*فتاة تقرر الانشقاق لتستعيد حياتها الجامعية وأخرى تهرب من التنظيم انتقامًا من أسرتها المتشددة *شاب يفقد عمله بسبب صديقه الإخوانى.. وآخر يجمد نشاطه خوفًا على حياة والده المريض *منسق ائتلاف المنشقين يطالب بإخضاع الخارجين عن التنظيم للمراقبة لمدة 3 سنوات الدخول إلى جماعة الإخوان المسلمين مفروش دائمًا بالنوايا الحسنة، يبدأ بالرغبة فى خدمة الدين، ويتحول بمرور الوقت إلى خدمة طموح ومصالح قيادات التنظيم، إلى أن يكتشف الوافد الجديد أنه أصبح جزءًا من كيان يضع نفسه فوق الجميع، تنظيم لا يعترف سوى بمبدأ السمع والطاعة، تنظيم يمنح لأعضائه الذكور حق قمع عضواته من النساء، ويفوض قياداته فى تقرير مصير تابعيه، ويضع قواعده فى مواجهة الدولة، ليحافظ على مكاسبه، حتى لو كان الثمن هو أرواح الأبرياء. الدخول إلى جماعة الإخوان أمر سهل، ففى كل الأحوال ستجد صديقًا يمهد لك الطريق، أو أهل تربوا على مبادئ الجماعة، أو شخصية عامة تلعب دور الوسيط لتزويد الجماعة بقود جديد من المغرر بهم، لكن الخروج من التنظيم ليس سهلًا، لأنك فى هذه الحالة مطالب بأن تتحمل توابع هذا الفعل الذى تصنفه الجماعة باعتباره جريمة خيانة، والمدهش أنك لن تجد من يمد يده لمساعدتك وقتها، فمؤيديو الجماعة يرونك خائنًا، ومعارضوهم تساورهم الشكوك حولك، والأجهزة الأمنية تخشى من حيل المتلونين. لا أحد يعرف حجم الضغوط التى يعانيها المنشقون عن الإخوان، سوى المنشقين أنفسهم، لذلك تركناهم يسردون حكايتهم مع الجماعة التى استغلتهم، ورحلة انشقاقهم، وما أعقبها من تغيير فى حياتهم ومشاعرهم، وما تعرضوا له من آلام نفسية واجتماعية، بالإضافة لمعاناتهم مع المجتمع والأجهزة الأمنية والأسر والشارع. يقول «م. س» أحد شباب محافظة القاهرة المنشقين عن الجماعة: سعيت إلى الانضمام إلى الجماعة فى عام 2011 عقب ثورة 25 يناير مباشرة، بعد أن شاركت فى التظاهرات التى كانوا ينظمونها، وكنت متحمسًا وقتها لأفكارهم، وحضر عدد من اجتماعاتهم، وأصبحت من العناصر الأساسية للتنظيم داخل القاهرة الكبرى، لكننى قررت الانشقاق بعد أن أصرت الجماعة على عدم الانسحاب من اعتصام رابعة، وكنت أرى أصدقاءه يموتون أمام عينى. وأضاف الشاب المنشق: خلال تواجدى داخل الجماعة تعرفت على النظام الخاص للتنظيم، وكان يعتمد فى معظمه على النظام الدعوى القائم على نشاط الأسر، وكل أسرة تتكون من 7 أفراد، يجتمعون بشكل دورى بهدف نشر الدعوة، وتعتمد فى تمويل نشاطاتها على التبرعات وتجديد النية، ولفت نظرى أن قيادات النظام الخاص ورؤساء الشعب كانت لهم علاقات وحسابات تمويل تخص الجمعيات الخيرية، ويتم إنفاق هذه الأموال على الطباعة والنشر وتأليف وكتابة الشعارات.. وغيرها من الأمور التى تروج للجماعة بين شباب الجامعة. وعلى الجانب الآخر تقول «ه. ب» إحدى فتيات محافظة البحيرة المنشقات عن التنظيم: إن مشكلتها مع الجماعة كانت تتعلق بطريقة التفكير والتربية الدينية المتزمتة لأعضائها، والتى تجعل من الفتيات كائنات تابعة وخاضعة، وتأكد لى ذلك حين حاولوا إجبارى على المشاركة فى اعتصاماتهم، وكنت رافضة للفكرة تمامًا، واعتبروا موقفى خيانة للتنظيم وأعضاء الجماعة، فتم فصلى، وكانت عضوات