وزير الأوقاف: الخطاب الديني ليس بعيدًا عن قضايا المجتمع .. وخطب الجمعة تناولت التنمر وحقوق العمال    عيار 21 الآن بالمصنعية.. سعر الذهب اليوم وخبراء يكشفون مفاجأة بشأن توقعات الفترة المقبلة    التنمية المحلية: التصالح على مخالفات البناء بمثابة شهادة ميلاد للمبنى المخالف    تحركات جديدة في ملف الإيجار القديم.. هل ينتهي القانون المثير للجدل؟    نائب الرئيس الإيراني يؤكد التواصل مع مرافقي إبراهيم رئيسي    جدل واسع حول التقارير الإعلامية لتقييم اللياقة العقلية ل«بايدن وترامب»    رقم قياسي مصري جديد للزمالك في البطولات الإفريقية    محافظ الوادي الجديد يبحث إنشاء أكاديميات رياضية للموهوبين بحضور لاعبي المنتخب السابقين    الجمعة القادم.. انطلاق الحدث الرياضي Fly over Madinaty للقفز بالمظلات    بيان عاجل بشأن الموجة الحارة وحالة الطقس غدا الإثنين 20 مايو 2024    قصواء الخلالي: نفي إسرائيل علاقتها بحادث الرئيس الإيراني يثير علامات استفهام    «الفنون التشكيلية»: خطة لإحياء «الشمع»    الاتحاد الفلسطيني للكرة: إسرائيل تمارس رياضة بأراضينا ونطالب بمعاقبة أنديتها    تفاصيل المؤتمر الصحفي للإعلان عن تفاصيل الدورة الأولى لمهرجان دراما رمضان    «يحالفه الحظ في 3 أيام».. تأثير الحالة الفكلية على برج الجوزاء هذا الأسبوع (التفاصيل)    متحور كورونا الجديد.. مستشار الرئيس يؤكد: لا مبرر للقلق    «النواب» يوافق على مشاركة القطاع الخاص فى تشغيل المنشآت الصحية العامة    اقرأ غدًا في «البوابة».. المأساة مستمرة.. نزوح 800 ألف فلسطينى من رفح    كيف هنأت مي عمر شقيقة زوجها ريم بعد زفافها ب48 ساعة؟ (صور)    داعية: القرآن أوضح الكثير من المعاملات ومنها في العلاقات الإنسانية وعمار المنازل    دعوة خبراء أجانب للمشاركة في أعمال المؤتمر العام السادس ل«الصحفيين»    هل يستطيع أبو تريكة العودة لمصر بعد قرار النقض؟ عدلي حسين يجيب    مدير بطولة أفريقيا للساق الواحدة: مصر تقدم بطولة قوية ونستهدف تنظيم كأس العالم    ختام ملتقى الأقصر الدولي في دورته السابعة بمشاركة 20 فنانًا    ليفاندوفسكى يقود هجوم برشلونة أمام رايو فاليكانو فى الدوري الإسباني    السائق أوقع بهما.. حبس خادمتين بتهمة سرقة ذهب غادة عبد الرازق    الرعاية الصحية: 5 ملايين مستفيد من التأمين الصحي الشامل بمحافظات المرحلة الأولى    جامعة حلوان تنظم قوافل طبية توعوية بمناطق الإسكان الاجتماعي بمدينة 15 مايو    «نيويورك تايمز»: هجوم روسيا في منطقة خاركوف وضع أوكرانيا في موقف صعب    رسائل المسرح للجمهور في عرض "حواديتنا" لفرقة قصر ثقافة العريش    أبرزهم «اللبن الرائب».. 4 مشروبات لتبريد الجسم في ظل ارتفاع درجات الحرارة    نائب رئيس جامعة الأزهر يتفقد امتحانات الدراسات العليا بقطاع كليات الطب    دار الإفتاء توضح ما يقال من الذكر والدعاء في الحرّ الشديد.. تعرف عليه    هل يجوز الحج أو العمرة بالأمول المودعة بالبنوك؟.. أمينة الفتوى تُجيب    بنك مصر يطرح ودائع جديدة بسعر فائدة يصل إلى 22% | تفاصيل    افتتاح أولى دورات الحاسب الآلي للأطفال بمكتبة مصر العامة بدمنهور.. صور    نهائي الكونفدرالية.. توافد جماهيري على استاد القاهرة لمساندة الزمالك    بايرن ميونيخ يعلن رحيل الثنائي الإفريقي    "أهلًا بالعيد".