جامعة الأقصر تنظم أول ملتقى توظيف لخريجي جنوب الصعيد    شيحة: مصر قادرة على دفع الأطراف في غزة واسرائيل للوصول إلى هدنة    صحة الشيوخ توصي بتلبية احتياجات المستشفيات الجامعية من المستهلكات والمستلزمات الطبية    الدولار يصعد 10 قروش في نهاية تعاملات اليوم    رئيس جهاز الشروق يقود حملة مكبرة ويحرر 12 محضر إشغالات    أمين عام الجامعة العربية ينوه بالتكامل الاقتصادي والتاريخي بين المنطقة العربية ودول آسيا الوسطى وأذربيجان    داج ديتر يكتب للشروق: ذروة رأسمالية الدولة.. ماذا بعد؟    رئيس الوزراء يهنيء السيسي بمناسبة الاحتفال بعيد العمال    سفيرة مصر بكمبوديا تقدم أوراق اعتمادها للملك نوردوم سيهانوم    وزير الدفاع الأمريكي: نعارض أي عملية عسكرية إسرائيلية برفح الفلسطينية دون خطة تؤمن سلامة المدنيين    إعلام عبري: حزب الله هاجم بالصواريخ بلدة بشمال إسرائيل    لوقف النار في غزة.. محتجون يقاطعون جلسة بمجلس الشيوخ الأمريكي    الاتحاد الأوروبي يحيي الذكرى ال20 للتوسع شرقا مع استمرار حرب أوكرانيا    روديجر يحذر مبابي من نهائي دوري أبطال أوروبا    وزير الرياضة يتابع مستجدات سير الأعمال الجارية لإنشاء استاد بورسعيد الجديد    الأهلي يهزم الجزيرة في مباراة مثيرة ويتأهل لنهائي كأس مصر للسلة    ستبقى بالدرجة الثانية.. أندية تاريخية لن تشاهدها الموسم المقبل في الدوريات الخمسة الكبرى    حالة وحيدة تقرب محمد صلاح من الدوري السعودي    طليقة قاتل جواهرجي بولاق ابو العلا: «اداني سبيكة 2.5 جرام وسلاسل ل بناته»    مصرع زوجين وإصابة طفليهما في حادث انقلاب سيارة بطريق سفاجا - قنا    «التعليم» تحدد موعد امتحانات نهاية العام للطلاب المصريين في الخارج 2024    مي القاضي تكشف أسباب عدم نجاح مسلسل لانش بوكس    الخميس..عرض الفيلم الوثائقي الجديد «في صحبة نجيب» بمعرض أبو ظبي للكتاب    بالأبيض.. لينا الطهطاوى رفقة هنا الزاهد وميرهان في ليلة الحنة    فيلم المتنافسون يزيح حرب أهلية من صدارة إيرادات السينما العالمية    «تحيا مصر» يوضح تفاصيل إطلاق القافلة الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة    إحالة فريق تنظيم الأسرة و13 من العاملين بالوحدة الصحية بالوسطاني في دمياط للتحقيق    هيئة سلامة الغذاء تقدم نصائح لشراء الأسماك المملحة.. والطرق الآمنة لتناولها في شم النسيم    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    النائب العام يقرر إضافة اختصاص حماية المسنين لمكتب حماية الطفل وذوي الإعاقة    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    موقف طارق حامد من المشاركة مع ضمك أمام الأهلي    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    غرق بمياه ترعة.. العثور على جثة شخص في الصف    مصرع طفل وإصابة آخر سقطا من أعلى شجرة التوت بالسنطة    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    مجهولون يلقون حقيبة فئران داخل اعتصام دعم غزة بجامعة كاليفورنيا (فيديو)    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    الصحة: الانتهاء من مراجعة المناهج الخاصة بمدارس التمريض بعد تطويرها    9 نصائح اتبعها لنوم جيد في الطقس الحار    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    حمد الله يتحدى ميتروفيتش في التشكيل المتوقع لكلاسيكو الاتحاد والهلال    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    حزب الله يستهدف مستوطنة أفيفيم بالأسلحة المناسبة    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    أخلاقنا الجميلة.. "أدب الناس بالحب ومن لم يؤدبه الحب يؤدبه المزيد من الحب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بالأسماء .. رجال صدام الذين يحاربون تحت راية «داعش