الجماعة يعتبرن فصلى بمثابة عقاب قاسٍ لأنه يعنى طردى من نعيم الجماعة. وأكدت الفتاة المنشقة أنها تتمنى أن تربى أبناءها على المنهج الإخوانى، لأنها لا تزال مقتنعة بصحة التعاليم الدعوية للتنظيم، لذا يحرص على إلزام أعضائه بحفظ القرآن الكريم ودورات الترتيل والتجويد.. وغيرها من الأنشطة الدينية، لكنها فى المقابل ترفض تزمت الجماعة فيما يخص حقوق المرأة، وهو ما جعلها تفضل الابتعاد عنه، إضافة إلى أن انضمامها للتنظيم ومشاركتها فى التظاهرات التى ينظمها كان سببًا فى فصل من الجامعة، وفور وصول جواب الفصل لمنزلها وضعها فى ورطة، وبعد زيارات متعددة من أهلها إلى الجامعة، عادت من جديد بعد التعهد بعدم المشاركة فى أى شىء يتعلق بالجماعة. وفى السياق ذاته تقول «ت. س» التى انضمت للجماعة هربًا من جحيم حزب النور السلفى الذى انضمت له منذ أكثر من 7 سنوات تقريبًا، لأن عائلتها بالكامل سلفية التنشئة، فالأم المنتقبة والأب ملتحٍ، ونشأت فى أسرة أقنعتها بارتداء الحجاب وهى صغيرة، تلاه النقاب قبل الثانوية العامة مباشرة، واستمرت حياتها تسير فى إطار كراهية النظام والاعتقاد أنها على حق وفى طريق الجنة، إلى أن دخلت الجامعة، وبدأت تتكشف لها الأمور، حيث صادقت فتيات من اللواتى يشاركن فى أنشطة الجامعة المختلفة مثل الجوالة والنشاط الثقافى وغيره، وامتد العلاقة بينهن أكثر، فتغيرت مفاهيمها عن أمور كثيرة، وتبدلت فيما يتعلق بفرض النقاب من عدمه، وبتعاليم الطرق السلفية ومدى اقترابها من القرآن والسُنة، وقررت الابتعاد تمامًا عن كل هذا، لكنها لم تكن تملك القدرة على إخبار أهلها بما يدور فى عقلها، خوفًا من ردة فعلهم المتوقع، خاصة وهى من أصول صعيدية متعصبة، فظلت على موقفها إلى الآن ترتدى النقاب إرضاء لأهلها. وأضافت الفتاة المنشقة، أنه عقب ثورة 25 يناير مباشرة كانت كل فتيات السلفيات اللاتى تعرفت عليهن مواليات تمامًا لآراء جماعة الإخوان المسلمين، وينتهجن نفس النهج، ويرددن نفس الشعارات تقريبًا، حتى أنها ظنت لبعض الوقت أن الفريقين واحد.. ولا اختلاف بينهما. ضغوط الأهل هى كلمة السر وراء انضمام أو انشقاق عدد من الشباب لجماعة الإخوان، وهذا ما يؤكده « م. ر» طالب الفرقة الثالثة بكلية الحقوق، وأضاف: تعرفت على شاب إخوانى فى الجماعة من خلال المكتبة التى كنت أتردد عليها لشراء كتب الدراسة.. منذ دخولى الصف الأول فى الجامعة، وبدأ الموضوع بتبادل كتب أخرى ليست لها علاقة بالمناهج الدراسية، مثل كتب حسن البنا، وبالتدريج اقتنعت بفكرهم بعض الشىء وتركت لحية يراها البعض كثة، إلا أن هذا الأمر لم يدم طويلاً، وسرعان ما تنازلت عن كل شىء عقب مرض والدى الشديد، والذى اتهمنى إخواتى وأقاربى أنه بسببى وبسبب أفعالى، ففى كل مرة كنت أخرج فيها لمقابلة هؤلاء الشباب أدخل فى صراع كبير ونقاش حاد بينى وبين الأسرة كلها، نتج عن ذلك تركى لهم خصوصًا، وقد تزامن ذلك مع رسوبى فى مادتين، وانتهى بى الأمر لتهربى منهم، تزامن ذلك مع خروج 3 آخرين من أصدقائه بسبب ضغوط الأهل. ولفت الشاب المنشق إلى أن أعضاء بالجماعة حاولوا إعادته للتنظيم، وكانوا يتصلون به تليفونيا وعبر الفيس بوك، لكنه لم يتجاوب معهم، فغيرت محاولاتهم من