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 فلكيًا في مصر وموعد وقفة عرفات    مصرع شخص غرقًا في ترعة بالأقصر    رئيس «قضايا الدولة» ومحافظ الإسماعيلية يضعان حجر الأساس لمقر الهيئة الجديد بالمحافظة    منها مزاملة صلاح.. 3 وجهات محتملة ل عمر مرموش بعد الرحيل عن فرانكفورت    «الجوازات» تقدم تسهيلات وخدمات مميزة لكبار السن وذوي الاحتياجات    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    10 نصائح للطلاب تساعدهم على تحصيل العلم واستثمار الوقت    إصابة 4 أشخاص في مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    نائب رئيس "هيئة المجتمعات العمرانية" في زيارة إلى مدينة العلمين الجديدة    وزير العمل: لم يتم إدراج مصر على "القائمة السوداء" لعام 2024    أول صور التقطها القمر الصناعي المصري للعاصمة الإدارية وقناة السويس والأهرامات    «الرعاية الصحية»: طفرة غير مسبوقة في منظومة التأمين الطبي الشامل    ضبط 100 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق فى المنيا    ياسين مرياح: خبرة الترجى تمنحه فرصة خطف لقب أبطال أفريقيا أمام الأهلى    مدينة مصر توقع عقد رعاية أبطال فريق الماسترز لكرة اليد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    سعر السكر اليوم.. الكيلو ب12.60 جنيه في «التموين»    ولي العهد السعودي يبحث مع مستشار الأمن القومي الأمريكي الأوضاع في غزة    عرض تجربة مصر في التطوير.. وزير التعليم يتوجه إلى لندن للمشاركة في المنتدى العالمي للتعليم 2024 -تفاصيل    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طلاب الأزهر أبعد الناس عن الوقوع في براثن الفكر المتشدد
نشر في الموجز يوم 09 - 10 - 2018

قلدت جامعة "أوراسيا الوطنية" أكبر جامعات كازاخستان، اليوم الثلاثاء، الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، درجة الدكتوراه، وذلك في حفل كبير، شارك فيه عمداء وأساتذة وطلاب الجامعة، وحشد من النخب والشخصيات الدينية والفكرية والثقافية في كازاخستان.
وأعرب الدكتور يارلان سيديكون، رئيس جامعة "أوراسيا الوطنية"، عن سعادته وفخره بزيارة الإمام الأكبر، مؤكدا أن الجامعة تعول عليها بشدة في توثيق وتطوير علاقتها مع الأزهر، خاصة في مجال تكوين وإعداد الكوادر الدينية، القادرة على نشر وتعليم الأصول والمبادئ الدينية، في المساجد والمراكز الدينية.
وألقى فضيلة الإمام الأكبر كلمة خلال الحفل، شدد خلالها على أن مناهج الدراسة في الأزهر قامت منذ نشأته على أساس الجمع ما بين علوم النص والعقل والذوق، وعلى منهج الحوار وقبول الرأي والرأي الآخر، واحترام اختلاف المذاهب، وهو ما يجعل طلاب الأزهر أبعد الناس عن الوقوع في براثن الفكر المتشدد.
كما أشاد فضيلته بدور الشعب الكازاخي في بناء ونهضة الحضارة الإسلامية، من خلال أبنائه الأفذاذ من أمثال، الفارابي، فيلسوف الإسلام، وأبو إبراهيم إسحاق الفارابي صاحب "ديوان الأدب"، والعلامة الجوهري صاحب "معجم الصحاح".
وفيما يلي النص الكامل لكلمة فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، خلال الحفل:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ..وبعد.
معالي أ.د/ يارلان باتا شيفيتش سيديكون - رئيس جامعة جوميليوف الأوراسية الوطنية.
السادة الزملاء أعضاء هيئة التدريس.
بناتي وأبنائي الطالبات والطلاب.
السيدات والسادة!
الحفل الكريم!
السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته.
ويسعدني أن أبدأ كلمتي بين أيديكم بتقديم خالص الشكر والامتنان لجامعتكم الموقرة: رئيسا وأساتذة وطالبات وطلابا وموظفين وعاملين على دعوتكم الكريمة لزيارة هذه الجامعة الشابة الفتية، والواعدة بتحقيق الكثير من آمال شعوب هذه المنطقة وحلمها في أن يتبوأ التعليم فيها مكانه اللائق بين جامعات العالم ومؤسساته التعليمية: علما وثقافة وفنا وتقنية، وها هي جامعتكم جامعة أوراسيا الوليدة لم تكمل عامها الميلادي الرابع حتى دخلت عضوا في أكثر من رابطة من رابطات الجامعات الأوروبية والإقليمية، وأكثر من منظمة من المنظمات الدولية وأكاديميات التعليم العالي.
