طرحت العملية الإرهابية التى استهدفت مديرية أمن الدقهلية الأربعاء الماضى، وتبنتها جماعة «أنصار بيت المقدس»، تساؤلات عدة بشأن قدرة جماعات العنف المسلح، الموالية لتنظيم «الإخوان» المحظور، على الولوج إلى عمق الداخل المصرى، بعيدًا عن بؤرة الإرهاب الرئيسية فى سيناء، وما إذا كان منفذو العملية تحركوا من شبه الجزيرة المصرية إلى مدينة المنصورة، أم أن العملية نفذتها خلية نائمة فى المدينة بدعم لوجيستى من جماعات سيناء. مشهد الدمار الذى لحق بمبنى المديرية - سبق استهدافه قبل نحو شهر - ووصل مداه إلى عدد من البنايات المجاورة، فجَّر عناقيد الغضب لدى أبناء المدينة التى يذكر تاريخها أنها أحبطت تقدم قائد الحملة الصليبية السابعة عام 1248، «لويس التاسع» حين نجح فى احتلال مدينة دمياط، لكنه هُزم ثم أُسر فى أولى مواجهاته فى المنصورة عام 1250. وما أشبه الليلة بالبارحة، إذ كان الرد عنيفًا من أهالى المنصورة الذين خرجوا بالآلاف لتشييع جثامين شهداء التفجير الإرهابى، ثم سرعان ما هاجموا منازل ومحال تجارية مملوكة للإخوان، وأضرموا فيها النيران، ويبدو أن الغضب كان قد جاوز المدى، وبخاصة أن «حادث المديرية»، جاء بعد أيام من ذبح سائق تاكسى على يد متظاهرين إخوانيين خلال مسيرة نظموها فى المدينة. «الصباح».. تستعيد الذاكرة التاريخية وتنشر تاريخ نشأة الإرهاب فى مدينة «المنصورة المنكوبة»، فى محاولة لفك شفرة عملية تفجير «مديرية الأمن».
إخوان المنصورة المنصورة بلد المئة ألف إخوانى. هكذا يعرفها تنظيم الإخوان، فلم يكن يتخيل مؤسس التنظيم «المحظور»، حسن البنّا، أن ميكانيكى السيارات عبدالله بدوى، القادم من المنصورة وتحديدًا من قرية «تلبانة»، كل ثلاثاء، لحضور جلساته سيكون السبب فى نشر فكر الإخوان فى المنصورة، حتى وصل تعداد أعضاء الجماعة 100 ألف، استخدمهم مكتب الإرشاد فى ضرب الاستقرار وجعل من المدينة مركز قوة للاستفادة من موقعها الجغرافى فى إيواء العناصر الإرهابية. فى هذا السياق، يذكر القيادى الإخوانى المنشق وأحد أبناء الرعيل الأول للجماعة، محمد الشريف أن فكر الإخوان وجد فى المنصورة التربة الخصبة ليتمكن من التوغل بعدها إلى داخل باقى مُدن الدقهلية، ومن ثم نقل العدوى إلى محافظة الشرقية المتاخمة لها، وكان البنا حريصًا على زيارة المنصورة من وقت إلى آخر ليساهم فى تثبيت أوزار الجماعة، لأن فكر البنا كان يعتمد على ضم الأعيان وأكابر القوم للاستفادة من أموالهم فى دعم التنظيم، ولأن المنصورة كانت تضم مجموعة كبيرة من الإقطاعيين بدأ فى تنفيذ سياسة الزيارات العائلية مع تلك العائلات، وبالفعل نجح فى ضم مجموعة كبيرة من الأثرياء هناك. ومن العوامل المساعدة على نشر الفكر الإخوانى فى المنصورة أيضًا، اتباع الإخوان أسلوب «العصا والجزرة»، بحسب وصف الشريف الذى أضاف: فقراء المنصورة اضطروا إلى دخول الجماعة قديمًا هربًا من الفقر ولعدم قدرتهم على علاج أبنائهم المرضى، خلال فترة ما قبل الخمسينيات، حيث انتشرت العيادات والمستشفيات الإخوانية، لكسب تعاطف الفقراء، ومع تطور الأمر أصبح الأبناء الذين استفادوا من هذه المستشفيات، أعضاءً عاملين بالجماعة لرد جميل الجماعة الربانية، التى عالجتهم من دون مقابل، دون أن يعلموا أن المقابل هو عضويتهم فى التنظيم وتنفيذ ما يُطلب منهم .
