- يوسف عبدالماجد: والدى وصف أفكارى بأنها «طيش شباب».. وانقطعت اتصالى به منذ أغسطس الماضى.. ولا أعلم مكانه الحالى تأتى الرياح بما لا تشتهى سفينة الإخوان. هكذا الحال بعد الحكم الذى أصدرته محكمة الأمور المستعجلة بالإسكندرية منتصف الأسبوع الماضى بمنع أعضاء الجماعة من الترشح للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، وهو الحكم الذى قلَّم بقية أظافر الجماعة، بعد أشهر قليلة من قرار حكومى، ليفعل حكماً قضائياً صدر 24 يناير الماضى بإدراج الجماعة كتنظيم إرهابى. وفى ظل هذا التضييق القضائى الذى يأتى متوازياً مع ملاحقات أمنية لعناصر جماعات العنف المسلح، وخلاياها، وبؤرهم الإرهابية الكامنة فى محافظات مصر المختلفة، لجأ أبناء البنا إلى أسلوب «القفز من السفينة الغارقة»، عبر سعيهم – وبخاصة المنشقين منهم - إلى تدشين أحزاب سياسية جديدة، تتيح لهم فرصة الولوج إلى الساحة السياسية مجدداً. أصدقاء الأمس أعداء اليوم. هذا هو حال الموالين للإخوان، وعلى رأسهم المنتمون للجماعة الإسلامية، التى كان القيادى عاصم عبدالماجد – هارب فى قطر – أحد أبرز زعمائها، حيث بدأ هؤلاء غسل أيديهم من دماء الإرهاب التى فاضت بها شوارع مصر فى سيناء والقاهرة والمنيا والقليوبية وغيرها من المحافظات، فيما يشبه مراوغة التبرؤ من الدم واستحرام النار التى حرقت ولا تزال مصائر المصريين فى بلادهم. قطار الانشقاق عن الجماعة الإرهابية انطلق بعد ثورة «30 يونيو» وما تلاها من عزل للرئيس «الإخوانى» محمد مرسى، 3 يوليو العام الماضى، فخلال الفترة الماضية، راوغ عدد من المنتمين والمحسوبين على الإخوان بتأسيس حزب سياسى يرث حزب «الحرية والعدالة» الإخوانى فى المشهد، فكان شباب الإخوان المنشقين، على رأسهم عمرو عمارة منسق تحالف منشقى الإخوان، إلى تأسيس حزب جديد يحمل اسم «العدالة والحرية»، ويرفع شعار «مصر لكل المصريين»، وزعم الساعون إلى تأسيسه أنه «سوف يُعبر عن مفهوم الإسلام المعتدل»، على حد زعمهم. على الدرب ذاته، سار عدد من المنشقين عن الجماعة الإسلامية، أمثال صبرة القاسمى قائد فرع الاستخبارات بتنظيم الجهاد القديم، وأحمد صبح القيادى المنشق عن الجماعة، حيث دشنوا جبهة وسطية لرفض سياسة الجماعة. وأخيراً قام عدد كبير من شباب الجماعة الإسلامية فى قنا وسوهاج وأسيوط والمنيا، معقل الجماعات الإسلامية فى الصعيد، بانشقاقهم عن الجماعة ورفضهم لسياساتها، معلنين عزمهم تدشين حزب سياسى، يضم شباب الجماعة الإسلامية المنشقين، ويأتى على رأسهم، يوسف عبدالماجد، نجل عاصم عبدالماجد، القيادى الهارب فى قطر منذ فض اعتصامى الإخوان فى «رابعة والنهضة»، 14 أغسطس العام الماضى. وتأتى مساعى شباب الجماعة الإسلامية للانشقاق عنها على غرار مساعى المنشقين عن جماعة الإخوان، حيث أعلنوا رفضهم التام للسياسات التى اتبعتها الجماعة الإسلامية، منذ ثورة يناير 2011، حتى وصول الإخوان إلى الحكم، مروراً بثورة 30 يونيو حتى الآن، واستنكروا بشدة الخطاب الذى تبنته قيادات الجماعة الإسلامية على منصة اعتصام «رابعة»، وسياسة العنف التى انتهجوها فى مواجهة الدولة. ويسعى الشباب المنشقون راهناً إلى جمع توكيلات لتأسيس حزب سياسى، واتفقوا على اختيار يوسف عبدالماجد، وكيلاً لمؤسسى الحزب، وإسماعيل على، مسئولاً إعلامياً للحزب، وعبدالرحمن الصديق، مسئولاً إدارياً. وفيما يُعد انفراداً ل«الصباح» قال يوسف عبدالماجد فى أول تصريحات صحفية له خص بها الجريدة: إنه لا يرغب