ولا شك في أن هذه القفزات الواثقة الخطا، تعليما، وراءها تعليم متميز جاد، وعقول يقظة ساهرة تفكر آناء الليل، وتنفذ أطراف النهار، وهذا هو «الجهد المشكور» الذي تحتاجه شعوبنا الإسلامية، وتنتظره من شباب علمائها من رواد التعليم الجامعي وما قبل الجامعي. ومن المعلمين ورجال الفكر والأدب والفن والصحافة.. وهو أمر ليس بصعب المنال ولا بعيد المدى حين تتوفر له شروط التغيير التي اختصرها القرآن الكريم في قوله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) [الرعد: 11]، والآية الكريمة قانون عام في كل ما يراد فيه تغيير، بل هي قانون لنجاح أي مجهود يبذل على طريق التنمية والرقي والرفاهية.. ورغم أن هذا القانون نحفظه عن ظهر قلب، ويردده أبناؤنا في مختلف مراحلهم التعليمية، إلا أنه كثيرا ما يعوزنا تطبيقه في حياتنا العملية والنزول به إلى أرض الواقع.
تحية من القلب لهذه الجامعة المتوثبة، وإكبارا منا لصانعي عقولها وباعثي الهمم والعزائم بين جنباتها..
.. .. ..
بناتي وأبنائي الطالبات والطلاب!
لا أقول جديدا إذا رحت أتلو على مسامعكم احتفال «الإسلام» قرآنا وسنة وحضارة بالعقل والعلم، فلربما تحفظونه مثل ما أحفظه، ولكن أود أن أحدثكم عن الإطار العام للحضارة الإسلامية: علما ومعرفة وسلوكا.. وهو إطار يشبه «المثلث» المتساوي الأضلاع.. وهذه الأضلاع هي: الوحي الإلهي المخاطب به العقل الإنساني، والعقل المفكر المنضبط بتعاليم الوحي، ثم الأخلاق التي تميز تمييزا دقيقا بين ما هو حسن وما هو قبيح.
فأما الوحي في هذه المنظومة الثلاثية فهو: النصوص الإلهية القاطعة، وهي نصوص القرآن الكريم. وما ثبت نقله ثبوتا قاطعا من أقوال النبي ﷺ وأفعاله، بحسبانه نبيا يبلغ الناس ما أمره الله بتبليغه من شرائع وتعاليم وتوجيهات.
ويأتي «العقل» ليمثل الشرط الأول في التكليف وفهم الخطاب الإلهي والالتزام بمنطوقه ومفهومه.
وقد عول عليه القرآن الكريم تعويلا كاملا في خطاب الإنسان، وفي محاورة كل من لديه أهلية للفهم والحوار.
وإن نظرة سريعة على صفحات القرآن؛ لتكفي في إدراك «المنزلة العظمى» التي منحها للعقل، ولكل أنشطته المعرفية، سواء منها ما كان منها على سبيل الحدس، أو على سبيل الاستنباط والاستدلال. فقد وردت مادة «عقل»، وما يشتق منها أو يرادفها في الدلالة على الفكر والتأمل، أكثر من 120 مرة في آيات القرآن، وبمفردات متكررة لافتة للانتباه، مثل: يعلمون ويعقلون ويتدبرون ويفكرون وينظرون ويسمعون ويفقهون وغير ذلك، هذا فضلا عن التفرقة الدقيقة التي تطالعنا بين مرتبة «العلم» الذي هو اليقين الذي لا يقبل النقيض، وبين مرتبة الظن والشك والارتياب، وقد نعى الله تعالى على هؤلاء الذين يخلطون بين العلم والظن فقال: (وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا * فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا * ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى) [النجم: 28 – 30].
أما البعد الثالث في هذا الإطار: فهو بعد الأخلاق الذي يرتبط بالسلوك والتصرف والتبعات الفردية والأسرية والمجتمعية..
