تمردوا على كهنوت الكنيسة وتشدد الأزهر.. والدين بالنسبة لهم معتقد اخترعه التاريخ يجتمعون فى كافيهات وسط البلد.. و«الصباح» حضرت إحدى جلساتهم بالتوازى مع انطلاق ثورة ال25 من يناير ضد السياسة والفساد فى مصر، انفجرت ثورة أخرى فكرية وعقلية، خاصة بين الأعمار الشبابية من 17: 35 عاماً، ومن بين قائمة طويلة من المعتقدات والأفكار الدخيلة على المجتمع المصرى، بدأ فى الفترة الأخيرة ظهور لفكر جديد يدعمه الاتحاد الدولى للدراسات الإنسانية والأخلاقية (IHEU) - وهو اتحاد عالمى مكون من 117 منظمة من المنظمات الإنسانية والأخلاقية والعقلانية والتنويرية والإلحادية والعلمانية - وتسعى تلك المنظمات للتفكير الحر فى 38 بلدًا من ضمنها «مصر»، تحت شعار «معاً من أجل إنسان سعيد» وهو الرمز الرسمى للاتحاد الدولى للدراسات الإنسانية والأخلاقية، بالإضافة لكونه الرمز المعترف به كشعار عالمى للعلمانية الإنسانية، طبقاً للقانون الداخلى لل IHEU. القمع هو السبب! بعد ظهور تحركات للاتحاد فى الفترة الأخيرة فى مصر، لاسيما من خلال تجمعات شبابية تعتنق أفكارهم بوسط القاهرة، واستطاعت «محررة الصباح» حضور أحد اجتماعاتهم والتحدث مع أحد أعضاء الاتحاد وهو أحمد ياسر 27 عاماً، يعمل محاسباً بإحدى الشركات الأجنبية العالمية فى مصر، والذى أوضح أن سبب انضمامه والتطوع فى الاتحاد كان نتيجة الأعمال القمعية والتدخلات الدينية فى الدولة لتغييب العقول - على حد قوله، مضيفاً أن الاتحاد يدعم الإنسانية وهو موقف ديمقراطى وأخلاقى يؤكد على أن البشر لهم الحق فى إعطاء الشكل والمعنى الذى يريدونه لحياتهم الخاصة وليقف على بناء مجتمع أكثر إنسانية من خلال نظام أخلاقى قائم على القيم الطبيعية والبشرية بروح العقل والتساؤل الحر من خلال قدرات الإنسان، وهى مناقضة للنزعة الإيمانية حيث لا تقبل وجهات النظر الغريبة عن الواقع. تاريخ غامض للمنظمة IHEU»» عبارة عن هيئة سعت لإنشاء جماعات داعمة لفكرها فى جميع أنحاء العالم، تعمل على المستوى الدولى الذى يعتمد على الدعم والمشاركة من أعضائها، ليتم تمثيلها سياسياً وإنسانية فى الهيئات الدولية، حول الدولة ومؤسساتها الدينية، ومن بنود التطوع فى المنظمة أنها تعتمد على الإيمان بالإنسانية، والفكر الحر، والعلمانية الأخلاقية، والقسم التالى: «الإنسانية هى الديمقراطية الأخلاقية التى تعبر عن الحياة وتؤكد أن البشر لديهم الحق والمسؤولية لإعطاء معنى وشكل لحياتهم الخاصة، لأنها تقف على بناء مجتمع أكثر إنسانية من خلال الأخلاق على أساس القيم البشرية والطبيعية الأخرى بروح العقل والبحث الحر من خلال القدرات البشرية. وليس من خلال الإيمان أو وجهات النظر غير المنطقية». مصريون يعبدون الفلسفة فى البداية كان التعرف على تلك المجموعة من الشباب عبر إحدى صفحات مواقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، تحدثنا إلى أحد أعضاء المجموعة التى تعتنق هذا الفكر، مدحت كامل 31 عامًا يعمل معيداً للغة الألمانية بإحدى الجامعات الأجنبية فى مصر، والذى كشف أن المجموعة تتكون من 7 أفراد، وللتعرف على فكرهم، قال إن مصطلح «الإنسانية، والطبعانية» هى فكر علمى منطقى استخدمها عدة علماء منها عالم الأحياء إدوارد ويلسون باعتبارها رؤية منطقية تتوافق مع منطقية وجود الحياة. وأضاف أن الطبعانية وهى علم فلسفى آخر يوازى الإنسانية، وكلاهما يرفضان أى شىء خارج المألوف أو الطبيعة. وأضح أحمد ياسر، أحد أعضاء المجموعة، أن الأمر ليس شيئاً حديثاً يلهث خلفه بلا دراية الشباب كما يريد أن يروج البعض، بل هو علم قديم يعود إلى بدايات القرن الماضى حينما أراد مجموعة من الفلاسفة منهم جون ديوى وارنست نايجل وسيدنى هوك وروى وود سيلار تقوية الفلسفة عبر جعلها قريبة من العلم الحديث. وقد احتج هؤلاء الفلاسفة بأن علوم الطبيعة تأخذ على عاتقها مهمة الدفاع عن حق العلم والعلماء فى البحث والدراسة والتنظير فى كل جوانب الحياة بلا خوف من سلطة دينية أو تقاليد أو خرافات أو سلطات كهنوتية. بنود قبول عضوية المنظمة إجراءات التقدم وقبول العضو الجديد تعتمد على لوائح والتزامات تعرض على اللجنة التنفيذية المحلية للمنظمة ثم الرئيسية، ليتم تحديد فئة العضوية وقبوله من