نشر في الصباح يوم 22 - 06 - 2014

-وليد جاسم العلوانى نقيب فى جيش صدام.. و رئيس المجلس العسكرى لداعش أبو على الخليلى مسئول فى التنظيمات الفلسطينية فى العراق سمير الخليفاوى عقيد طيار فى القوات الجوية سابقا العميد محمد الندى الجبورى عضو قيادة فرقة حزب البعث أبو مهند السويداوى عقيد سابق يعمل الآن بالمجلس العسكرى للتنظيم
-تهميش السُنة فى العراق وحرمانهم من الوظائف أدى لاتحاد البعث والقاعدة والعشائر ضد المالكى
-القوات التى تقف الآن على مشارف بغداد تضم قيادات من جيش صدام ومسلحى العشائر و «داعش »
-المالكى حارب «الصحوات » وطارد قيادات سُنية.. ودعا إلى «جيش رديف » من الشيعة.. فأثار غضب العشائر
ليس من قبيل المبالغة القول إن ما يشهده العراق اليوم كان متوقعًا منذ يوم الإطاحة بنظام صدام حسين، وهو على الأرجح نتيجة طبيعية لما يجرى فى بلد يشهد حالة إقصاء على أسس طائفية ومذهبية.
والحقيقة التى يغفل عنها كثيرون أن القوات التى تحقق تقدمًا كبيرًا فى السيطرة على عدد من مدن ومحافظات العراق وتقف الآن على مشارف العاصمة بغداد، تضم قيادات تنتمى إلى حزب البعث وهم من رجال الرئيس العراقى الأسبق صدام حسين. هذه القوات لا تضم مسلحى «داعش» فقط، وإنما تشمل أيضًا مسلحى العشائر السُنية، من الغاضبين على سياسات حكومة نورى المالكى ومواقفها الطائفية.
بداية، لا بدَّ من فهم كيف تسلسلت الأحداث لنصل إلى ما وصلنا إليه، وفهم هذا التسلسل هو المفتاح للحكم عليه وتحديد الموقف منه.
تبدأ القصة من يوم 20 ديسمبر 2012، عندما اقتحمت قوات الأمن العراقية منزل ومكاتب وزير المالية العراقى رافع العيساوى والقبض على 150 شخصًا من حاميته وموظفيه من بينهم رئيس حاميته ابن عمه محمود العيساوى. هذه الحادثة جاءت بعد عام من حصار أحمد ابن نورى المالكى، مكاتب كل من نائب الرئيس العراقى طارق الهاشمى ونائب رئيس الوزراء صالح المطلك والعيساوى نفسه، حيث فرضت عليهم الإقامة الجبرية، التى استطاع الهاشمى الفرار منها إلى أربيل، ومنها إلى المنفى الاختيارى. فى الوقت نفسه قُبض على أربعة من حراسه الشخصيين، الذين أُجبِروا - تحت وطأة التعذيب الذى توفى أحدهم بسببه- على الاعتراف بأن الهاشمى كان يدير ويخطط للقيام بعمليات إرهابية واغتيالات. فى سبتمبر 2012، حُكم على الهاشمى بالإعدام غيابيًا.
كانت هذه القرارات من المالكى تهدف إلى توطيد سلطته وسحق كل معارضيه والمتحدِّين له، إلا أن اقتحام منزل العيساوى قد دفع أهالى الفلوجة والأنبار وسامراء وتكريت للتظاهر مناصرة للعيساوى والتنديد ضد المالكى. استمرت هذه التجمعات الميدانية فى المناطق السنية حتى السادس من يناير 2013، إذ تقدمت بمطالبها ال13، التى شملت إطلاق سراح المعتقلات بتهم الإرهاب، وإيقاف تنفيذ أحكام الإعدام، تعليق العمل بمواد قانون الإرهاب حتى إلغائه، وإيقاف العمل بقانون المساءلة الذى يشرف على سياسات اجتثاث البعث فى العراق، وإيقاف التمييز الطائفى فى مؤسسات الدولة...إلخ. وتتكون هذه المظاهرات من تحالف القُوى السياسية السنية -كأسامة النجيفى، رئيس البرلمان، وأحمد أبوريشة وغيرهما- والمناوِئة للمالكى مع المؤسسة الدينية، التى يعتبر الشيخ عبدالملك السعدى من أبرز رموزها، وانتشرت لتشمل ما تعورف على تسميتها بالمحافظات الست.
