*أستاذ جامعى بنى معبدًا فرعونيًا فاعتقد الأهالى أنه يعبد الشمس *رضوان علام: أنا مسلم والإخوان أطلقوا ضدى الشائعات لأنى أعارضهم *رفضت أن أكون وزيرًا فى عهد مرسى وأرسلت رفضى فى خطاب للاتحادية «من منكم سمع عن المعبد الفرعونى الموجود فى إمبابة؟» هذا السؤال الغريب هو الذى بدأ هذا التحقيق الفريد من نوعه، فأغلب المصريين يعرفون حى إمبابة الشعبى، حتى وإن لم يزوروه، إلا أنها المرة الأولى التى يرتبط فيها اسم المنطقة بالآثار والمعابد.. «الصباح» تتبعت طرف الخيط الذى قادنا إلى مغامرة غريبة، حيث أفادت المعلومات الشحيحة التى وصلنا إليها عن هذا الموضوع أن هناك معبدًا فرعونيًا كاملا بقرية وردان التابعة لمركز إمبابة بمحافظة الجيزة. يعتبر القطار هو أسهل وأيسر الطرق للوصول إلى قرية وردان، ويستغرق الطريق نحو ساعة ونصف الساعة للوصول لتلك القرية الصغيرة، التى تبدو للوهلة الأولى أنها لا تختلف كثيرًا عن مثيلاتها من قرى مصر الفقيرة، وما أن يخرج الزائر من محطة القطار يستقل «المعدية» للعبور إلى الجانب الآخر من النيل. المعدية كانت تقبع بجانب ترعة تسمى «الخطاطبة»، وسألنا المراكبى النحيف عن حقيقة وجود معبد فرعونى منسى فى هذه القرية الصغيرة، لكن إجابته أثارت القلق فى نفوسنا: «أنا معرفش حاجة.. أنا من البيت للجامع للمعدية.. ومعرفش حاجة عن المعبد ده». اندهشنا من استنكار المراكبى للسؤال، بعكس الطبيعى أن يفتخر لوجود معبد فى قريته قد يجذب السياح، ويرفع من دخل كل السكان، والغريب أنك من القارب ستبدأ فى ملاحظة الآثار الفرعونية بالمنطقة، فستلمح أربع مسلات فرعونية عالية تغازل السماء قرب الأفق على مقربة من القرية. كانت الساعة قد بلغت الثانية عشرة ظهرًا عندما دخلنا قرية وردان، وكانت الشوارع تكاد تخلو من المارة وقتها، فاقتربنا من منزل متواضع وجدناه مفتوح الأبواب، وجدنا فيه شيخًا فى العقد السابع من العمر برفقته ابنته وزوجته المسنة، سألناهم عن المعبد الموجود بالقرب من القرية، فأجابنا الشيخ باقتضاب بأن «صاحب المعبد» هو أستاذ جامعى قضى حياته فى دولة اليابان، وجاء محملا بأفكار غريبة منها أنه يعبد الحيوانات والشمس على حد قول الشيخ، رفض الإجابة عن أى أسئلة أخرى. ازداد الغموض حول هذه القضية الغريبة، فما معنى أن يكون شخص ما «صاحب» معبد فرعونى؟ وكيف يعبد هذا الأستاذ الجامعى الشمس والحيوانات؟ أسئلة كثيرة دارت بذهننا ونحن نغادر منزل الشيخ، ويبدو أنها كانت بادية على وجهنا إذ ما كدنا نغادر حتى وجدنا أحد شباب القرية يستفسر عما نريده، وعندما أعدنا عليه السؤال قال: إن المعبد ليس فرعونيًا أو أثريًا كما نظن، بل بناه د. رضوان علام ابن القرية بعد عودته من اليابان، وقد جعله على نمط البناء الفرعونى تكريمًا لأجدادنا المصريين القدماء، لكن جدية