فى الإطار ذاته، يقول عضو مكتب الإرشاد السابق، الدكتور السيد المليجى، إن المنصورة صدَّرت الإرهاب إلى محافظات الجمهورية، انطلاقًا من المنصورة التى كانت بمثابة البؤرة التى انطلق منها الفكر التكفيرى، وتتلمذ داخلها العديد من القيادات الإخوانية الحالية، على يد القيادى الإخوانى محمد العدوى، الذى نجح فى جعل المنصورة بؤرة إرهابية لتدريب الإخوان على المنهج التكفيرى والعسكرى. وبحسب المليجى، فقد نجح القيادى محمد العدوى، فى تنفيذ ما رسمه من خطط قبل أربعين عامًا، فهو من ساهم فى نشر الفكر الإرهابى، ومارسه أيضًا بنفسه، وقت أن عمل بالتنظيم الخاص فترة الستينيات، كما عمل تحت قيادة عبدالرحمن السندى، زعيم التنظيم الخاص، فهو عاشق للعنف والدم، ويؤمن بأن المجتمع كافر ولابد من قتاله حتى يتطهر، وتتلمذ على يديه مجموعة من أبناء مدينة المنصورة، وخارجها أيضًا، ومنهم نائب المرشد الهارب محمود عزت، والسيد نزيلى مسئول الإخوان بالجيزة، ومحمد الجزار مسئول الإخوان بجنوب القليوبية، وأحمد البيلى القيادى الإخوانى بدمياط، وأحمد شوشة القيادى الإخوانى بالمنصورة والحاج طلعت الشناوى مسئول الإخوان بالدقهلية حاليًا، والذى يتخذ من قرية سنفا بالدقهلية معقلًا لإيواء العناصر الإرهابية التى تقوم بأعمال تخريبية». وتابع المليجى: تمكن العدوى فيما بعد من تجنيد خيرت الشاطر، وساعده فى الحصول على المحفظة المالية للجماعة، لعلمه بأنه «تاجر شاطر»، ولن يمارس العمل الإرهابى بنفسه، فطلب منه أن يكون داعمًا للعناصر الإرهابية التى تتلمذت على يد العدوى، وأن يساندهم، وقد تمكن العدوى وقتذاك من تشكيل خلية إرهابية داخل تنظيم «الإخوان»، مكونة من الأشخاص السابق ذكرهم، وقد نجح على أرض الواقع فى تنفيذ مشروع الإرهاب.
مخطط التفجير وتُعد المنصورة من مدن التكتل الإخوانى، وتتخذها «الجماعة» كنقطة انطلاق لتنفيذ عملياتها الإرهابية، نظرًا لتمتع المدينة بمناخ يُساهم فى نشر العمليات الانتحارية والهجمات المسلحة، لعل أبرزها أن المدينة تضم كتلاً إخوانية، بخلاف وجود مجموعة من الخلايا النائمة للتنظيم داخل مؤسسات وأبنية محافظة الدقهلية، وهى التى سهلت إدخال السيارة المفخخة، إلى ساحة المديرية، إلى جانب أن الكثافة العددية للإخوان تسمح بتأمين العناصر الإرهابية قبل وبعد تنفيذ الهجمات المسلحة. وفى هذا السياق، يؤكد عضو تنظيم الجهاد السابق صبرة القاسمى، أن مدينة المنصورة تضم مجموعة من الجماعات المسلحة التى خططت ونفذت عملية الهجوم على مديرية أمن الدقهلية، موضحًا: خلال أحداث قصر «الاتحادية» الأولى، تم إبرام صفقة إخوانية مع الجهادى أحمد سلامة مبروك، داخل مكتب الإرشاد ومنحه ما يلزمه من إمكانيات مادية ومعنوية لتأسيس الجماعات الإرهابية التى ظهرت مؤخرًا، مثل «أنصار بيت المقدس»، مقابل منحه عفوًا رئاسيًا فهو المحرك الأساسى للعمليات الانتحارية التى تتم داخل المنصورة مستهدفًا تحدى الجيش بشكل لم يسبق له مثيل، واستطاع أن يركز الأنظار من خلال العمليات الانتحارية إلى جماعة «أنصار بيت المقدس»، وجعل من شادى المنيعى رئيسًا صورياً وهو تلميذه الذى يتصدر المشهد لحماية قائده ويعاونهم من داخل مدينة المنصورة عضو «أنصار بيت المقدس»، محمد فضل فايد، وهو مصاب حاليًا على خلفية اشتراكه فى أحداث عنف، وقد يكون أحد المشاركين فى وضع الخطة التى استهدفت مديرية الأمن، وقد سبق واتهم فى قضية استخدامه قنابل مولوتوف لإرهاب الأهالى فى المنصورة، أثناء مشاركته فى مسيرة مؤيدة للرئيس المعزول.
