«أحمد» يستدين لإطعام أسرته: أصبت بالمرض فى «عيادة أسنان»ففصلونى من العمل.. وخطيبتى تركتنى «عادل»: طرقت جميع الأبواب بحثًا عن وظيفة.. وكلما تقدمت لخطبة فتاة تظن أسرتها أننى سأقتل ابنتهم «شيماء»: دخلت مستشفى حكوميًا كبيرًا فخرجت ب«الإيدز».. والناس لا يتقون الله فينا «منصور»: أقاربى امتنعوا عن زيارتى.. وزوجة أخى تكره أن ترانى ألاعب أطفالها الشريعة تبيح زواج المرضى من أصحاء «بشرط عدم انتقال العدوى».. و«عادل»: لا أستطيع الزواج أو العمل «الرعب» عنوان قسم الأمراض المعدية فى «قصر العينى».. و«أصدقاء الإيدز»: نجحنا فى تزويج 94 مصابًا
كيف يعيش مرضى الإيدز فى مصر؟، وكيف يخوضون معركة التصورات السيئة فى المجتمع عن المصابين بالمرض؟، «الصباح» ترصد آلام الذين تحدوا الفيروس، وتعايشوا معه، وصاروا أشخاصًا طبيعيين بشهادة أطبائهم، لكنهم أكدوا أن المجتمع ما زال يرفضهم، والجهات الحكومية والخاصة تأبى تعيينهم، وهناك مرضى تم فصلهم من أعمالهم بعدما تم اكتشاف إصابتهم بالإيدز، ولم يجدوا سوى الاستدانة ليوفروا قوت أبنائهم، وآخرون تراكمت عليهم الديون وصاروا مطاردين من الدائنين، مهددين بالسجن. فى منزل صغير بإحدى حوارى المريوطية بالجيزة، يعيش مريض الإيدز، أحمد. ج»، 29 عامًا، حيث يعانى من البطالة والوحدة، ويعيش على الدخل المحدود الذى ينفقه عليه والده البسيط، استقبل «الصباح» بترحاب، وكان حريصًا على عدم مصافحة المحررة، ولولا أنها مدت يدها إليه لما فعل، فسألته: لماذا لم تكن تريد المصافحة؟ فقال: اعتددت ذلك لرفض الكثيرين الاقتراب منى، فالأغلبية يظنون أننى وباء وسأنقل إليهم العدوى». يحكى «أحمد» قصته، مؤكدًا أنه يعانى المرض منذ 4 سنوات، حيث انتقل إليه عن طريق طبيب أسنان فى منطقته، ولم يكتشف أنه مريض إلا بعد عدة أسابيع، عندما بدأ يشعر بالإجهاد والتعب، وذهب لإجراء التحاليل من طبيب إلى آخر، استمرت رحلة الفحوصات 6 أشهر، حتى اكتشف أحد الأطباء أنه أصيب بمرض الإيدز. ويصف أحمد دهشته عندما اكتشف مرضه: شعرت أن العالم صمت من حولى، وما عدت أشعر بقدمىّ، وظللت أسأل الطبيب مرة تلو الأخرى: ماذا أصابنى؟، فيردد: «أنت مصاب بالإيدز»، ويتابع: «توقف كل شىء فى عقلى وسرت فى الطريق أفكر ماذا يعنى هذا؟ هل سأموت؟». تركته خطيبته، وفصل من عمله كمحاسب فى أحد المصانع بمدينة 6 أكتوبر، ولم يجد عملًا آخر بمؤهله، فاضطر للعمل فى مقهى، حيث لا أحد يعلم عن مرضه شيئًا، فالمقهى لا يطالب بكشف طبى كالشركات والمصانع. «وعود برلمانية وتصريحات من مسئولى الصحة منذ سنوات، كلمات بلا أفعال».. هذا ما قالته شيماء حسن، مؤكدة أن قضية رفض توظيف مرضى الإيدز ليست جديدة، فصفحات الصحف الأولى على مدار سنوات كثيرًا ما تحدثت عن هذه القضية، لكن شيئًا لا يحدث، مؤكدة أنها أصيبت بالمرض فى أحد المستشفيات الحكومية الكبرى، لكن المجتمع لا يعلم عن الإيدز سوى أنه ينتقل عن طريق الممارسات الجنسية المحرمة، ما تسبب لها فى مشكلات عديدة ورفض ومضايقات. أثناء حديثها انهمرت دموع «شيماء»، قالت «إن المجتمع قاسٍ جدًا، ولا يتقى الله فى البشر»، ورفضت استكمال الحديث. محمد عادل، 27 عامًا، منعه مرضه من الزواج بأى فتاة، فضلًا عن بحثه الذى دام سنوات للحصول على وظيفة، كان الرفض هو الجواب الوحيد فى الحالتين، فلم يجد أمامه سوى أن يطرح قضيته على الرأى العام فى صحف وإذاعات، مؤكدًا أن عددًا مسئولين فى الدولة وعدوه بوظيفة، لكنه مازال يبحث عن عمل إلى اليوم. أحد زملاء «محمد» فى جمعية «أصدقاء الإيدز» مر بتلك التجربة منذ 2002 وحتى يومنا لم يجد عملًا يناسب شهادته، إنه أحمد سمير، الذى قال إنه حضر مؤتمرًا كانت تنظمه وزارة الصحة لمرضى الإيدز، وحضره وزير الصحة، وأكد للمرضى أن الدولة تشعر بمعاناة كل المصابين، وستوفر لهم وظائف، وأعلن أن الوزارة تعكف على وضع إجراءات لدمج المرضى فى المجتمع، لكن شيئًا من ذلك لم يحدث حتى الآن. منصور سيد، شاب لم يتجاوز 23 عامًا، قال لنا بطريقة ساخرة: «سأقدم لكم القهوة، لأن هذا واجب الضيافة، لكن أرجوكم لا تتناولها إذا كنتم تخشون العدوى»، وراح يضحك، وبعدها صمت قليلًا ثم أضاف: «عندما أصبت بالمرض، دعانى الطبيب المعالج، وطلب منى أن أشرب نصف كوب ماء أمامه، وما أن فعلت، حتى مد الطبيب يده وشرب من الكوب نفسه، ليثبت لى أن الفيروس، لا ينتقل باللعاب»، وعاود «منصور» الضحك قائلًا: «أستطيع تقبيل حبيبتى، ولن يحدث لها شىء، لكن لا أحد يصدق ذلك»، وارتفع صوته الملىء بالألم: «كلهم قساة، ولا أحد يعرف شيئا عن مرضنا، ويعاملوننا وفقًا لأفكارهم المشوهة الجاهلة». ويكمل «منصور» وهو يلهو مع أطفال شقيقه الصغار: «كل شخص يعلم بإصابتى يتوقف عن زيارتى أنا وأسرتى، حتى أقاربى من الدرجة الأولى»، مشيرًا بيديه إلى زوجة أخيه، يقول: تكره أن ترانى ألاعب أطفالها، وأرى فى أعينهم نظرات القلق»، ويروى منصور قصته مع المرض، قائلًا: «كنت طالبًا فى جامعة حكومية، ومتفوقًا جدًا يحبنى كل الدكاترة والمعدين وزملائى أيضًا، كنت اجتماعيًا ومرحًا، وأثناء دراستى تقدمت لوظيفة لحين تخرجى وتعيينى فيها، وكانت المؤسسة تشترط إجراء فحوص دم دورية للموظفين، وبعد إجراء آخر تحليل، فوجئت بهم يستدعوننى، لإجراء فحص مخبرى ثانٍ، وتأكدوا من إصابتى بالإيدز، كادت الصدمة تقتلنى، وحتى هذه اللحظة لا أعرف من أين أصبت بالفيروس؟ لكن أطباء الأمراض المعدية، استطاعوا أن يخففوا من صدمتى، وألحقونى ببرنامج علاج متكامل، والآن أعيش حياة طبيعية، ولم يصب أحد من أسرتى بسوء، وفق نتائج تحاليل نجريها كل فترة، لكن معاناتى الكبرى تكمن فى فصلى من عملى، ورفض أى مؤسسة أو شركة توظيفى، وأضطر للعمل فى محلات لا تطالبنى بإجراءات طبية، وأتقاضى شهريًا ما يقارب ال900 جنيه، لا تكفى نفقات علاجى ومصاريفى الأخرى». وقال أحمد شاهين، 32 عامًا، الذى يدو من بنيته الجسمانية أنه ممارس دائم للرياضة: «أنا حريص على ممارسة الرياضة، واملك (سى فى) كويس، كل من يقرأه من المسؤولين فى الشركات والمؤسسات الحكومية أو الخاصة، يعجب بمؤهلاتى العلمية وخبراتى، ويتحدث إلى