عدمه، وتختلف العضوية الى ثلاث فئات: عضو كامل، وعضو تخصصى، وعضو منتسب، ولكل فئة فوائد والتزامات تقرها اللوائح التابعة للمنظمة، وهو ما شرحته ل«الصباح» ميرنا كاريس، إحدى عضوات المجموعة، واصفة سبب انضمامها لتلك المنظمة أنها آمنت بالمعتقد الفلسفى الذى تدعمه تلك الجهة، مشيرة إلى أن الإنسانية تجعلنا ندرك أننا لسنا سوى نوع واحد من بين مئات ملايين الأنواع الحية الأخرى التى تطورت على امتداد ثلاثة مليارات سنة ونصف السنة على كوكب الأرض الذى يدور مع كواكب عديدة ضمن المجموعة الشمسية. مضيفة: «وقد تكون تلك المجموعة واحدة بين مليارات المجاميع الأخرى ضمن مجرة عادية تحوى مئات مليارات الشموس، وهذه المجرة نفسها تقع ضمن عنقود من المجرات لا تختلف كثيرًا عن باقى ملايين المجرات الأخرى وهذه المجرات بدورها تتساحب مبتعدة عن بعضها فى كون فقاعى يتوسع باستمرار وقد يكون هذا الكون بدوره واحداً من بين عدد لامنتهٍ من الأكوان الأخرى. فهل حقاً من الممكن أن يكون كل هذا قد وجد وتم تصميمه من أجل هذا النوع الضئيل الموجود فى كوكب عادى بين ملايين المجموعات الشمسية والمجرات والعناقيد والأكوان؟ لا يبدو الأمر محتملاً - حسبما قالت. العلمانية ليست كفراً بالدين هكذا قالت مريم إيهاب 29 عاماً، والتى تمتلك شركة للسياحة الداخلية بمنطقة طلعت حرب، مشيرة إلى أن المنطقيين والوجدانيين والطبعانيين والإنسانيين ليس بالتحديد عليهم أن يكونوا غير مؤمنين بالله بل «إننى هنا ضمن تلك المجموعة من أجل الإصلاح»، متابعة حديثها: «إن حركة الإصلاح الإنسانى قامت فى القرن ال 16 وكان هدفها إصلاح الكنيسة الكاثوليكية فى أوروبا الغربية، وكانت شريحة واسعة من المسيحيين الغربيين قد رأت انتشار ما اعتبروه أفكاراً باطلة وتصرفات غير لائقة داخل جسم الكنيسة، وفى مقدمتها بيع صكوك الغفران، وشراء رجال الدين المناصب العليا كالمطران والكاردينال وصولاً إلى البابا، وهو ما نراه نحن الآن فى مصر، وبعضنا مسلمون أيضاً لا يجدون الأمر ذاته فى الأزهر، حيث أصبح رجال الدين والدولة والجهل بالإنسان وقيمة عقله ومنطقيته سبباً فيما نحن فيه الآن فى الأرض». من جانبه قال الأنبا إيسيذوروس أسقف ورئيس دير السيدة العذراء مريم، البراموس بوادى النطرون، ل «الصباح» إن العلاقة بين الكنيسة والدولة، تقوم فى الأساس على الفهم المسيحى الحديث، وعلى الفصل بين المؤسسة الدينية والمؤسسات الخاصة بشؤون السياسة والإدارة والأحزاب، مشيراً إلى أن كل تلك المعتقدات التى يشير إليها الشباب فى زماننا الحالى وينضمون إليها هدفها الرئيسى هو العلمانية، أى فصل الدين عن الدولة، فتضيع منهم الأسس الحقيقية فى أنهم يفصلون الدين عن أرواحهم وعقولهم وليس عن القيادة الوطنية كما يزعمون. مؤكداً أن الكنيسة تعرف عن ذاتها «ككيان ذى رسالة روحية، وليس كرسالة سياسية»، وهو ما يدعم حقوق الإنسان ويحميه ويدعمه، ولذلك فإنّ «الشأن السياسى لا يدخل مباشرة فى رسالتها»، بل هى تعمل فى كنف الدولة وفى طاعتها. وتعارض القوانين التى تقرها الحكومات ضد الحقوق التى تراها الكنيسة إلزامية مثل الإجهاض أو القتل الرحيم، وتدعم القوانين التى تعزز العدالة الاجتماعية والإنماء المتوازن بين الطبقات. ليأتى رأى الأزهر متمثلًا فى الشيخ أسامة الأزهرى المستشار الدينى للرئيس عبدالفتاح السيسى، مؤكداً أن بعض المعتقدات تتعمد دمج الدين فى كل قضية وقصة، ومن يقومون بذلك عادة يتشتت لإيجاد بدائل لتفسر نشأة الكون، مؤكدًا أن كثيرًا من المعتقدات التى تريد فصل الدين عن الدولة لا منطق فى أفعالها ومطالبها، فهناك فرق بين أن تؤمن بالله وتريد أن تطبق فكراً سياسياً معيناً وأن تدخل فى انعدام وجود إله وترفض الدين تحت شعارات سياسية. وأضاف الأزهرى ل«الصباح» أن هناك فرقًا بين الإلحاد والعلمانية، مؤكداً أن العلمانية هى فصل الدين عن الدولة، بمعنى أن الدين لا يقود الدولة، ولا يتدخل فى حياة الإنسان ولا فى الأنظمة، ولا فى توجيه الناس، وهذا لا يستلزم إنكار وجود الله، لأن الإلحاد وما يعادله من كل ما ذكر من معتقدات، هو إنكار لوجود الله، والعلمانى قد يكون متدينًا، وخاصة مَن يسمون أنفسهم بالعلمانيين المسلمين، فهم مسلمون متدينون، وكثير منهم يصلى ويصوم.