نحن في أشد الحاجة إلي الشيخ الشعراوي - رحمه الله-، فلقد كان هو صوت المسلمين البسطاء في كل أرجاء مصر والبلاد العربية، فلم يتشدد الشيخ الشعراوي في أي قضية وقدم أفضل نموذج للخطاب الإسلامي المعتدل، وعاد الشيخ الشعراوي إلي الساحة من جديد وبدأ المصريون يسترجعون أحاديث هذا الشيخ المحترم الذي أجمعت عليه القلوب واستراح له جميع أبناء الشعب المصري، وشعر المصريون بالاستفزاز من بعض الفتاوي المتشددة التي أدلي بها عدد كبير من المنتمين للتيار السلفي تحديدا، فوجدنا فتاوي تطالب بهدم التماثيل الفرعونية وإلغاء الحضارة المصرية التي بلغت سبعة آلاف عام، كما وجدنا فتاوي تمنع عمل المرأة وخروجها من بيتها، ولذلك تم الابتعاد عن هؤلاء وعن الفتاوي المتشددة التي لا تسعي إلي تقدم مصر ومواكبة العصر الحديث ولكنها تسعي إلي العكس من ذلك، ووجد الشباب والكبار في أحاديث الشيخ الشعراوي -رحمه الله- الإسلام الحقيقي الذي يعبر عن روح العصر ويحافظ علي ثوابتنا الدينية ومقدساتنا الإسلامية وانتشرت أحاديث الشيخ الشعراوي في كل مكان وبدأت شركات الإنتاج تعيد طرح تفاسير الشيخ الشعراوي للقرآن الكريم كما تم طرح العديد من التسجيلات الصوتية والمرئية للشيخ الشعراوي الذي يعد أعظم من قام بتفسير القرآن الكريم في العصر الحديث، واتفق الكثيرون علي كونه إمام هذا العصر حيث لُقب بإمام الدعاة لقدرته علي تفسير أي مسألة دينية بمنتهي السهولة والبساطة، علاوة علي مجهوداته في مجال الدعوة الإسلامية، ولد فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي في 5 أبريل 1911، بقرية دقادوس مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية وحفظ القرآن الكريم في الحادية عشرة من عمره، وكانت نقطة التحول في حياة إمام الدعاة، عندما أراد له والده إلحاقه بالأزهر الشريف بالقاهرة، فما كان من الشيخ إلا أن اشترط علي والده أن يشتري له كميات من أمهات الكتب في التراث واللغة وعلوم القرآن والتفاسير وكتب الحديث النبوي الشريف، كنوع من التعجيز حتي يرضي والده بعودته إلي القرية، غير أن والده فطن إلي تلك الحيلة، واشتري له كل ما طلب قائلاً له: أنا أعلم يا بني أن جميع هذه الكتب ليست مقررة عليك، ولكني آثرت شراءها لتزويدك بها كي تنهل من العلم فما كان أمام الشيخ إلا أن يطيع والده، ويتحدي رغبته في العودة إلي القرية، فأخذ يغترف من العلم، ويلتهم منه كل ما تقع عليه عيناه. وفي عام 1937 التحق الشعراوي بكلية اللغة العربية، وانشغل بالحركة الوطنية والحركة الأزهرية، فثورة سنة 1919 اندلعت من الأزهر الشريف، ومن الأزهر خرجت المنشورات التي تعبر عن سخط المصريين ضد الإنجليز المحتلين.. ولم يكن معهد الزقازيق بعيداً عن قلعة الأزهر الشامخة في القاهرة، فكان الشيخ يزحف هو وزملاؤه إلي ساحات الأزهر وأروقته، ويلقي بالخطب مما عرضه للاعتقال أكثر من مرة، وكان وقتها رئيساً لاتحاد الطلبة سنة 1934، منح الإمام الشعراوي وسام الاستحقاق من الدرجة الأولي لبلوغه سن التقاعد في 15 أبريل 1976، قبل تعيينه وزيراً للأوقاف وشئون الأزهر، كما حصل علي وسام الجمهورية من الطبقة الأولي مرتين الأولي عام 1983، والثانية عام 1988، وكذلك وسام في يوم الدعاة وحصل علي الدكتوراه الفخرية في الآداب من جامعتي المنصورة والمنوفية واختارته رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة عضواً بالهيئة التأسيسية لمؤتمر الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية. ومن الغريب أن نجد الشيخ الكبير -رحمه الله- يتعرض لحملات تشويه من بعض المنتمين لتيارات دينية بكل أسف، فهناك من يتهم الشيخ بأنه كان مفتي الرئاسة!!.. وهذا كلام باطل ولا يمكن وصفه سوي بالتطاول والتجريح فلقد عاش الشيخ الشعراوي حرا ولم يخضع لأي سلطة وهناك عشرات الأدلة علي ذلك خاصة في آخر لقاء جمع بين الشيخ الشعراوي والرئيس المخلوع حين قال له الشيخ الشعراوي كلمة حق دون خوف:"إن كنت قدرنا فنتمني من الله أن يوفقك وإن كنا قدرك فأعانك الله علينا" وكانت تلك المقولة حكمة كبيرة لم تحمل نفاقا ولا رياء بل كانت كلمة حق في وجه سلطان جائر، وعلي كل المسلمين في كل مكان أن يتصدوا بكل عنف وقوة لكل من تسول له نفسه التطاول علي الشيخ الشعراوي -رحمه الله- فلقد كان نعم الرجل الذي تحتاج الأمة الإسلامية إلي عشرات من أمثاله فرحمة الله علي الشيخ الكبير رحمة واسعة وغفر الله لكل من حاول أن يتطاول عليه ولو بكلمة واحدة.