مواقع تزعم كسر العمود الفقرى لأحد أبناء القرية.. والضحية ل » الصباح« أنا سليم ولزمت بيتى أثناء الاشتباكات الحوايتة: نملك أوراقًا بحيازة الأرض منذ التسعينيات.. وعائلة مكانوتى: لدينا حكم قضائى تتكاثر الصراعات فى العديد من المحافظات حول ملكية بعض الأراضى أو تحديد الحدود الفاصل بين ملكيتين، لكن تظل خفافيش الظلام متربصة بانتظار أن يكون طرفا أية أزمة منتمين إلى دينين مختلفين، أو حتى مذهبين مختلفين، لتشعل فتنة طائفية بين أبناء البلد الواحد، بل وبين أبناء القرية الواحدة. وهذا ما حدث بالفعل فى الواقعة الأخيرة التى ما زالت أحداثها مشتعلة فى قرية العلا الشرقية بمنطقة العامرية فى محافظة الإسكندرية، والتى راح ضحيتها مواطن من قبيلة «الحوايتة» التى تتصارع مع عائلات مسيحية حول ملكية قطعة أرض. الأزمة التى تجددت يوم الأحد، 20 سبتمبر الماضى، لم تكن المرة الأولى التى تندلع فيها الأزمة بين الأقباط وقبيلة «الحوايتة»، فبحسب رواية الناشط القبطى رامى قشوع، بدأت الأزمة فى مطلع 2012 بسبب قطعة أرض، قال إنها كانت تابعة لشخص يدعى حمدى مكانوتى منذ التسعينيات، وإنه هناك قرار برقم 2723 لسنة 2013 من محكمة الإسكندرية بتمكينه من الأرض، وأن قوة من الأمن جاءت لتسليمه الأرض فى إبريل 2014، إلا أن الأمر لم يتم بسبب تجمهر الأهالى واعتراضهم عملية التسليم. فى المقابل نفى كبار قبيلة الحوايتة هذا الكلام وقالوا إنه غير صحيح، مؤكدين أن الأرض ملك للعائلة منذ عشرات السنين. «الصباح» ذهبت إلى موقع الأزمة والتقت أطرافها بعد ما أشيع عن عمليات تهجير تمت للأقباط فى نجع «الحوايتة»، الواقع بين قريتى العلا الشرقية والغربية، والذى تقع به كنيستى السيدة العذراء ومار جرجس. على بعد أكثر من 10 كيلو مترات وسط الزراعات، سلكنا العديد من الطرق المتعرجة غير الممهدة، والتى تحجب بعض الحشائش فيها الرؤية لمسافة أقل من مئتى متر. وسط مساحات شاسعة من الزراعات تقع قرية العلا الشرقية، والتى يقع نجع الحوايتة على بعد كيلو متر منها، التقينا أطراف عائلة الحوايتة التى تنتشر بيوتهم على مساحات كبيرة فى الأراضى غير متراصة، جنبًا إلى جنب. وفى الجانب الشرقى من النجع تقع منازل الأقباط التى لا يتجاوز عددها ثمانية منازل إلى جانب كنيستى العذراء ومار جرجس. كان واضحًا أن حالة من التوجس والترقب والحذر تسود وجوه الجميع فى القرية، حتى أن بعضهم تعمد تضليلنا فى البداية خلال سؤالنا عن الطريق الصحيح إلى منزل الضحية محمود رواق عيسى، الذى سقط فى أحداث الأحد، لكننا توصلنا إليه والتقينا عددًا من كبار القبيلة داخل أحد المنازل. قبيلة الحوايتة ويقول عبد العاطى عيسى عمر، عم الضحية، إن الأرض المتنازع عليها هى أرض وضع يد، وليست ملكية تابعة للاستصلاح الزراعى، وأن هذه الأرض، التى تزيد مساحتها على ثلاثين فدانًا، تقع تحت حيازة قبيلة الحوايتة من خمسينيات القرن الماضى، أى قبل أن يأتى أى من حمدى مكانوتى أو الأقباط جميعهم إلى