هذه المظاهرات والتجمعات السلمية كانت غالبًا سُنيّة، علمًا بأنها لقيت دعمًا من بعض الأحزاب الشيعية فى البداية.
وكانت حدّة خطاباتها الطائفية تتنوع من مكان لآخر، كما أن الأعلام المرفوعة تتراوح بين رفع العلم العراقى إبان فترة حكم صدام حسين ورفع العلم الأسود الذى يرفع عادة من تنظيمات القاعدة و«داعش»، إلا أنها كانت سلمية وتتمحور غالبًا حول المطالبات السابقة.
هذا التنوع يعكس تنوعًا فى التنظيمات والمؤسسات الفاعلة داخل هذه التجمعات من أمثال لجنة التنسيق الشعبية فى الأنبار، إلى انتفاضة العراق الحر وجيش رجال الطريقة النقشبندية، وهى الواجهة الدينية للبعثيين الناشطين فى مقاومة الاحتلال الأمريكى منذ عام 2004، انتهاءً بهيئة علماء المسلمين والحزب الإسلامى. انقسم السُنة بين خيارين: فى الرمادى كان الخيار هو الضغط باتجاه الفيدرالية، بينما فى الفلوجة كانت القوات البعثية والإسلامية تميل إلى خيار أكثر راديكالية، وهو الكفاح المسلح ضد النظام.
فى شهر إبريل 2013، وقعت أحداث الحويجة؛ إذ أغارت القوات العراقية على أحد مخيمات المتظاهرين، وهو ما أدى إلى صدام بينهم وبين المتظاهرين، وهى الأحداث التى أسفرت عن عشرات القتلى. هذه الأحداث تعتبر نقطة تحول للمتظاهرين نحو الكفاح المسلح؛ إذ التحق بعضهم بالتنظيمات المسلحة الموجودة، أو قاموا بتشكيل أخرى جديدة. هذه التنظيمات تشمل جيش أنصار الإسلام، وجيش العراق الإسلامى، والنقشبندية التى تقف خلف العديد من المجالس العسكرية لثوار العشائر، وجيش العزة والكرامة، وثوار أهل السنة.
بل إن الأحداث الراهنة فى العراق، أعادت إلى الواجهة اسمًا آخر يرتبط بصدام. اسم بدا كما لو أنه يقود ما تبقى من الجيش العراقى السابق، وهو عزة إبراهيم الدورى.
عزة الدورى المولود عام 1942 كان الرجل الثانى إبان حكم صدام حسين، حيث شغل مركز نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، وقبلها عدة مناصب من بينها منصب وزير الداخلية عام 1974، ووزير الزراعة.
بعد احتلال العراق اختفى عزة الدورى، وأعلن حزب البعث العربى الاشتراكى (قطر العراق) أنه تسلم منصب الأمين العام للحزب، خلفًا لصدام حسين بعد إعدامه.
بعد الغزو الأمريكى للعراق اختفى الدورى ورصدت القوات الأمريكية عشرة ملايين دولار لمن يتقدم بأى معلومات تقود إلى اعتقاله أو قتله، وكان المطلوب السادس للقوات الأمريكية.
نُسِب إليه الإشراف على الكثير من العمليات المسلحة، كما نسبت إليه مجموعة من التصريحات التى تدعو قطاعات مختلفة من الشعب العراقى إلى مقاومة الأمريكيين.
أعلن حزب البعث العراقى نبأ وفاته فى نوفمبر من عام 2005، ولكن الحزب نفى ذلك لاحقًا، وفى أواخر عام 2009 أعلن تشكيل جبهة الجهاد والتحرير والخلاص الوطنى. ظهر تسجيل صوتى منسوب إليه فى يوليو من عام 2010 يدلى فيه خطابًا فى ذكرى الثورة التى وصل من خلالها حزب البعث العربى الاشتراكى إلى الحكم فى العراق، وكان الدورى أحد أهم المشاركين فى تلك الثورة.