وكأنى سأتسلم وظيفتى غدًا، لكن الامر يتبدل كليًا، حين يكتشف امر اصابتى بالمرض، وينتهى الامر بالعبارة المعتادة (سوف نتصل بك). لقد مللت طرق أبواب الهيئات والدوائر والشركات، بحثًا عن فرصة عمل، لأننى أعرف فى النهاية أن الرفض سيكون مصيرى، وهو ما أعانيه أيضًا كلما حاولت الارتباط بفتاة، حيث تجرح أسرتها مشاعرى بنظرات الرعب على وجوههم، وكأننى أريد أن أقتل ابنتهم». وأضاف «أحمد» إنه توجه إلى وزارة التضامن، طالبًا إعانة شهرية، فطلبوا منه تقريرًا طبيًا يوضح نسبة العجز الجسدى، لأن هذه الإعانة لا تخرج إلا لمن يعانون عجزًا، فصدر التقرير بأنه لا يعانى أى إعاقة جسدية، وبالتالى رفضت الوزارة طلبه. فى الزاوية الحمراء بمنطقة شبرا الخيمة، يعيش حسن كمال (30 عامًا)، بعد أن تحول إلى مطارد من قبل البنوك، ومهددًا بالحبس، منذ إصابته بالإيدز. يبدأ قصته قائلًا: «فى 2005 كنت مهندسًا فى شركة بترول كبرى، ولأننى كنت كفئًا ومتميزًا فى عملى، كنت أحصل على راتب ومكافآت شهرية تزيد على 22 ألف جنيه، حتى جاء موعد الفحص الدورى للموظفين، الذى أظهر أننى مصاب بفيروس الإيدز، اسودت الحياة فى عينى، وكنت وقتها مازلت عريسًا جديدًا، أصبت بحالة نفسية سيئة جدًا، وازداد الأمر سوادًا، حين تسلمت قرارًا بفصلى، لأننى غير لائق طبيًا». وتابع «حسن»: «لأنهم فصلونى، لا أحصل على دخل شهرى، فى حين أنهم لو أحالونى للتقاعد لحصلت على راتب تقاعدى. فجأة وجدت نفسى دون دخل، بعد أن حصلت على قرض 200 ألف جنيه، منذ سنوات لبناء بيت الزوجية، وبعد توقفى عن السداد، وتراكم الفائدة ارتفع المبلغ المطلوب سداده إلى أكثر من 500 ألف جنيه». وأضاف: «بحثت عن وظائف فى مختلف الجهات، لكن بمجرد إجراء الفحص الطبى، يصدر قرار فورى برفض تعيينى. فلم أجد أمامى سوى وزارة الشئون الاجتماعية لتساعدنى شهريًا بمبلغ زهيد». وأكمل: «أنجبت بعد إصابتى بالمرض طفلًا غير مريض، وزوجتى، والحمدلله، لم تنتقل إليها العدوى، لأننا نطبق أسس الوقاية الطبية، لكننى الآن مطارد من البنك، ومهدد بالحبس فى أى وقت، وإذا ما سجنت، لا أعرف من سيرعى أسرتى، ويوفر لها سُبل الحياة». وتابع: «كل قرض بنكى يتم التأمين عليه، وشركة التأمين تتولى سداد القرض إذا مات المقترض، أو أصيب بعجز، لكنها لم تعترف بمرضى، ولم تسدد القرض نيابة عنى، وكل ما أطلبه، أن تكون هناك هيئة حكومية مخصصة للتعامل مع حاملى الفيروس، توفر لهم الوظائف، وتساعدهم على حل مشكلاتهم، لأننى لا أريد أن أعيش عالة على المجتمع، فأنا فى عز شبابى وقادر على العمل والإنتاج، وأتمنى أن أسدد دينى من راتبى». فى مصر الجديدة، يعيش (ف. س)، 35 عامًا، انتقل إليه المرض أثناء تعاطيه المخدرات، واكتشف إصابته بالفيروس حين كان يجرى فحصًا طبيًا. يقول: منذ ذلك اليوم انقلبت حياتى إلى جحيم، خصوصًا بعد فصلى من وظيفتى، وكانت وظيفة تدر دخلًا ماليًا كبيرًا، وأمضيت سنوات طويلة دون عمل، وكلما تقدمت لوظيفة يكون الرفض جاهزًا لأننى مصاب بمرض خطر، بل وأواجه بحالة نفور من أى صاحب