د. علام فى تأمين المعبد والمزرعة القريبة منه جعلت السكان تنفر منه، حتى إنه لا أحد من الأهالى يجرؤ على الاقتراب إلا وكان مصيره الضرب بالرصاص. وتابع الشاب حكاياته المدهشة: «د. علام رأى عربجيًا يضرب حماره ذات مرة فتشاجر معه، واشترى الحمار بضعف ثمنه ثم تركه فى المزرعة يرتع ويلعب». لم يكن كل شباب القرية مثل هذا الشاب معجبين بالدكتور صاحب الشخصية الغامضة، فشاب آخر ما أن عرف أننا نتبع جريدة ونقوم بعمل تحقيق عن المعبد إلا وسارع بالتطوع بإخبارنا بأنه كان يعمل فى المزرعة، وعندما حاول زميله أن يحلب بقرة قام صاحب المعبد بالاعتداء عليه لأنه- على حد زعم الشاب- يعبد البقر، متهما د. علام بهدم بيوت السكان لتوسعة «معبد حتحور» الذى يبنيه، ومنع الناس من الصلاة فى مسجد القرية رغم أنه تابع للأوقاف، وذلك لأن المسجد يدخل فى السور الخاص الذى يملكه. كل ما سبق جعلنا متيقنين بأن خلف هذا المعبد الفرعونى «الحديث» حكاية لا مثيل لها، فهل صاحبه رجل ضاع منه العقل ولعبت به الشعوذة؟ أم هل يفترى عليه أهل القرية ما ليس فيه لأنهم لا يفهمون أفكاره التى قد تتجاوزهم هل عادت عبادة الأصنام فى القرن الحادى والعشرين، أم أننا أمام حالة «صدمة حضارية» تحتاج إلى الشرح والتبسيط؟ قررنا اقتحام مملكة ذلك الرجل رغم التحذيرات التى جاءتنا من سكان القرية، وبينما يعتصرنا القلق اقتربنا من السور الخارجى للمعبد الذى يحتوى على أربع مسلات عالية يبلغ طول الواحدة 33 مترًا، وقفنا أمام البوابة الحديدية لنجد أمامنا ممرًا عرفنا بعد ذلك أنه يمتد إلى 365 مترًا- رمز لعدد أيام السنة- وبه 6 عمدان على اليمين و6 على اليسار لتكمل 12 عمودًا يرمزون لعدد شهور السنة، وبينما نتأمل التصميم الفرعونى الذى بُنى به كل شىء داخل المعبد فوجئنا برجل ضخم الجثة يقترب من داخل المعبد مسرعًا، ظننا أنه جاء للقبض علينا لأننا تعدينا على ملكية خاصة، إلا أننا فوجئنا برجل سمح الوجه يسأل إن كنا نحتاج للمساعدة، فسألناه عن الدكتور رضوان علام، فأخبرنا أنه عامل جديد جاء من المنوفية لخدمة الدكتور منذ أسبوعين تقريبًا، ثم أطال المديح والإطراء على الرجل، مما كان سببًا لتشجيعنا على دخول المعبد رغم القلق. داخل المعبد الفرعونى التقينا الدكتور رضوان علام، الذى استقبلنا بابتسامة هادئة، وأخبرنا أنه فى طريقه للقاهرة بعد قليل لحضور أحد المؤتمرات العلمية المهمة، لكننا استوقفناه لنستفسر منه عن سر حالة اللغط التى يثيرها لدى جيرانه البسطاء، وما يبتغيه من إعادة بناء معبد فرعونى كامل بهذا الحجم فى منطقة ريفية، فكانت إجاباته استكمالا لسلسلة المفاجآت التى لا تفارق هذا التحقيق. بدأ د. علام كلامه بأنه عالم مصرى من مواليد قرية وردان إمبابة التابعة لمحافظة الجيزة، وقال إنه مسلم، ولا صحة لما يقال عن أنه يعبد