كما تم بث تسجيل مصور يُعزى له فى إبريل من عام 2012 فى ذكرى تأسيس حزب البعث العربى الاشتراكى، ويتحدث فيه عن إيران وتدخلاتها بالعراق، ويؤكد أن حرب حزب البعث أصبحت ضد إيران ونفوذها فى العراق. وظهر فى تسجيل مصور فى يناير من عام 2013 أعلن فيه أن حزب البعث يؤيد الاحتجاجات العراقية فى الأنبار والمدن السُنية الأخرى.
ظل عزة الدورى كالأرق والورقة المخفية للحكومة العراقية، وحوَّلته الحكومة لأسطورة، وبين فترة وأخرى تخرج روايات متناقضة فى صالونات بغداد السياسية العراقية تدعى أن الدورى موجود هنا أو هناك.
يعود الدورى ليتسيد المشهد العراقى مع هروب الجيش العراقى من معظم المدن السنية، عبر أنباء تتحدث عن قيادته ضباطًا وجنودًا سابقين فى الجيش العراقى السابق، وأنهم هم من يسيطرون على المدن، إضافة إلى أبناء العشائر السنية.
الدورى «فزاعة المالكى» فى مواجهة منافسيه، ولإبقاء العملية السياسية رهينة به ولرؤيته الطائفية للعراق وتهميشه المتعمد والممنهج للسُنة، وهو أيضًا بقايا ورمز لعراق كان ذات يوم عربيًا خالصًا، وأصبح فيما بعد حديقة خلفية لإيران.
والحقيقة أن الدورى ليس الاسم الوحيد من المنتمين إلى عهد صدام حسين، ممن يقودون التحركات المسلحة ضد نظام المالكى حاليًا، ومن هذه الأسماء:
- وليد جاسم العلوانى، نقيب فى الجيش فى عهد صدام، ويشغل حاليًا منصب رئيس المجلس العسكرى لداعش.
- العميد محمد الندى الجبورى، مسئول أركان المجلس العسكرى فى تنظيم داعش، وهو عضو قيادة فرقة حزب البعث.
- أبو فيصل الزيدى، وهو من أكثر المقربين من زعيم داعش «أبو بكر البغدادى».
- أبو على الخليلى، وكان ضابطًا فى التنظيمات الفلسطينية فى العراق تحت حكم صدام، ومن «فدائيى صدام».
- حجى بكر (سمير الخليفاوى) وهو مساعد البغدادى، والمشرف على داعش بفرع سوريا، وكان عقيد طيار فى النظام العراقى السابق وعضو شعبة فى تنظيمات الأنبار، وقتل فى بداية عام 2014.
- أبو مهند السويداوى، عقيد من جيش صدام، اعتقل لصلته بعزة إبراهيم الدورى، وهو حاليًا عضو فى المجلس العسكرى لتنظيم داعش.
- عدنان إسماعيل نجم، عقيد فى الجيش السابق معروف بصلاته التنظيمية فى حزب البعث قبل عام 2003. كانت كنيته أبو أسامة البيلاوى. وهو حاليًا عضو المجلس العسكرى لداعش.
وقليل من الناس يعلم أن المتحدث هذه الأيام باسم حزب البعث العراقى، شيعى المذهب ومن أبناء مدينة الحلة.
فالدكتور خضير المرشدى، هو الممثل السياسى الرسمى لحزب البعث، ويمضى الوقت هذه الأيام مع أعضاء كثر من الحزب فى معركة طويلة يقصد بها الإطاحة بالحكم الحالى فى العراق، وقد بدأت أولى نتائجه بفقدان السلطة الموصل، ثانى أكبر المدن بعد العاصمة بغداد.
وخلال الأيام الماضية، أسمع المرشدى صوته للرأى العام وعبر وسائل الإعلام المختلفة، تحت مسمى أمين عام الجبهة الوطنية والقومية والإسلامية فى العراق، وهى كما يقول، تضم حزبه البعث وقوى محلية ذات طابع وطنى ومثلها قومى وأخرى إسلامية، غير أن المراقبين يقدرون أن حزب البعث هو معظم سواد هذه الجبهة.
