*عائلة الشيهى تروى ل تفاصيل المعاناة: ننام فى الشارع منذ أسبوع والحرائق لا تتوقف *الشيوخ أخبرونا أن أحدنا ألقى «زيت مغلى » فى دورة المياه فأحرق «عشيرة من الجن » *الزوجة: الصورة المعلقة على الحائط اشتعلت.. والنيران نشبت فى يد زوجة ابنى *المؤذن: أستغيث بالمسئولين للتدخل ورفع المعاناة عنا.. وبعض الشيوخ يريدون استغلالنا لن تنتهى قصص «الجن والعفاريت » أبدًا، فقد ترسخت فى العقل المصرى، وأصبح الإيمان بها أو الاعتقاد فيها جزءًا من شخصية قطاع واسع من المصريين، وبين الحين والآخر نسمع عن حوادث غريبة بطلها «جن » يحرق هنا ويدمر هناك «لا ينصرف ولا يكترث لتعاويذ الشيوخ .» وعلى مدار الأعوام الماضية، انتشرت جرائم مجهولة المصدر، والمتهم الأول فيها «الجن ،»يتهمونه لأسباب متعددة، مرة لأنه ينتقم من عشيقته الأنسية، ومرة يقولون إن أهل البيت أحرقوا عشيرته بسكب الزيت المغلى فى دورات المياه. والواقعة الجديدة التى يتهم فيها «جن »، تحدث فى المنوفية، حيث يزعم أهالى مركز أشمون أن«الجن » يشعل حرائق يومية فى منزل مؤذن لا يكف ولا يتوقف عن قراءة القرآن فى منزله، وهو الأمر الذى اعتبره الأهالى مفاجأة غير معقولة. توجهت «الصباح »، إلى مركز أشمون بمحافظة المنوفية، على بعد 52 كيلو مترًا من القاهرة،حيث تقطن عائلة «الشيهى » إحدى أكبر العائلات هناك، وقبل أن ندخل المدينة الهادئة – هكذا يصفها أهلها - فوجئنا بالعشرات وربما المئات، يتجمعون فى دوائر ومجموعات للحديث عن انتقام «الجن » من المؤذن أحمد الشيهى، الذى بدت عليه وعلى أسرته علامات الحسرة والانكسار والحيرة، لما وصلوا إليه «بعدما استهدفتهم عشيرة من أهل الجن .» من بداية الشارع بدأت رحلتنا، لجمع الشهادات والمعلومات وكشف ملابسات الواقعة، وقبل أن نقترب سمعنا صوت التسجيل عاليًا، والمقرئ يرتل آيات القرآن الكريم تتلى من تسجيل بصوت عال، بنية تحصين المنزل من السوء، كما قال أحد الشيوخ. أمام البيت المحترق نُصبت خيمة، وبداخلها أبناء أحمد الشيهى، يفترشون ما تبقى من أثاث المنزل.. نظرات الرعب تكسو وجوه الأطفال، فمنزلهم الذى ولدوا وتربوا فيه تشتعل فيه النيران كل يوم. وخارج الخيمة يفترش عدد كبير من الشباب الأرض، وفى يد كل منهم طفاية حريق لإخماد النيران، التى تنشب بين ساعة وأخرى.. والشيوخ يخرجون ويدخلون، كل منهم يأخذ «دوره فى رحلة إخراج الجن من المنزل »، منهم من يتمتم بعبارات غير مفهومة، ومنهم من يتلى آيات القرآن الكريم، ومنهم من يقف عاجزًا. الأربعاء الأسود «إحنا قلنا ماس كهربائى ».. هكذا بدأ الحاج أحمد الشيهى، 61 عامًا، مؤذن بمسجد المحطة بمركز أشمون، حديثه ل «الصباح »، وقال إنه فى صباح يوم الأربعاء قبل الماضى، توجه أبنائى إلى أعمالهم، وكذلك زوجتى، ولم يتبق فى المنزل إلا زوجات أبنائى الثلاثة، والطابق الأول الذى بدأت فيه النيران كان خاليًا منا، لم يكن بى أى من أفراد الأسرة، وتوجهت أنا إلى المسجد الذى أعمل به، وبعد ساعة تقريبًا فوجئت بحركة غير طبيعية وسيارات الإسعاف والمطافئ تتجه إلى منزلى. وأضاف: سألت شباب المنطقة، عما يحدث، فأخبرونى أن النيران اشتعلت فى منزلى، وعلى الفور توجهت إلى هناك، ووجدت غرفة مجاورة لدورة المياه بالطابق الأول، محترقة بشكل كامل، والأثاث محترق، ورائحة الدخان المتصاعد كرائحة المازوت، الذى يستخدم فى رصف الطرق، وحضرت الشرطة لتحرير محضر بالواقعة. وأكد «فى البداية اعتقدت أنه سبب الحادث ماس كهربائى أو سيجارة، ألقاها أحدهم على الأرض .» وأشار إلى أنهم فى اليوم التالى أحضروا أثاثًا بدلً من المحترق، ونظفوا المنزل، وأعادوا دهانه، لأن الدخان الذى خلفته الحريق أخفى ملامح الشقة بالكامل، وغطى كل الجدران، ثم مر يوما الخميس والجمعة بشكل طبيعى، حتى وقعت الكارثة. حرائق يومية وبينما الدموع تذرف من عينيه وصوته لا يكاد يغادر حنجرته، قال الشيهى: «بدأت الحرائق بشكل