أثارت الزيارات الخارجية التي يقوم بها البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية خلال الشهر الجاري كثيرا من علامات الاستفهام حول أهدافها الحقيقية خاصة أنها تزامنت مع إطلاق كثير من الأقباط دعوات لتدويل قضاياهم لاسيما بعد أحداث مدينة الخصوص والكاتدرائية.. وبينما أكد البعض أن زيارات البابا تأتي في إطار الدور الرعوي لأبناء الكنيسة في الخارج ولا تتعلق بأي دور سياسي أوضح آخرون أن مشاكل الأقباط تفرض نفسها علي زيارات البابا ولقاءاته بالمسئولين الأجانب ولا يمكن تجاهلها. من جانبه يقول القمص سيرجيوس سيرجيوس وكيل عام الكاتدرائية إن زيارة البابا لعدد من الدول الخارجية تهدف للاطمئنان علي الأقباط هناك، موضحا أن البابا تواضروس يرفض الحديث في الخارج عن أي مشاكل للأقباط في مصر. وتابع: البابا يحاول أن يظهر للغرب في كل أحاديثه أن مصر في أحسن حال، ويرفض الحديث عن أي انتهاكات أو اعتداءات تحدث للأقباط في الداخل. وأضاف: البابا يراعي في تصريحاته في الخارج الوضع في مصر ويحاول أن يستبعد فيها أي سلبيات موجوده في مصر. ويقول الأب رفيق جريش المتحدث باسم الكنيسة الكاثوليكية: زيارات البابا الخارجية تمثل نوعا من المتابعة للأقباط في الخارج وهي جزء من مهام عمله وواجباته خاصة أن هناك أكثر من 5 ملايين مواطن قبطي مصري في دول العالم المختلفة ينبغي التواصل معهم. وأكد جريش أنه في أثناء تغطيته لزيارة البابا تواضروس للفاتيكان لاحظ أن البابا كان يتلاشي الحديث عن السياسة أثناء زيارته، وذلك تجنبا لعدم فهم الكلام بشكل خاطيء.. مشيرا إلي أن البابا كان يحاول في حديثه أن يركز علي هموم المصريين جميعا وليس الأقباط بصفة خاصة. وأوضح جريش أن العالم عبارة عن قرية صغير وجميع ما يحدث في مصر يذاع إلي العالم كله والجميع يعرف ما يحدث من انتهاكات واعتداءات ضد الأقباط وبالتالي فالبابا ليس في حاجة لأن يتحدث عن ذلك إضافة إلي أنه لا يستطيع إنكار حقائق يعرضها الإعلام في الخارج.. مضيفا: الكنائس في الخارج تدعو للمصريين في الداخل وتشعر بالفزع مما يعرض عليهم من الإعلام لذلك فمن حقهم أن يعرفوا ما يحدث للأقباط في مصر، لأن ما يهم الأقباط هنا هو نفسه ما يشغل الأقباط في الخارج، وهم يتابعون باهتمام شديد ما يحدث في مصر ويتألمون له كثيرا. وأكد جريش انه رغم رفض الأقباط تدويل قضيتهم علي أمل أن ينظر الحاكم إلي الأقباط بعين الاعتبار إلا أن استمرار تدهور الأوضاع في الدولة وإهدار حقوق الأقباط ينذر باقتراب لحظة انفجارهم في الداخل والخارج. ويؤكد مجدي سليمان منسق الاتحاد العام للأقليات الدينية أن زيارات البابا تواضروس تعتبر نوعا من التواصل مع الأقباط في الخارج، خاصة بعد فترة انقطاع طويلة منذ مرض البابا شنودة الثالث وحتي رحيله.. مشيرا إلي أن دور البابا منذ تنصيبه وحتي اليوم هو المبادرة بالعمل الوطني وليس العمل السياسي العام، فالبابا يعرف حدوده ولا يتدخل في السياسة بعكس البابا شنودة الذي كان يمثل رجل سياسة في المقام الأول وليس راعيا روحيا فقط. وأكد سليمان أن البابا يحرص علي عدم خروج القضايا القبطية عن الإطار المصري، وهذا يظهر في تصريحاته أثناء الزيارات الخارجية خاصة انه يؤكد دائما علي أن الأوضاع في مصر بأحسن حال. وفيما يتعلق بمطالبة الأقباط بتدويل مشاكلهم أوضح سليمان أنه من حق أي أقلية أن تطالب بتدويل قضيتها في الخارج إذا وجدوا أن قانون الدولة لا ينصفهم.. مشيرا إلي أن الدستور "الإخواني" يسعي لتغيير الهوية المصرية ويعتبر الأقباط مواطنين درجة ثانية وبالتالي فمن حقهم أن يقوموا بتدويل قضيتهم في الخارج وفضح الانتهاكات التي ترتكب ضدهم أمام العالم. وقال سليمان: لو عُرض علي البابا تواضروس تدويل قضايا الأقباط فسوف يرفض ولن يعطي للغرب فرصة لكي يتدخلوا في شئون مصر الداخلية بدعوي حماية الأقباط موضحا أن موقفهم كأقباط في تدويل قضيتهم يختلف عن البابا. وشدد سليمان علي أن زمن سيطرة الكنيسة علي الأقباط انتهي وأصبح دورها يقتصر الآن علي الجانب العقائدي فقط وليس لها أي علاقة بالحياة السياسية ومن ضمنها حقوق المواطنة للأقباط. وفي نفس السياق أوضح نبيل غبريال المحامي رئيس منظمة نور الشمس للتنمية أن زيارات البابا تواضروس هي زيارات دينية في المقام الأول، لافتا إلي أن البابا يرفض أن يشكو هموم الأقباط ومشاكلهم لأي جهة خارجية تسعي لاستخدام الأقباط كورقة ضغط علي القيادة السياسية. وتابع: الأقباط ليسوا في حاجة لمن يحمل قضيتهم أو يدافع عنها مؤكدا أنه في حال رغب الأقباط في تدويل مشاكلهم فهم يعلمون جيدا القنوات الشرعية والإجراءات القانونية لذلك. وانتقد غبريال محاولات البعض للتشكيك في وطنية الذين يلجأون إلي تدويل مشاكلهم واتهامهم بالاستقواء بالخارج قائلا: "إذا كان القضاء نفسه استجار من تعدي الإخوان عليه وهدد باللجوء للمحاكم الدولية فماذا يكون حال المتضررين من الأقباط؟".. مضيفا: إذا لم يستطع القضاء المصري أن يأتي للأقباط بحقوقهم، فهناك القانون الدولي الذي يحمي الجميع. ويؤكد الدكتور ميشيل فهمي المحلل السياسي أن زيارة البابا تواضروس الثاني للنمسا تأتي في نطاق الزيارات الرعوية لكهنة المهجر نافيا أن تحمل هذه الزيارة أي بعد سياسي. وأوضح فهمي أن لقاء البابا تواضروس لعدد من القيادات والمسئولين بالنمسا لا يعني نقل الممارسات السيئة والاضطهاد الذي يتعرض له الأقباط في الداخل إليهم. وأعرب فهمي عن تأييده لمطالبة بعض الأقباط بتدويل قضيتهم رافضا وصف البعض لعملية التدويل بأنه نوع من الاستقواء بالقوي الخارجية وقال: الأقباط ليسوا أقل وطنية من والدة الشهيد محمد الجندي التي تسعي لتدويل قضية ولدها الآن وكذلك أسرة الشهيد محمد البطران.