فى حقيقة الأمر، فإن تذكر عهد صدام حسين، الذى لا مجال لتبرير مواقفه كأحد أبرز الطغاة العرب فى العصر الحديث، يأتى نتيجة تعرض العرب السُنة فى العراق لتهميش منهجى، أفرغ مؤسسات الدولة منهم.
وبالأرقام، فإن حضورهم فى مؤسسات الدولة فى بغداد يقل عن عشرة فى المئة فى كثير من المؤسسات. وفى إقليم كردستان، لا مكان لغير الكردى، سنيًا أو شيعيًا.
لا مفاضلة بين الدكتاتوريات، لكن أيام دكتاتورية حزب البعث، كان الشيعة يديرون 28 دائرة فى المخابرات العراقية. فى دكتاتورية اليوم لا يدير السُنة أى دائرة، وأكثرية قائمة المطلوبين الأمريكية من نظام البعث كانوا شيعة. هذا لا ينفى مسئولية حزب البعث عن فشل بناء دولة المواطنة لا الطائفة.
غير أنه يبقى أنه لم يتناول أحدٌ بتركيز حاسم أن طريق رئيس الوزراء العراقى نورى المالكى للولاية الثالثة كان قد اقترب من الانغلاق، وأنّه لا يستطيع أن يترك رئاسة الوزراء بسبب خشيته من أن أى رئيس جديد للوزراء لن يتمكن من إهمال ملفات الفساد والأخطاء، إن لم نقل الجرائم التى ارتكبها، وأنه على يقين من أنه لن يفلت من المحاسبة إذا خرج من رئاسة الوزراء.
وفى لحظة جنون قرّر أن يدفع الأوضاع إلى الانهيار بأن أوعز إلى القادة العسكريين بترك مواقعهم، وهو ما تؤكده عشرات الشهادات المصورة بعفوية لبعض الجنود.
أمام هذا الفراغ لا بدّ أن تتقدم الجماعات المسلّحة والكثير من الناقمين على سياسات المالكى وأن تكبر الكارثة إلى الصورة التى نراها الآن.
جميع الشهادات تؤكّد أن عدد المسلحين لم يكن يتجاوز المئات فى البداية، ولكن يمكننا أن نتخيل انضمام أعداد من الغاضبين من سياسات حكومة المالكى، ليكبر العدد وربما وصل الآن إلى عشرات الآلاف.
لا يوجد فى قاموس المالكى أنّه يمكن أن يخرج من الحُكم، بل إن خروجه سيزداد صعوبة إن بقى لأربع سنوات أخرى، وسيقضى على جميع خصومه هذه المرة كى يضمن البقاء فى السلطة لولاية جديدة.
كيف يمكن لنا أن نتخيل رئيس وزراء جديدًا للعراق يُبقى عشرات الآلاف من أتباع المالكى الذين احتلوا معظم مفاصل الدولة دون وجه حقّ. وكيف يمكن له أن يتجاهل ملفات الفساد ومليارات الدولارات التى سرقت أثناء حكم المالكى؟ ناهيك عن الأخطاء التى ارتكبها.
ألقت حكومة المالكى بعود ثقاب فى منزل من القش وأدارت ظهرها؛ نفخت فى نار المذهبية لتذكى روح الثأر والانتقام قبل أن تبتسم لشياطين تصفق ابتهاجًا بوليمة الدمار المنتظر كأنه رائحة شواء.
لقد كان نورى المالكى صريحًا حين دعا، هو الذى كره «الصحوات» السنّيّة وحاصرها، إلى «جيش رديف» تدلّ هويّة المتطوّعين فيه إلى شيعيّته. وعصارة الحكمة هنا أنّه حين يعجز جيش طائفىّ عن الانتصار لطائفته، يغدو المطلوب جيشًا أكثر طائفيّة ينجح فى الانتصار لطائفته. فلأنّ مَن يُستَبدل رخيص يغدو الاستبدال سهلاً. ومن لم يفهم، أتته دعوة المرجع الشيعى الأعلى على السيستانى إلى «حرب مقدّسة» لتنهى كلّ تمويه، لا فى صدد الطبيعة السنّية – الشيعيّة للتنازع فحسب، بل أيضًا فيما خصّ الوظيفة الطائفيّة المناطة بالجيوش «الوطنيّة».