عمليات انتحارية وبتسليط الضوء على أحمد سلامة مبروك، تتكشف لنا سيرته الإرهابية وأنه يشكل كلمة السر فى تأهيل عدد من الجهاديين لخوض عمليات انتحارية، فهو صاحب الاسم الكودى «أبو الفرج المصرى»، ولد عام 1956 بقرية المتانيا التابعة لمركز العيّاط بمحافظة الجيزة، وسبق اعتقاله على خلفية قضية الجهاد الكبرى، لتورطه فى اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات عام 1981، وبعد خروجه من السجن هاجر إلى أفغانستان، وهناك التقى رفيق دربه أيمن الظواهرى، وعملا معًا فى جماعه الجهاد المصرية، وقد ألقت المخابرات المصرية القبض عليه أثناء وجودة بأذربيجان ورحلته إلى مصر، حيث تمت محاكمته على خلفية قضية العائدين من أفغانستان. كما حكم عليه بالسجن المؤبد ليتم الإفراج عنه فى عهد الرئيس المعزول فى إطار صفقة مع تنظيم الإخوان عقدت داخل مكتب الإرشاد، فى ديسمبر 2012، حضرها نائبا المرشد محمود عزت وخيرت الشاطر، وشقيق زعيم تنظيم القاعدة، محمد الظواهرى، وأوكلت الصفقة إلى مبروك مسئولية إدخال أسلوب السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة إلى مصر وتدريب الشباب المجاهد بدنيًا ونفسيًا على تلك المهام لاستشعار الإخوان الخوف من الجيش، الذى باتت العلاقة بينه وبين الإخوان غير مستقرة، وقد نجح مبروك فى إعداد مجموعة كبيرة من المجاهدين نفسيًا لاستخدامهم فى العمليات الانتحارية.
تفاصيل عملية التفجير إلى ذلك، وعلى الرغم من التكهنات المتباينة التى هيمنت على عملية تفجير مديرية الأمن، علمت «الصباح» من مصادر مطلعة أن تنظيم الإخوان، اعتمد أسلوب التمويه قبل تنفيذ العملية من بينها تنظيم عدة مسيرات استباقية، حيث يقول مصدر مطلع، إنه تم التنسيق بين المجموعة التى نفذت العملية من أعضاء «أنصار بيت المقدس» بالمنصورة وبين أعضاء التنظيم الإخوانى، حيث جاءت التفجيرات بطلب من محمود عزت، لتلبية رغبات سلامة مبروك الذى طالب بمزيد من الدعم المادى لشراء السلاح واستقدام مجموعة من المجاهدين وتسهيل دخولهم إلى مصر، وفى المقابل يتم تنفيذ مجموعة من العمليات الانتحارية قبل حلول موعد الاستفتاء على الدستور المقرر له، 14 و15 يناير المقبل، بعد أن استشعر عزت الخطر من استمرار الحكومة والقوات المسلحة فى تنفيذ «خارطة الطريق» وتأكده من احتياج التنظيم إلى عمل مؤثر يرهب به الجيش والشرطة، وتنفيذًا للبيان الذى أصدرته «أنصار بيت المقدس» فى أعقاب العملية. ويرى المصدر أن حملات التطهير التى يقوم بها الجيش داخل سيناء، كانت على وشك القضاء على البؤر الإرهابية بشكل كامل، وبالتالى احتاجت الجماعات الجهادية والتكفيرية إلى حادث كبير يستهدف من خلاله منشأة عسكرية أو شرطية لتخفيف الضغط عليهم فى سيناء، وقد وقع الاختيار على مديرية أمن الدقهلية التى سبق استهدافها قبل نحو شهر، وسبب اختيارهم لنفس المديرية هو أن مدينة المنصورة أكثر المدن أمانًا، وبها نشاط أمنى مكثف، وبالتالى هى الفرصة المناسبة لتعلن هذه الجماعات تحديها لجهاز الشرطة لإظهار ضعفه وعدم قدرته على حماية منشآتها.
قرية سنفا هى إحدى قرى ميت غمر بمحافظة الدقهلية، وفيها يتم إعداد القيادات الإخوانية وتدريبهم على الفكر التكفيرى وعقد الاجتماعات المهمة التى تأتى قبل التفجيرات بواسطة مسئول الإخوان بالدقهلية طلعت الشناوى أحد تلاميذ محمد العدوى حيث صرح مصدر إخوانى مطلع حول قوة الإخوان بالمنصورة ( يتم عقد الاجتماعات المهمة للإخوان على مستوى مدن محافظة الدقهلية داخل قرية سنفا داخل منزل الشناوى مسئول الإخوان هناك وبحضور مجموعة من أصحاب الفكر التكفيرى أمثال أحمد شوشة وأحمد البيلى ويعاونهم شخص من السودان يدعى محمد البحيرى، ومهمته استقبال الوفود الإخوانية وتدريبهم عسكريًا إضافة إلى أن تلك القرية بها مجموعة من العناصر الجهادية والتكفيرية التى يتم إيواؤها قبل تنفيذ الهجمات المسلحة وتأمينهم بعد التنفيذ، كما أنها القرية التى يتم من خلالها التنسيق بين باقى المدن من حيث المسيرات والمظاهرات وتجهيز المشاركين وتوفير وسائل نقلهم فى حال التظاهر خارج المنصورة، وهى مركز عمليات ميدانى يتم من خلالها إدارة المظاهرات عن بعد».