النجع أو المنطقة، وقبل أن تبنى الكنيسة أيضًا. وأوضح أن الحوايتة لم يعلموا شيئًا عن القضية التى أقامها مكانوتى للاستيلاء على الأرض، إلا عند مفاجئتهم بقدوم قوات الأمن لتنفيذ حكم بتسليم الأرض، وحاولت إخراج النساء والأطفال منها بالقوة. فيما يتعلق بسقوط الضحية يوم الأحد 20 سبتمبر، قال إنه فى تمام الساعة الثالثة والثلث وقت صلاة العصر، هاجمت القوة الأمنية ومعها لجنة تسليم، وهو ما دفع النساء والأطفال والرجال للوقوف أمام قوات الأمن، وتقديم الأوراق التى تثبت حيازة الحوايتة للأرض، إلا أن بعض أفراد الشرطة تعدى على النساء، وهو ما دفع القتيل محمود رواق إلى الدفاع عنهن، فاقتادته القوات الأمنية إلى السيارة الأمنية بعدما تم إطلاق الغاز المسيل للدموع والخرطوش، ولم نعلم بوفاته سوى فى السابعة مساء بالمشرحة، تاركا خلفه خمسة أبناء، هم: محمد (15 عامًا)، رانيا (13)، أحمد (12)، رحومة (10)، حمزة (4 سنوات). يضيف عبد الرازق عبد الرحمن الحويتى أن هذه الأرض خاضعة للاستصلاح الزراعى، وجميعها وضع يد، ولا توجد ملكية لأحد عليها، وأن قرار التمكين جاء بشهادة أربعة شهود، ثلاثة منهم أقباط وآخر مسلم، رغم أن الحوايتة ورثوا هذه الأرض بهذا الشكل عن جدودهم، وأن هناك أوراقًا تثبت حيازة الأراضى الزراعية وصرف الأسمدة على بطاقات زراعية بأسمائهم للأرض المتنازع عليها. وتابع الحويتى أن قرار التمكين صدر يوم 20 سبتمبر، ونفذ فى ذات اليوم دون إخطار الطرف الآخر أو علمه، وهو ما يثير الكثير من علامات الاستفهام. تهجير الأقباط وتداولت عدة مواقع قبطية خلال الفترة الماضية أنباء عن تهجير الأقباط من النجع، والاعتداء على كنيستى مارجرجس والعذراء، وكسر العمود الفقرى لشخص يدعى دميان ماهر، وهو ما طرحناه على أفراد عائلة الحوايتة قبل الذهاب إلى العائلات القبطية، فأوضح عبد الرحمن أن الأهالى تجمهروا وتجمعوا بعد سماع خبر وفاة الضحية، وأن البعض منهم انتابته حالة من الهياج والهرج والمرج إلا أن كبار القبيلة حالوا بينهم وبين الوصول إلى منازل الأقباط، ومنعوهم من محاولة الاعتداء عليها أو على الكنيسة. وفيما يتعلق بتهجير الأقباط من منازلهم، قال الحويتى أنه لم يقم أى من أبناء القبيلة بتهجير أى أسرة من أقارب مكانوتى أو غيرهم من النجع وأنهم هم من تركوا المنازل خوفًا بعد تجمع أفراد عائلة الحويتى بمنزل الضحية، القريب من الكنيسة ومنازل الأقباط، وأنهم لم يقوموا بأى اعتداءات عليهم أثناء خروجهم من منازلهم، وأنهم لو كانوا يريدون بهم شرا لاعتدوا عليهم أثناء خروجهم من المنازل. وهنا يتسلم الشيخ عبد العاطى حفظ طرف الحديث ليقول: «نحن والأقباط تربطنا علاقة قوية ولا يوجد أى عداء بيننا، ونشاطرهم الأفراح والأحزان، وكل ما قيل بشأن أن هناك أزمة طائفية تفتعلها أطراف للاستفادة من الموقف ومحاولة الحصول على الأرض التى تقع تحت حيازتنا منذ عشرات السنين، وأن الحويتة عندما علموا بأن الأقباط تركوا منازلهم «قمنا بالاتصال