فى المقابل، ظهرت أصوات تعثر على دور لأمريكا فى المسألة لأنّها مَن درّب هذا الجيش. إلاّ أنّ أفعال القوّات المسلّحة فى العراق، وهى مرّة سنّية ومرّة شيعيّة، كامنة فى المجتمع العراقيّ قبل عقود على حرب أمريكا فى بلاد الرافدين. ويبدو أنّ هذا «القانون» لم يتغيّر عمله مع تغيّر الجيش بعد صدّام، لأنّ وعاء الجيش ظلّ، فى الحالتين، ينضح بماء المجتمع.
فى المشهد المرتبك، تختلط التفاصيل وتتداخل الأسماء والوقائع، ويوضع التاريخ فى الثلاجة.
جثة صدام تتسلل الآن من قبرها فى العوجة وتنزل فى مدن وبلدات وأسواق الرمادى وبعقوبة وتكريت والفلوجة والموصل؛ لتحرض أهلها على الثأر والمقاومة.
جثة المستبد الذى حكم العراق بقبضة من حديد منذ عام 1979 وحتى سقوط نظامه فى 9 إبريل 2003، وألقى بالعراقيين فى أتون حروب ومعارك وغزوات ونزوات طائشة ومميتة، تنادى الآن الناس وتقود الهتاف «يحيا العراق»، فى وقت كان قتلته يهتفون باسم رموز ذات طابع مذهبى.
صدام كان مستبدًا فى جرائمه؛ قتل وانتهك وعذب جميع خصومه من دون تفرقة فى الملة والمذهب، وفى المقابل حقق طفرة فى مجال العلوم والتصنيع، وأسس جيشًا قويًا، وقد ورط هذا الجيش فى معارك وحروب لا تنتهى، من إيران إلى الكويت.
ومن المفارقات المضحكة أن يغتسل صدام من كل جرائمه فى غرف حكومة نورى المالكى؛ ليخرج إلى العراقيين «زعيمًا وطنيًا»، مثلما أظهرته جلسات محاكمته رجلاً رابط الجأش يتحدث فى ثقة ويتحدى فى قوة ليفحم القضاة ويربك الجلادين.
إن الحوادث الكارثية التى يشهدها العراق اليوم، أعادت إحياء الجدل حول قرار غزو العراق فى العام 2003. وفى هذا الصدد، تساءلت صحيفة «الجارديان» البريطانية إن «كان الغزو أدى بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى انهيار الدولة العراقية؟».
ربما لا يكون الواقع الراهن هو ما استهدفته القوات الأمريكية عندما اجتاحت العراق؛ إذ يبدو أن الأمريكيين لم يكونوا يعرفون ماذا يريدون من هذه الحرب بالأساس، ولا فكروا فى ماهية النظام الذى سيخلف النظام الذى كانوا بصدد تدميره.
هنا نطالع نصيحة الكاتب الأمريكى، توماس ريكس، فى مقال نشرته صحيفة «فورين بوليسى»؛ إذ يقول: «لا أعتقد أن الرئيس الأمريكى باراك أوباما يواجه خيارات صعبة فى العراق، كما لا أعتقد أن على أمريكا شن ضربات جوية لوقف زحف تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام (داعش)، وأرى أن آخر ما ينقصنا هو سقوط طيارين أمريكيين أسرى فى أيدى الشباب الجدد».
وعلق الكاتب على مقترح يقول بإرسال واشنطن مساعدات عسكرية إلى بغداد شريطة تنحى المالكى، قائلاً: «أعتقد أن كلمة إيران فى هذا الشأن أكثر وقعًا من واشنطن».

حسابات الوقت، تجعلنا نتذكر سياسات صدام حسين، ونتأمل ممارسات نورى المالكى، ونتخوف على مصير العراق ووحدته وسلامة أراضيه بعد أن ألقى بهذا البلد العربى الكبير فى أتون حروب وصراعات لا يريد البعض لها أن تنتهى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.