«منير» ينقل بضاعته من أسيوط لبيعها أمام الكاتدرائية.. وسعد وزوجته يتقاسمان الحمولة والتجول أمام الكنائس «بالأخضر الطبيعى» الذى صنعته يد الخالق، يستقبل الأقباط عيد «السعف» والذى تنتشر فيه بكثافة أوراق النخيل فى أشكال وألوان مختلفة، يلتقطها المحتفلون كبارًا وصغارًا، فيما يتنافس صناع وبائعو «السعف المُشكل» فى تقديم صور جديدة لبضاعتهم، وبينما تنصرف الأنظار إلى شكل المحتفلين فى ألوانهم الزاهية فى العيد، يبدو البائعون بعيدين عن الاهتمام. عم منير الرجل الصعيدى السبعينى، والذى يحضر من أسيوط كل عام فى نفس الموعد، حاملًا بضاعته من سعف النخيل، جلس أمام الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وعلى وجهه كانت حرفته ترسم آثارها على وجهه وكفيه اللتين يجمع بهما جريد النخيل وسنابل القمح، فيربط مجموعة من السنابل مع بعضهم البعض ويجهزهم للبيع، ويقطع سعف النخيل ويجمله ليبيعها فى عيد السعف. بجلبابه وعمامته البيضاء التى ترك الشقاء أثره عليها، يركب عم منير القطار ليلة أحد السعف من كل عام، ويحمل فوق رأسه بضاعته المليئة بالسنابل وسعف النخيل متجهًا إلى القاهرة، يفترش الأرض أمام كل كنيسة لفترة من الوقت، يلف على قدميه طيلة النهار يبيع السعف للأقباط المصلين وزوار الكنائس ثم يجلس آخر النهار أمام الكاتدرائية بالعباسية، ينادى بصوته الرخيم: «اشترى منى يابيه بركة عيد الزعف». يقول العم منير ل«الصباح» كل عام أبيع السعف فى القاهرة، لأن البيع فى أسيوط قليل والناس فقراء لا يقدرون على شراء السنابل والسعف أو يشترونه بثمن قليل، لكن فى القاهرة ممكن السنبلة الواحدة يشتريها أحد الناس بعشرة جنيهات، خاصة أننى لا أطلب سعرًا معينًا، واللى فيه النصيب أحصل عليه شاكرًا». ويضيف عم منير، «لدى خمسة أولاد، وكل منهم لديه بيته وأولاده ولا يستطيعون أن ينفقوا علىَّ وعلى بيوتهم، والحضور للقاهرة فى الأعياد فرصة لجمع مبلغ من المال، والناس يشترون السعف، لأنه استخدم فى استقبال المسيح، أما السنابل فهم يشترون تلك السنبلة كل عام ويغيرونها سنويًا. بائع آخر للسعف هو عم سعد الرجل الخمسينى، الذى اصطحب زوجته «أم جرجس» الأربعينية، وجاءا من قنا متجهين إلى القاهرة، بعد أن جهزا عدتهما من السنابل والسعف ويشكلانها على هيئة قلوب وعصافير لتجذب المصلين من الأقباط فيقسمان الحمولة بالنصف، ويتجولان أمام الكنائس المختلفة بمنطقة رمسيس بوسط البلد ليبيعا السنابل والسعف. يقول عم سعد إن لديه ثلاثة أولاد، ويأتى كل عام من قنا، ليبيع السعف فى هذا اليوم ليوفر مبلغًا من المال له ولأولاده، لأن البيع فى الصعيد قليل، أما زوجته «أم جرجس» فتقول إنها تأتى مع زوجها كل عام لمساعدته فى البيع. وحد السعف أو الشعانين أو الزيتونة، هو آخر يوم فى الصوم الكبير عند المسحيين، ويحتفلون به قبل عيد القيامة بأسبوع، ووفق الرواية القبطية فإن المسيح دخل أورشليم «فلسطين» راكبًا حمارًا، فخرج الناس واستقبلوه استقبالًا حارًا رافعين سعف النخل وأغصان الزيتون، وسُمى هذا اليوم بذلك الاسم بسبب ذلك، ويرمز السعف النخيل إلى النصر أى أنهم استقبلوه كمنتصر. أما سبب تسمية البعض له بالشعانين، فهى كلمة عبرانية هى «شيعة نان» أى يارب خلص ومنها تشتق أيضًا الكلمة اليونانية «أوصنا»، وهى كلمة استخدمت من قبل المبشرين والرسل فى الإنجيل، وهى كلمة أيضا التى استخدمها أهالى أورشليم عند استقبال المسيح حين دخلها. ومن طقوس هذا اليوم فى الكنيسة الأرثوذكسية قراءة فصول من الأناجيل الأربعة فى زوايا الكنيسة وأرجائها رمزًا للتبشير بالإنجيل فى جميع أرجاء العالم، ويذهب الأقباط فى صباح هذا اليوم للصلاة فى الكنائس والأديرة القريبة لهم وشراء السعف والسنابل.