بكاهن الكنيسة بقطر ناسر، وأبلغناه بضرورة عودة الأهالى إلى منازلهم وأنهم فى حمايتنا الشخصية ولن يتعرض أحد لهم نهائيًا». يعود للحديث مرة أخرى عبد الرحمن الحويتى قائلا إنهم يعلمون تماما أن الأقباط لا علاقة لهم بمقتل الضحية، وأنهم لا يعنيهم الأمر خاصة أن حمدى مكانوتى طرف النزاع لا يسكن بالنجع أو القرية، وإنما يسكن على بعد خمسة كيلو مترات أو أكثر، ولديه مئات الأفدنة من الأراضى التى حصل عليها «وضع اليد». وتابع الحويتى بأنه ذهب إلى اللواء أحمد حجازى، مدير أمن الإسكندرية، وأبلغه بأنه لا يمكن لأحد أن يعتدى على الأقباط فى النجع، وأنه لا يمكن لأحد أيضًا الاعتداء على الكنيسة أو منازل الأقباط رغم سقوط قتيل من أبنائهم. الكنيسة والأقباط بعدما التقينا أهالى الضحية ذهبنا إلى منازل الأقباط والكنيسة، فالتقينا عددًا ممن جرى الحديث عن تهجيرهم من منازلهم. نسيم مكانوتى، شقيق حمدى، الذى خاطبناه نظرًا لمرض حمدى مكانوتى ووجوده بالعناية المركزة حسب ما أوضح، قال إن هذه الأرض تم شراؤها عام 1994 من ورثة الألفى المصرى، الذى كان يمتلك تلك الأرض. وقال إنهم ذهبوا للمشايخ الشرعيين فى بداية الأمر، وتقدموا بكل الأوراق التى تثبت ملكيتهم للأرض، التى تبلغ مساحتها 14 فدانًا ونصف الفدان، واشتروها عام 1994 من السيدة ميرفت وجيه المصرى، وتم التنازل عن أربعة أفدنة، وتبقت 10 أفدنة لم يقم العرب بتسليمها رغم شهادة الشهود وإثبات الوثائق بملكيتها لمكنوتى، فكان اللجوء للقضاء الذى حكم بملكية الأرض أيضًا. ورغم قول نسيم أن العرب وضعوا يدهم على هذه الأرض فى عام 2012 بعد ثورة 25 يناير، إلا أن الأهالى قدموا لنا بطاقات صرف سماد عام 1997، وهو ما يشكل علامات استفهام بالأمر. وشدد نسيم على أن العرب اعتدوا على الأقباط بعد الحادث، رغم أن تبادل إطلاق النار كان بين الشرطة وبينهم، وأنه لم يتدخل أحد من الأقباط بالنجع من قريب أو بعيد بشأن الواقعة. دميان ماهر، يبلغ من العمر 40 عامًا، وهو أحد الذين أشيع أنه كسر عموده الفقرى أثناء الأحداث، إلا أننا وجدناه بحالة صحية جيدة، ولا يعانى من أية إصابات. فيما يتعلق بملكية الأرض المتنازع عليها يقول دميان إن الأرض كانت عبارة عن أرض بور منذ عشرات السنين، لا يعلم من مالكها، إلا أن الحوايتة كانوا يزرعون بعضها، ويقيمون المنازل بجوارها، وأضاف: «لم نعلم بمسألة النزاع إلا فى السنوات الأخيرة، بعد 25 يناير، خاصة أننا نعيش منذ فترة طويلة إلى جوار الحوايتة، ولا توجد بيننا أية خلافات على الإطلاق». وفيما يتعلق بيوم الحادث يقول ماهر إنه شاهد الاشتباكات وقنابل الغاز بين قوات الشرطة والمتجمهرين من أهالى الحوايتة، والتزم بيته هو وأسرته، وكذلك الأقباط، إلا أن الخوف سيطر عليه بعدما سمع بمقتل أحد أبناء قبيلة الحوايتة، وهو ما دفعه إلى ترك منزله برغبته بعد حدوث حالة هرج ومرج من قبل أبناء الحوايتة، الذين تجمعوا أمام منازلهم بعد سماع خبر الوفاة، وقال ان بعض الوافدين