عمل». ويضيف: «لا أنكر أننى أخطأت حين تعاطيت المخدرات، لكن هل يكون جزائى فقد مصدر رزقى، ولا أجد ما أنفقه على أسرتى، وأظل طوال عمرى منتظرًا مساعدات الغير التى قد لا تأتى؟». ويكمل: «حالتى ليست الوحيدة، فهناك حالات أخرى صدرت بشأنها أحكام قضائية، لعدم قدرتها على سداد الديون، وهؤلاء مصابون الآن بآلام نفسية شديدة، وعلى الرغم من أنهم هزموا المرض، لكن البطالة تقتلهم نفسيًا، وقد تدفعهم إلى الانتحار». جمعية «أصدقاء الإيدز» بمصر الجديدة أجرت تجربة ناجحة، حيث تتولى منذ أكثر من أربعة أعوام تزويج مرضى الإيدز، ورعايتهم، وتوفير فرص عمل لهم. عبر الهاتف تحدثت مها محمود، رئيسة مجلس إدارة الجمعية، مؤكدة أن جمعيتها نجحت فى إتمام 94 حالة زواج لمتعايشين مع فيروس الإيدز، وخضعت النساء المتزوجات لمتابعة صحية دقيقة خلال فترة الحمل وحصلن على العلاج اللازم، وبلغ عدد المواليد الأصحاء من آباء مرضى 79 طفلًا ليس بينهم مصاب بالفيروس. تؤكد «مها»، وهى أيضًا مسئولة عن برنامج الإيدز فى وزارة الصحة، أن الجمعية تستقبل مريض الإيدز الراغب فى الزواج، وتطلب منه تحرير استمارة توضح المواصفات التى يطلبها فى الشريك، ويتم بحث هذه المواصفات فى الاستمارات الأخرى الموجودة مسبقًا للطلبات التى تقدم بها المتعايشون الآخرون، ويتم اختيار المتطابق مع هذه المواصفات، والاتصال به وإعطاؤه المعلومات عن الطرف الراغب فى الزواج، وفى حال استحسن المواصفات يتم التوفيق بينهما وإحالتهما إلى الطبيب المختص فى مركز معالجة الإيدز لإعطائهم التقرير الطبى بعد إجراء الفحوص الطبية اللازمة. بعض المستشفيات ترفض استقبال مرضى الإيدز، وتطردهم أحيانا خوفًا على سمعتها، وفى مستشفى قصر العينى، يطلق الممرضون على قسم (الأمراض المعدية) الذى يستقبل مرضى الإيدز «قسم الرعب»، ويقع فى طابق منعزل كليًا عن باقى الأقسام، ولا يحمل لافتة توضح أنه يعالج الأمراض المعدية. أمام أبواب المبنى، كان خمسة ممرضين، بالإضافة إلى رجال أمن، يراقبون كل من يدخل أو يخرج من القسم، هؤلاء مرافقون لمساجين مصابين بالإيدز، جاءوا يتلقون العلاج داخل القسم، بعضهم يبيت فى غرفة العلاج، وآخرون ينهون جلسة الكشف ويعودون إلى السجن. أبواب القسم لا تفتح إلا بأمر من الطبيب أو بعد الحصول على موافقات من هيئة الصحة، حين تفتح الأبواب، تقابلك رائحة سوائل التعقيم التى تملأ المكان، ماكينات غسل اليدين بالمطهرات مثبتة على كل الجدران، حين تمضى داخل القسم، تقابلك صالتان، الأولى للمرضى من الرجال، والثانية للنساء، وفيهما، ترى المرضى ينامون على أسرتهم، فى غرف ذات جدار زجاجى، بعضهم يؤدى الصلاة، وآخرون يتناولون طعامهم، أو يشاهدون التلفاز. كان واضحًا أن دخول أى من هذه الغرف، غير مسموح به سوى لأطباء محدودين، يمرون أولًا بصالة صغيرة ملحقة بكل غرفة، يرتدون فيها أقنعة وقفازات واقية، ثم ينتقلون للمريض. ولا تنتهى حالة القلق إلا حين تصل إلى غرفة استشارى الأمراض المعدية، الدكتور عبدالله سكر، الذى يستقبلك بابتسامة ويدعوك