيا أو فرنسا، حيث سبق أن قابل بعض الشخصيات والمؤسسات هناك، وقد قبلوا الفكرة مبدئيًا. ويؤكد العراقى أن الحرية فى الدولة الجديدة ستكون مطلقة، وأنه لا أحد سيتدخل فى الحياة الشخصية للمواطنين، وأن لكل شخص حرية التعبد وممارسة طقوسه كيفما شاء دون الإضرار بالآخرين. ومنذ العام الماضى، أنشأ صاحب الفكرة عددًا من الحسابات على مواقع التواصل لحشد المواطنين من مختلف دول العالم، وقد حظيت دعواته باستجابة من الكثيرين، إلا أنه واجه تساؤلات بشأن طبيعة الحكومة والإسناد الدولى ومدى الحماية التى سيتمتعون بها، فكانت إجابته بأن هناك دولًا ستتولى عملية الحماية طبقًا لعضوية الدولة فى الكومنولث والاتحاد الأوروبى، كما أن جوازات السفر ستكون مطبوعة فى ألمانيا طبقًا لتأكيدات بعضهم، منوهًا بأن الدولة الجديدة حاليًا لديها هيئة عليا ومجلس تأسيسى، لكنه لم يعلن بعد، فى انتظار الوقت المناسب. وكثيرًا ما نشر هذا العراقى صورًا له فى البرلمان الأوروبى والولايات المتحدة بل وأمام الأهرامات فى مصر، حاملًا علم «بير طويل» الذى يتكون من ثلاثة ألوان، والذى ظهر به مواطنون من جنسيات مختلفة فى أماكن متفرقة، منها مدينة تعز اليمنية حيث فتح ممثلية لمجتمع «بير طويل»، ما يثير تساؤلات بشأن البداية من اليمن، ومن بالتحديد الذى يدعم هذه الفكرة، خاصة أنه أشار إلى إمكانية الاستفادة من سيناريو دولة «فرسان مالطا» التى ينتشر مواطنوها فى العالم ويحملون جواز سفر، دون وجود دولة بمعناها على الأرض. خبراء: لا أحد سيسمح الحاج عوض عبد الله الظاهر، أحد مشايخ النوبة، أوضح ل«الصباح» أن منطقة «بير طويل» الجبلية، يقطنها الرحل «البدون» أى من لا يحملون هوية، ويتنقلون من مكان إلى آخر طبقًا لوجود العشب فى «الخور» وهو الوادى، حيث يعتمدون على رعى الأغنام والماشية ويقيمون فى خيام، وذكر أن تلك المناطق يعيش فيها 3 قبائل هى «البجه والبيشارية والعبابدة» وكل قبيلة لها مناطق تتنقل فيها، ولهم بعض المناطق شبه دائمة، فيما يتحركون فى باقى المساحات والأودية طبقًا لسقوط المطر ووجود الخضرة، مؤكدًا أنهم لا يحملون أى هويات أو بطاقات شخصية وأنهم يدخلون الحدود المصرية أو السودانية دون أى إثباتات. لكن الحاج عوض أكد أنه رغم الحياة فى هذه المنطقة، ومع عدم اهتمام مصر والسودان بالاستفادة منها، فإن أى تحركات لغرباء فيها غير «البدون» المعروفين لدى الجهات الأمنية، بالتأكيد ستستلزم تحركات من السلطات، وأن الأمر لن يترك للعابثين لإقامة أى تجمعات مزعومة هناك، وهو الأمر نفسه الذى سيفعله مشايخ القبائل الذين لن يسمحوا لأحد بالسيطرة على مناطق معيشتهم. من جانبه، علق اللواء أحمد عبد الحليم، الخبير الإستراتيجى، بأنه إذا كانت هناك أى تحركات داخل الحدود المصرية أو حتى فى الجوار منها، لن تسمح بها مصر، وكذلك فى الجانب الآخر فيما يتعلق بالسودان، وأشار إلى أن الأمر قد يكون فى إطار الشائعات التى تهدف إلى خلق حالة من البلبلة والتوتر فى المنطقة، فى إطار حروب الجيل الرابع التى اعتادت إشاعة العديد من الأمور خلال الفترة الماضية، كان منها إشاعة دعم مصر لتظاهرات إثيوبيا. وبالمثل أكد مصدر أمنى ليبى، أن تلك المنطقة يمكن أن تتحول إلى موطن للجماعات الإرهابية المتطرفة التى تفر من ليبيا ومناطق أخرى، وأن أى تجمعات هناك يمكن أن توفر الغطاء لوجود متطرفين وإرهابيين، ما يؤدى إلى توتر على الحدود مع مصر والسودان، غير أنه استبعد تحقق فكرة إنشاء الدولة الجديدة المزعومة.