على النجع هم من قاموا برشق المنازل بالحجارة وتوجيه السباب، إلا أن كبار القبيلة تصدوا لهم وأعادوهم إلى منازلهم مرة أخرى. وكان الأمر مختلفًا بعض الشىء لدى اثنين من الأقباط، رفضا التصوير، لكنهما قالا إن الأرض المتنازع عليها ملك لحمدى مكانوتى، وتم الاستيلاء عليها من قبل الحوايتة. فقال رابح زخارى زغبى أن هذه الأرض تعد ملك لمكانوتى، ولديه حكم بتسليمه الأرض، إلا أن الحوايتة رفضوا التسليم، وحدثت مواجهات بينهم وبين قوات الأمن، مؤكدًا أنهم لا علاقة لهم بمقتل الضحية محمود الرواق. وفيما يتعلق بعملية الاعتداءات أوضح أنه عقب سماع خبر وفاة الضحية تجمهر العديد من الشباب من داخل النجع وخارجه، وألقوا الطوب على منازل الأقباط فى القرية وكذلك الكنيسة، إلا أن كبار القبيلة تدخلوا ومنعوهم قبل أن يفتكوا بشباب الأقباط، على حد قوله. فيما قال والده، زخارى زغبى، إن ما أشيع بشأن عملية التهجير ليست صحيحة ولكن كان هناك بعض الاعتداءات الفعلية عقب سقوط القتيل فى الاشتباكات مع الأمن، وأن بعض الأقباط تركوا منازلهم خشية تطور الأحداث لكنهم عادوا إلى منازلهم صباح اليوم التالى بعد اتصال كاهن الكنيسة بهم وطمأنتهم وتعهده بحمايتهم. كاهن الكنيسة حاولنا لقاء كاهن الكنيسة بقطر ناسر، إلا أنه لم يتمكن من الحضور للكنيسة، فتحدثنا مع تليفونيًا، فأوضح أن الأزمة لم تكن على ذات النطاق الذى تم تداوله بشأن عملية تهجير الأقباط أو حرق الكنيسة أو المنازل، وأكد أنه تربطه علاقة قوية بالحوايتة وأهالى القرى المجاورة، وأن الكنيسة تظل فى حمياتهم فى ظل وجود عدد قليل من أبناء الأقباط فى المنطقة. وشدد كاهن الكنيسة على أن من يريدون زرع الفتنة بين الأقباط والمسلمين لن ينالوا غرضهم، وطالب بعدم ترديد ما يقوله بعض النشطاء الذين لا علاقة لهم بالكنيسة أو الأقباط، مؤكدًا أن المسلمين والأقباط يتعايشون فى سلام رغم الحادث المأسوى الذى راح ضحيته أحد أبناء الحوايتة. قبيلة المغاورة قبيلة المغاورة هى إحدى القبائل التى تسكن بقرية العلا الشرقية، والتى ردد بعض النشطاء الأقباط أخبارًا تفيد بأنها تصدت لقبيلة الحوايتة ومنعتهم من الاعتداء على الأسر القبطية فى المنطقة، وهو ما دفعنا إلى الذهاب إلى قبلية المغاورة للتعرف على حقيقة الأمر. التقينا سليمان عبد الرواف، أحد كبار عائلة المغاورة، فأوضح أن قبيلته لم تتدخل من قريب أو بعيد فى هذا الحادث، مؤكدًا أن كل ما أشيع بهذا الشأن يسعى لإحداث فتنة أخرى بين أبناء القبيلتين. مديرية الأمن من جانبه قال اللواء أحمد حجازى، مدير أمن الإسكندرية: إن الأزمة لم تكن أزمة طائفية، وإنما عملية تطبيق للقانون وتسليم الأرض طبقًا للحكم الصادر. وشدد اللواء حجازى على أن تطبيق القانون لا يفرق بين مسلم وقبطى، وإنما يتعامل مع الجميع على أنهم مواطنون مصريون، وانه أبلغ أفراد عائلة الحوايتة بأنه لن يتهاون فى اتخاذ الإجراءات القانونية حيال أى شخص يتعدى على الأقباط أو مقدساتهم بالمكان.