للاطمئنان، فلن تنتقل إليك أى عدوى. فى هذه الغرفة، يستقبل الطبيب مرضى الإيدز، القادمين من منازلهم، يتعاملون مع الطبيب، باعتباره أخًا كبيرًا لهم، من طول السنوات التى يقضونها فى تلقى العلاج على يديه. يبدو أن هذا المكتب تحول إلى مقر مصغر للشئون الاجتماعية، بداخله يبوح مرضى الإيدز بمعاناتهم، وآلامهم فى المجتمع، الذى يطاردهم بوصمة ليسوا بالضرورة سببًا فيها. بعضهم يذرف الدموع، لأنه لا يجد وظيفة ينفق منها على أسرته، ويشكو مطاردة مندوبى البنوك، مطالبينه. يدعوهم الطبيب إلى التفاؤل، ويمدهم بالأمل، وكثيرًا ما يجرى اتصالات مع جهات عدة، لمساعدة هؤلاء المرضى، والعمل على حل مشكلاتهم، قدر استطاعته، والحد من معاناتهم. يجيز الدكتور أحمد جمعة، الأستاذ بجامعة الأزهر، زواج شخص مصاب بالإيدز من طرف غير مصاب، بشرط تأكيد الأطباء أن هذا الزواج لن يكون سببًا فى نقل العدوى للشخص السليم أو أولاده. و«جمعة» قال ل«الصباح» إنه لا يدعو إلى زواج مصاب بمرض معدٍ مثل الإيدز، من آخر غير مريض، طالما سيكون هذا الزواج سببًا فى نقل العدوى، مشيرًا إلى أن إنجاب مرضى الإيدز جائز بشرط توافر ضمانة طبية بإنجابهم مولودًا غير حامل للفيروس. وأكد أن الشريعة الإسلامية تنهى عن الأفعال التى قد تضر بالإنسان وتقتله، وتلقى به إلى التهلكة، والزواج من طرف مصاب بمرض خطير ينقل العدوى، هو زواج غير جائز، لكن إذا ما انتفى هذا السبب، فالزواج جائز. «جمعة» سبق أن أصدر فتوى، جاء فيها أن «الإسلام حرص على سلامة الإنسان وحمايته من الأمراض المعدية، ليكون إنسانًا فاعلًا، فقد نهى الله تعالى الإنسان أن يُلقى بنفسه إلى التهلكة أو أن يقتل نفسه، والدخول فى زواج فيه مثل هذه العدوى هو قتل للنفس بشكل بطىء، لأن النتيجة السيئة تكاد تكون حتمية من هذا الداء العضال، ونهى النبى «صلى الله عليه وسلم»، نهيًا مباشرًا عن كل ما يكون سببًا لانتقال العدوى»، فقال: «لا يورِدَن ممرض على مُصح» أى لا يرد المريض على الصحيح خشية أن يتأثر به، وقال: «إذا سمعتم بالطاعون فى أرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها»، كل ذلك من أجل أن يحمى الإنسان من الوقوع فى شرك الأمراض الفتاكة، وهذا من سبق الإسلام لما يعرف اليوم بالحجر الصحى. وأضافت الفتوى: «إذا تطور الطب تطورًا يمنع من العدوى، فذلك خير وبركة، وعند تحققه فإنه لا مانع من زواجهما بشرط تقرير الأطباء بسلامة ما يُنسلانه من مرض معدٍ، وأن يظلا تحت مراقبتهم ومسئوليتهم، لأن حكم المنع كان بسبب العدوى، فإذا كان لا ضرر فلا بأس، والفتوى فى جواز زواجهما وعدمه تكون مبنية على تقرير الأطباء». أما عن رأى الشرع فى تعامل الناس مع مريض الإيدز بنفور، فقال «جمعة»: «هذه نظرة ليست من أخلاق أو آداب الإسلام، فالمصاب وإن كانت إصابته حصلت بسبب وقوعه فى الخطأ أو عن طريق انتقال عدوى إليه، فإنه لا ينبغى أن يعامل بسوء من جانب المجتمع، فقد يكره الحياة فينتقم من نفسه، ويكون المجتمع سببًا فى ذلك، بل ينبغى أن يخفف عن المريض ويواسيه».