يومى، وعلى رأس كل ساعة حريق من صباح السبت، وحتى نهاية اليوم، مرة فى غرفة المعيشة، ومرة فى الصالة، وثالثة فى غرفة الاستقبال، ورابعة فى المطبخ، وكلها فى أوقات متقاربة .» وأضاف: «فى هذا الوقت أدركت أنها تتم بفعل فاعل، مهما كان إنسًا أو جنًا، المهم أنها بفعل فاعل، ليست بفعل ماس كهربائى، أو سيجارة، لدرجة أنه تمدد على السرير شاهدت نارًا تخرج من قطعة قماش فى المطبخ .» التقطت زوجته «أم هانى » طرف الحديث، وقالت: «كنت أجلس مع زوجات أبنائى الثلاثة خارج المنزل صباح يوم السبت، وهى عادة لا تنقطع كل سبت لأنه يوم إجازتى، وطلبت من زوجة ابنى إحضار شىء من الداخل، ففوجئت بها تصرخ بصوت عالٍ، ولما دخلنا خلفها وجدنا النار مشتعلة فى السرير الذى أنام عليه .» وأضافت: حاولنا إطفاء ألسنة اللهب لكن دون جدوى، ودخل علينا أحد الجيران وفى يديه طفاية حريق، وتمكن من إخماد النيران، وما هى إلا ساعة ونشب حريق آخر فى الغرفة المجاورة، أكثر من أربع مرات فى يوم واحد، ونقلنا الأثاث من الطابق الأول وضعناه بالطابق الثانى، وبقيته نقلناها إلى منازل الجيران. واستكملت الزوجة أنه فى صباح اليوم التالى، الأحد، كانت زوجة ابنها تصعد إلى الطابق الثانى، ففوجئت بالنيران مشتعلة فى غرفة الابن العازب، فصرخت، فهرع تجاهها زوجى وابنى، ووجدا النيران مشتعلة فى السرير وتمكنا من إخمادها بأيديهما. وقالت قبل أن يلتقطوا أنفاسهم نشب حريق جديد فى بعض الأقمشة الموضوعة داخل الغسالة، ثم نشب حريق فى مكان ثالث ورابع، لدرجة أن طفايات الحريق الخمس التى أحضرناها فرغت بالكامل، ونكاد نملؤها يوميًا. وأكدت أن الشيوخ أخبروهم أن هذه الحرائق سببها جن ينتقم منا لأن ابنى سكب زيت مغلى فى دورة المياه، فأحرق أهل هذا الجن، وفى اليوم ذاته جلست زوجة ابنى الكبير على الأريكة لتستريح ففوجئت بالنيران تشتعل فى يديها. واستطردت الزوجة: بعض المشايخ أخبرونى بضرورة إزالة الصور والرسومات الموجودة على جدران المنزل، لكننى لم أستجب وتركت الصور والرسومات، وفى اليوم التالى نشب فيها حريق، والمعاناة لم تتوقف عند الحريق، بل طالت أبنائى أيضاً، فابنتى عبير، وهى متزوجة وتعيش فى منزل بعيد عنا، وزارتنا وقت الكارثة«ولبسها جن، خرج منها بعد جلسة على يد أحد المشايخ .» وبسؤال محمد أحمد الشيهى، صاحب واقعة سكب الزيت المغلى، قال: «قبل فترة ليست ببعيدة، كنت أجلس فى صالة الطابق الأول، وشممت رائحة شياط، فهرعت إلى البوتاجاز، ووجدت أن زوجة أخى تركت الزيت يغلى لدرجة الاشتعال، فأمسكت بيدى الإناء وألقيت به فى أقرب مكان، وهو دورة المياه الملاصقة للمطبخ، وبعدها دخلنا فى دوامة الرعب التى نعيشها يوميًا .» وأضاف محمد «الشيوخ أخبرونا أن الزيت أحرق عشيرة من أهل الجن، وقتل 3 من أبنائه و 3 من أشقائه، فأراد الانتقام منا بإحراقنا داخل البيت .» والأمر نفسه أكده فؤاد الشقيق الأكبر لمحمد، مضيفًا «اجتمع حولنا الأهل والأصدقاء، وفى يد كل واحد منهم طفاية حريق، ويجلس أمام غرفة، فى انتظار النار التى تنشب بين الساعة والأخرى، لدرجة أن رئاسة مجلس مدينة أشمون عرفت بالأمر، وحضر رئيس المجلس اللواء عبدالسلام بنفسه، وفى اليوم التالى حضر نائبه، وهما على اتصال دائم بنا .» يلتقط الأب طرف الحديث مرة أخرى، ليؤكد أن منزله تحول إلى مزار لعشرات الشيوخ يأتون ويذهبون دون فائدة، مضيفًا: «لما الشيوخ تحضر النار بتختفى وبعد ما يمشوا ترجع أكثر من الأول، وكل شيخ له تفسير مختلف عن التانى، والمشكلة أننا ضحية لبعض الشيوخ ممن يستغلون الموقف، ويطلبون أموا لً لا أقدر عليها، فى حين يفعل الآخرون ما يستطيعون دون مقابل .» وقبل أن نغادر المنزل سألنا أحد الشيوخ، الذى جاء لإخراج «الجن » من المنزل عن الحادث، فأكد لنا أنه «طهر المنزل من الجن الذى استهدف أهله خلال الأيام الماضية »، موضحًا أن أحد السكان أحرق 7 من الجان، فعاد أحدهم لينتقم لعشيرته.