ذكرت صحيفة "الحياة" اللندنية أن القاهرة تسعى إلى احتواء التدهور المتسارع في العلاقات مع إثيوبيا على خلفية مشروع "سد النهضة" الذي شرعت أديس أبابا في بنائه وتتخوف مصر من تأثيره على حصتها من مياه النيل، خصوصاً بعد التلويح المتزايد بعمل عسكري لوقف المشروع وتصديق البرلمان الإثيوبي على اتفاق عنتيبي الذي يلغي حصة مصر التاريخية من مياه النهر. وبحسب الصحيفة فقد كشف مصدر ديبلوماسي مصري أن وزير الخارجية محمد كامل عمرو لن يطرح خلال زيارته إثيوبيا غداً طلب وقف بناء السد الذي ترفض أديس أبابا مناقشته في شدة، "بل سيسعى إلى احتواء الازمة وإحياء قناة اتصال بهدف التوصل إلى تفاهمات تكفل الاطمئنان إلى عدم تأثر حصة مصر من المياه بسبب المشروع". ورغم أنه شدد على أن الوزير "لن يقدم اعتذاراً" عن التصريحات التي لوحت بالخيار العسكري سواء في اجتماع الرئيس محمد مرسي مع قوى سياسية لمناقشة الملف قبل عشرة أيام أو إعلان الرئيس لاحقاً أن "دماءنا هي البديل لو نقصت قطرة من مياه النيل"، إلا أن المصدر قال إن كامل عمرو "سيقدم توضيحات" للمسؤولين الاثيوبيين في شأن هذه المواقف. وتأتي زيارة الوزير المصري بعد تصريحات للناطق باسم وزارة الدفاع العقيد أحمد محمد علي قال فيها إن أزمة السد "ليست قضية عسكرية في هذه المرحلة... ومن السابق لأوانه إقحام الجيش في هذه المشكلة الآن". ويمكن فهم المرونة المصرية في ضوء محدودية خيارات القاهرة لحل الأزمة، لا سيما صعوبة الخيار العسكري. ولفت تقرير لخدمة "ستراتفور للاستخبارات الدولية"، وهي شركة استشارات أمنية مقرها لندن، إلى أن "قيوداً كبيرة" أهمها بعد المسافة تجعل العمل العسكري شبه مستحيل وينطوي على مخاطرة كبيرة "في أحسن الأحوال"، اضافة الى العواقب الدولية لمثل هذا التحرك. وأشار التقرير إلى أن أي قصف مؤثر للمشروع يستلزم تحليق الطائرات المصرية على ارتفاع منخفض جداً، ما ينطوي على مخاطرة كبيرة. كما أن الغارة الجوية تتطلب توقفاً للتزود بالوقود في الأراضي السودانية، وهو أمر مستبعد في ظل مخاوف السودان من الرد الإثيوبي المتوقع. وحتى إذا تجاوزت مصر هذه الصعوبات، فإن توجيه ضربة مؤثرة محكوم بنافذة زمنية ضيقة، إذ يتعين عليها استهداف السد في مرحلة ليست مبكرة بقدر يسمح بإعادة العمل في المشروع ولا بعد التشغيل خوفاً من تأثير الفيضان المحتمل على السودان. أما سيناريو العمليات البرية، فيتطلب تعاوناً سودانياً عبر السماح لفرقة "كوماندوز" مصرية بالتسلل. غير أن المسافة التي ستقطعها هذه الفرقة تقلل من قدرتها على حمل قنابل ذات قدرة تدميرية عالية. كما أن فرص نجاح هذا السيناريو ضئيلة بسبب التأمين الإثيوبي المشدد لموقع السد. واتفق الخبير العسكري اللواء طلعت مسلم "مع كثير مما جاء في هذا التقرير". وقال ل "الحياة": "لا شك في أن الخيار العسكري بالنسبة إلى مصر صعب جداً، لكن إذا أردنا يمكن أن نجد حلاً... الحل العسكري صعب لكنه ليس مستحيلاً". وأضاف أن "السودان ليس حائطاً مغلقاً أمام مصر. صحيح أن السودان له رأي أو موقف يرى أنه من الممكن الاستفادة من السد، لكن قد يتغير هذا الموقف مستقبلاً، وحتى لو نحينا السودان جانباً، فهناك بدائل أخرى، منها ارتيريا مثلا". وأوضح أن "هناك بدائل مقترحة والموضوع ليس مرتبطاً بحل واحد، لكن أعود لأقول أن الحل العسكري صعب جداً وليس سهلاً، ويمكن الركون إليه فقط إذا اعتقدنا أن الخيار بيننا وبين أثيوبيا إما أن نموت من العطش أو أن نموت في حرب، وحينها يجب أن نختار أن نموت في الحرب". ولم يستبعد الربط بين صعوبة الخيار العسكري وتصريحات الناطق باسم الجيش، قائلاً: "الجيش يعلم قطعاً أن الأمر صعب، وهناك حديث عن أن الجيش ليس جاهزاً، ولذلك لم تتخذ مصر موقفاً حاسماً. المؤكد أن الحل العسكري ليس وارداً، على الأقل الآن".