فى التواصل الإعلامى، نظراً لانحياز وسائل الإعلام جميعها لطرف واحد، وتغاضيها عن سماع الطرف الآخر لاستبيان الحقيقة منه، موضحاً أنه شارك مثل أى مصرى فى الثورة على نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وكان معه عدد كبير من شباب الجماعة الإسلامية بالمنيا وأسيوط وسوهاج وقنا، فى الوقت الذى كانت معظم قيادات الجماعة الإسلامية فى السجون، وبقيتهم يُحرِّمون الخروج على الحاكم، معتبرين ما يحدث فى ميدان «التحرير» فُجر وفسوق، وعندما أسفرت الثورة على أول استفتاء نزيه فى 19 مارس 2011، كانوا أول من طالبوا بالتصويت عليه ب«لا»، بينما تبنت معظم قيادات الجماعة الإسلامية ومعهم الدعوة السلفية، الدعوة للتصويت ب«نعم» بزعم أنه الطريق إلى الجنة، واصفاً ما فعله شيوخ وقيادات الجماعة السلامية ب«التهريج فى حق الدين». وكشف نجل عبدالماجد ل«الصباح»، أن خلافه مع والده بعد ثورة يناير كان بشأن بعض الأمور السياسية التى أخطأت فيها قيادات الجماعة الإسلامية، حيث كان عبدالماجد يصف آراء نجله بأنها «طيش شباب وأن الله سوف يهديه»، موضحاً أنه لم يجلس مع والده سوى مرات معدودة، نظرا لوجود والده داخل السجون فترة طويلة. ورفض يوسف عبدالماجد، الكشف عن حقيقة عدد المنشقين من شباب الجماعة الإسلامية، مؤكداً أن ثمة مساعٍ حثيثة تقودها القيادات الكبار لإثناء الشباب عن قرار الانشقاق، كاشفاً أن عدداً كبيراً من المنشقين فى طريقهم الآن لتدشين حزب سياسى، أهدافه مغايرة تماماً لأهداف حزب «البناء والتنمية»، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية. وفى سياق ذى صلة، رفض نجل عبدالماجد، الكشف عن مكان والده، قائلاً: «لا أعلم أين يوجد والدى، وما إذا كان فى قطر أم فى دولة أخرى»، مؤكداً أن الاتصال به انقطع منذ شهر أغسطس العام الماضى. من جهة أخرى، كشف الدكتور إسماعيل على، المدرس فى كلية الطب جامعة أسيوط، وأحد الشباب المنشقين عن الجماعة الإسلامية، أنهم كانوا ضحية لقيادات الجماعة، الذين يرفضون ويجرمون أية محاولة للإصلاح أو الاعتراف بأخطائهم، موضحاً فى تصريحات ل«الصباح» أن الجماعة الإسلامية خسرت الكثير من أبنائها الذين كشفوا الفخ الذى نصبه لهم القيادات الكبار باستقطابهم لتحقيق مصالح دنيوية زائلة. فى السياق، يرى نبيل نعيم مؤسس تنظيم الجهاد سابقاً، أن حديث نجل عبدالماجد حول انشقاقه وعدد من شباب الجماعة الإسلامية، هو نفس حديث والده عاصم عبدالماجد عن التوبة، أثناء المراجعات الفقهية التى أجرتها الداخلية للتصالح مع أبناء الجماعة الإسلامية والذى يعد والده واحداً منهم، حيث قطع عهداً على نفسه بألا يعود إلى أفكار الجماعة مجدداً، لكن ثبت لاحقاً عكس ذلك الادعاء.
فيما يرى الدكتور أحمد عبدالعليم، الباحث فى شئون الحركات الإسلامية، أن يشجع أى خطوة تصحيحية من جانب أبناء وشباب الجماعة الإسلامية الذى هم بالأساس أبناء الدولة المصرية، بشرط أن يرفضوا بشدة سياسات العنف والإجرام التى انتهجتها الجماعة الإسلامية وجماعة الإخوان، عقب ثورة المصريين فى «30 يونيو»، كاشفاً أنه مع أى حزب سياسى يضم أبناء الوطن سواء كانوا منشقين عن الجماعة الإسلامية أو الإخوان، بشرط أن يكون مطابقاً لأحكام القانون والدستور، وألا ينتهجوا أسلوب التجارة بالدين فى تحقيق مصالح وأطماع شخصية، وأن يتعلموا لما حدث لقيادات الجماعة الإسلامية ومنهم القيادى عاصم عبدالماجد، الذى عاد إلى العنف مجدداً بعد وصول جماعة الإخوان إلى الحكم.