الحيوانات، وقد سافر إلى اليابان وهو فى سن ال20 وأكمل تعليمه وحياته هناك، وهو متزوج الآن من ابنة وزير يابانى، ويحمل درجة الدكتوراه فى الفيزياء الكونية، وأن أحد أهم أبحاثه قاده إلى اكتشاف بكتريا تنقى مياه الصرف الصحى فى 7 دقائق، كان يستخدمها القدماء المصريون فى تنقية مياه الشرب، وأنه من شدة عشقه للحضارة الفرعونية قام بإنشاء معبد فى قرية مسقط رأسه على نفقته الخاصة. كما أوضح د. علام أنه كان له نشاط سياسى معادٍ للإخوان منذ ثورة 25 يناير، ورفض تولى حقيبة البحث العلمى فى عهد مرسى فى خطاب رسمى أرسله لقصر الاتحادية آنذاك بأنه لن يتعاون مع أناس باعوا الوطن ومشكوك فى انتماءاتهم، فكان العقاب سريعًا بترويج الشائعات الكاذبة حول أنه يعبد البقر، وحاولوا عرقلة مشروعه الذى بدأه فى عام 1999، بجانب محاولة إرهاقه بالتعقيدات الإدارية الكثيرة وغيرها من أساليب المحليات الفاسدة. د. علام اعترف أن اهتمامه بالتاريخ الفرعونى ليس جديدًا عليه، فهو من الرواد المهتمين بالحضارة الفرعونية منذ أيام دراسته فى اليابان، وهو مؤسس «القرية الفرعونية» فى مزرعته التى أنشأها فى مسقط رأسه، فى محاولة لإعادة أمجاد المصريين القدماء، ويكثف كل جهوده حاليًا للانتهاء من هذه القرية فى وقت قريب ليتم افتتاحها كمزار سياحى عالمى لا يسعى للربح، وأسماهها معبد حتحور، أو «حتحور لاند» وهى إله السماء والحب والأمومة، وكان المصرى القديم يصورها على شكل بقرة. وعندما أعدنا عليه السؤال حول اتهامه بأنه يعبد النار والشمس والحيوانات، قال: إن هذه الشائعات نشرها الإخوان بين أبناء القرية كالنار فى الهشيم، وادعوا أن هذا المعبد سيحج إليه الخواجات من كل حدب وصوب ليعبدوا الشمس فيه، موضحًا: «بل زادوا الطين بلة باتهامهم لى بأننى أغلقت مسجد القرية ومنعت رفع الأذان، وهذا افتراء وضيع، فأنا لم أغلق المسجد ولا أملك هذه السلطة». د. علام أكد أن مدينته الفرعونية مبنية على أملاكه الخاصة ومعروفة وثابتة لدى الدولة، مضيفًا: «هذه المدينة ما زالت تحت الإنشاء، وأفنيت عليها سنين من عمرى فى البحث والدراسة كى أقول للعالم هذا هو الإنسان المصرى الحديث، لا يختلف كثيرًا عن جده القديم بل وأكثر وأقول هنا كانت تتم عبادة الواحد الأحد، لأنى بحث عن الحكمة فى إقامة المسلات الفرعونية وبناء الأعمدة فوجدتها مرتبطة بفكرة التوحد عند القدماء».
استمتعنا خلال باقى اليوم بجولة فى القرية الفرعونية التى يبنيها هذا الرجل الذى يتحدث 5 لغات ويملك من الثقافات المختلفة ما يؤهله إلى أن يكون واجهة مشرفة للإنسان المصرى، بعكس الشائعات التى تتناثر من حوله، وتجعل الناس ينفرون منه، مما جعل كل ما نفكر فيه أثناء رحلة العودة إلى القاهرة هو: هل يمكن للجهل والشائعات أن تهدم العقول والكفاءات؟ نتمنى أن تكون الإجابة لا.