احتضن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات فرع أبوظبي، مساء أمس الأول، في مقره في المسرح الوطني الدكتور أيمن بكر في أمسية حول أزمة الإنسان المعاصر وحدود التجريب، قراءة نقدية في رواية ''الظل الأبيض'' للشاعر الإماراتي عادل خزام . قدّم الأمسية الكاتب وليد علاء الدين وحضرها عدد من الكتاب والمهتمين . استهل الدكتور أيمن بكر بالحديث عن الإطار العام لقراءته النقدية للرواية، والأسس التي بنى عليها قراءته تلك، وذلك بهدف التعرف إلى أزمة الإنسان المعاصر الذي يعيش في المدن الأكثر تطوراً في العالم وإحساسه في الوقت نفسه بالاغتراب، فينتابه حنين إلى الجذور ورغبة جامحة في العودة إلى الطبيعة وبراءته الأولى . وتوقف بكر عند بنية الرواية وشخصياتها التي رسمت، حسب قوله، بشكل يتوازى مع الواجهة الزجاجية البراقة السطحية التي صنعتها الحضارة الحديثة، حيث اعتبر أنها تلك الواجهة قد انعكست على وعي الإنسان المقيم فيها . لذلك تعامل مع الشخصيات السردية وفق تصنيفها الكلاسيكي إلى شخصيات مركبة وأخرى مسطحة . واعتبر أن الشخصيات التي يمكن أن نتعرف عبرها إلى المؤلف الضمني، وعي عادل خزام بكل ما يدركه في ذاته من أبعاد نفسية وفلسفية وأيديولوجية لحظة الكتابة، هي بالأساس شخصيات: إبراهيم، نور، برهان، شروق، وليد . وهي شخصيات مركبة تعمد النص التعمق فيها بحسب كل شخصية ودروها . وركز بكر على شخصية إبراهيم باعتبارها الشخصية الأولى التي يتحول وعيها بالعالم من الوعي السطحي الغارق في تفاصيل تغيبه عن ذاته، إلى الوعي العميق بالذات وبالطاقة الداخلية التي تمثل حقيقة الوجود وتسمح بالاتصال بروح العالم، وهي الحيلة السردية الأهم في رواية خزام التي تحاول التعبير عن الحالة الزجاجية التي تنطبع على وعي الأفراد في المدن، كما أنها تتماهى مع شخصية بطل باولو كويلهو في رواية "الخيميائي" . وأوضح بكر علاقة الصحراء بوعي بطل الرواية، حيث اعتبرها البراءة الأولى التي تعرف من خلالها إلى الحياة والأصدقاء، فكانت نقطة البداية التي يعود فيها لذاته في حالتها الأكثر نقاء وانفصالا عن عالم الأضواء المنعكسة على الزجاج . وتطرق بكر لشخصيات نور، الشخصية الثانية، ثم شروق ووليد، مستعرضا علاقة هؤلاء بالرواية ووعي الكاتب وإدراكه، وخلص إلى أن شخصيات عادل خزام المركبة كانت أقنعة لوعيه حال الكتابة . وحاول بكر تلمس التجريب في الرواية الذي يلازم عنوانها الفرعي، معتبرا أن خزام يشكل سرداً طويلاً للوعي في تعالقه وارتباطه مع تجربته الشعرية، وقال: "إنه تيار عميق من الوعي بأزمة الإنسان المعاصر، وهو في عمقه وعي شعري يتعامل مع العالم بوصفه مجموعة من المعاني المجردة الأقرب لذوات تتفاوت قدرتها على الوعي باشكالياتها الخاصة" . وخلص بكر إلى أن خزام تحرر من الشكل التقليدي للرواية . عادل خزام بدوره استعرض ملامح السياق العام الذي كتب فيه روايته، حيث قال إنه كتبها من دون تخطيط أو سابق إنذار من خلال قراءاته الروائية، مشيرا إلى أنه كان يعتقد أن ثمة بنية سردية يجب ألا يتم الاخلال بها، ومع ذلك لم يشأ الإغراق أو التعمق في الشخصيات نظراً لكونه شاعراً يميل إلى الجملة المحكمة المختزلة . وأشار إلى أنه رتب الشخصيات في الرواية حسب دورها ووظيفتها، فالصمت الذي لازم شخصية نور، مثلاً، طوال السرد هو في حد ذاته عمق، لذلك لم يتركها تتحدث كثيرا في الرواية وترك زوجها برهان يتحدث باسمها . وعن علاقة الرواية بشخصيته الشعرية أوضح خزام أنه لا يستطيع كتابة رواية من دون الشعر، لأنها ستكون رواية جافة، مشيرا إلى أن كل الانتقالات التي حدثت في الرواية كانت بهدف تنويع الخط السردي، وهذا ما يفسر تحول البطل في نهاية الرواية إلى شاعر ومعلم وصاحب حكمة .