محاولات الترغيب إلى التهديد، لكنه أصر على موقفه. وعلى الجانب الآخر يقول منشق يدعى « م. ص « إن هناك عددًا من الشباب المنتمين لأصول إخوانية لا يستطيعون إخبار أهلهم بأنهم قرروا الانشقاق باعتبار أن هذا الأمر فى حد ذاته جريمة بالنسبة لأعضاء للجماعة التى تمت مبايعة مرشدها على السمع والطاعة، لذا واجه صعوبات كثيرة عندما قرر أن يمتنع عن حضور دروس الشفاعة التى تتم بين الشباب والجيل الأكبر منهم.. من وقت لآخر، وترتب على ذلك غضب شديد من أهله، وهددوه بالطرد من المنزل وقتها، لكنهم اقتنعوا بضرورة بعده عن الجماعة عقب فض اعتصام رابعة مباشرة، خوف عليه من المطاردات الأمنية. الأصدقاء كان لهم دور أيضًا فى حياة المنشقين عن التنظيم، وقال «م. ر» إن صديقه الإخوانى قاطعه بعد انشقاقه عن الجماعة، وتسبب فى طرده من عمله الذى كان يعينه على مساعدة، بعد أن زاره صديقه الإخوانى فى مقر عمله، وتشاجر معه، واتهمه بأنه خائن ومصيره النار، وبعد شهر واحد انشق هذا الصديق أيضًا عن الجماعة بعد أن تعرض للعقاب بسبب عدم حضوره لأحد اجتماعات الجماعة، وتدخله فى قرار يتعلق بإحدى التظاهرات، وقتها فقط تحسنت علاقتهما مرة أخرى واستعادا صداقتهما. مخاوف المنشقين كثيرة، ولها مبرراتها، التى يقول عنها «عمرو عمارة» منسق تحالف شباب الإخوان المنشقين، أنه مهما انشق أى عدد من الأفراد عن التنظيم، فجميعهم انشقوا لأسباب فكرية أو لمطلب شخصى، كان آخرهم الشباب المنشقين رفضًا للاعتصام، وبعدها أيضًا انشق عدد آخر خوفًا من الاضطهاد الأمنى، ويجب أن يعلم الجميع أن لهؤلاء المنشقين يعانون من ضغوط كبيرة، ويحتاجون للمراجعات الفكرية، يحتاجون إعادة تأهل مجتمعى، بسبب الضغوط التى يتعرضون لها منذ 1 أغسطس، من مؤيدى الإخوان ومعارضيهم، فالجماعة تتعامل مع المنشقين باعتبارهم أمن دولة، أو خونة، ومعارضو الإخوان يرونهم شبابًا ممولين من جهات خارجية. وأضاف «عمارة» شباب الجماعة إما متشردين أو مسجونين أو هاربين أو مصابين بالاكتئاب، و40 فى المائة منهم لا يرجى منهم خير، لأنهم يمثلون النظام الدعوى المتشدد، وينزلون للتظاهرات إلى الآن. والملاحقات الأمنية مستمرة بحق المنشقين، لكنهم يحاولون شراء مقر يكون ملجأ لمن يرغب فى مغادرة التنظيم، ويمكن لهذا المقر أن يقوم بعملية حصر للشباب المنشق أو الراغب فى الخروج من الجماعة. وأوضح «عمارة» أن الجماعة فى حالة ارتباك شديد، ولا تستطيع السيطرة على التنظيم، ويضطرون أحيانا للاعتماد على الأخوات فى معظم التظاهرات، اعتماد على المبادئ المصرية التى تقضى بعدم التعرض للفتيات على الاطلاق، فمهما فعلت الأنثى لن يقترب منها أحد، وأن حدث عكس ذلك تتدخل المنظمات الحقوقية وغيرها، ويتحول الأمر إلى فضيحة.
فى المقابل قال مصدر رفيع المستوى بوزارة الداخلية إن تحريات الأمن الوطنى هى الفيصل الأول والأخير فى مدى حقيقة انشقاق أى فرد عن التنظيم، وحتى بعد ثبات انشقاقه تكون هناك متابعة دورية له، والملاحقة الأمنية للمنشقين، لا تتم إلا لمن يثبت تورطهم فى جرائم تمس أمن الدولة، فحال كونه منشقًا أو غير منشق لا يتم ملاحقته أمنيًا إلا فى حالة إثبات قاطعة ضده، أو فى حالة ضبط وإحضار من النيابة العامة.