وحرصا على وقت حضراتكم أكتفي في الحديث عن هذا البعد الثالث ببيان أمرين:
الأمر الأول: أن الحكم الخلقي في الإسلام حكم ثابت، لا يتحرك ولا يتطور ولا يتغير، وهكذا شأن المعايير والموازين، حتى في الأمور المادية والشؤون الحسية، لأن الغش والتدليس والكذب كلها رذائل مرهونة بزيف الموازين وتذبذب المعايير، وسواء كان الموزون شيئا محسوسا، أو معقولا مجردا، ويلزم ذلك أن تكون قواعد الأخلاق حاكمة لحركة الحضارة ومصححة لمسيرة التاريخ، «ومن هنا كان من الصعب تصور أن يأتي على المسلمين زمن يتسلطون فيه على الآخر، أو يبررون قتله أو إخضاعه لإرادة غيره، فالفعل الحسن في ميزان الأخلاق الإسلامية حسن في كل الظروف والأحوال إلى آخر الزمان، والقبيح كذلك قبيح إلى آخر الزمان».
الأمر الثاني: أن الأخلاق هي أساس العبادات في الإسلام، بمعنى: أن العبادة في الإسلام لا تغني عن الأخلاق، مهما بالغ صاحبها في التقيد بقيودها والتشدد في أدائها، والعجيب في هذا الأمر هو أن عبادات المسلم -على اختلاف صورها وأشكالها-تصبح في مهب الريح إذا لم تستند على خلفية من فضائل الأخلاق العملية، قيل للنبي ﷺ: «إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار، وتؤذي جيرانها بلسانها؟ فقال: لا خير فيها، هي في النار، قالوا: وفلانة تصلي المكتوبة، وتتصدق بالأسوار من الطعام، وليس لها شيء غيره، ولا تؤذي أحدا؛ فقال: هي في الجنة»، وكان يقول: «إن المؤمن يألف، ولا خير في من لا يألف ولا يؤلف» ويقول: «إن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة، وشرف المنازل، وإنه لضعيف العبادة، وإنه ليبلغ بسوء خلقه أسفل درك من جهنم وهو عابد».
.. .. ..
الحفل الكريم!
تعلمون حضراتكم أن تاريخ الأزهر الشريف كجامع للعبادة وجامعة للعلوم والمعارف - يعود إلى سنة 972 ميلادية، أي منذ ألف وست وأربعين عاما مضت من عمر الزمان.. وبوسعي أن أؤكد لكم أن مناهجه التعليمية قد بنيت كلها داخل الإطار الذي أشرت إليه.. وهي تدور على دراسة: علوم النص، وعلوم العقل، وعلوم الذوق.
وعلوم النص: هي كل ما نشأ من علوم تدور حول نص القرآن الكريم، ونصوص السنة النبوية.. كالتفسير وعلوم القرآن، والحديث وعلومه، والفقه وأصوله وعلوم السيرة وأصول العقيدة ومسائلها الكبرى.
أما علوم العقل: فهي مثل علم الكلام والفلسفة بمختلف مدراسها وعصورها، وعلم المنطق وأدب البحث والمناظرة، وعلم الجدل والخلاف ، والمنطق الحديث ومناهج البحث.
ويقصد بعلوم الذوق: علوم التصوف الإسلامي بمدارسه وأذواقه المتعددة، وهو نفسه علم الأخلاق والآداب والفضائل..
وهكذا كان المنهج التعليمي في الأزهر ترجمة صادقة أمينة لروح الإسلام ووسطيته وطبيعة تراثه: العقلي، والنقلي.
ومن المهم أن أشير إلى أن العملية التعليمية في علوم التراث، وإن كانت تعتمد على الشرح والتوضيح، إلا أنها تقوم على منهج الحوار وثقافة الرأي والرأي الآخر، واحترام اختلاف المذاهب في كل العلوم بلا استثناء. مما يرسخ في ذهن الطالب الأزهري منذ نعومة أظفاره شرعية الاختلاف، والتعامل مع الآراء المختلفة على قدم المساواة بحسبانها اجتهادات فهم النص.. وليس من حق أي مذهب أو رأي أن يصادر المذاهب الأخرى ويقصيها ما دام له سند من الشرع أو حجته من العقل.. ومن هنا قيل: «اختلافهم رحمة» أي سعة للناس في الدين والدنيا.. وقد نقل الإمام الشاطبي في كتابه الموافقات قول الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز: ما أحب أن أصحاب رسول الله لم يختلفوا، لأنه لو كان لهم قول واحد لكان الناس في ضيق، وإنهم أئمة يقتدى بهم، لو أخذ أحد بقول رجل منهم كان في سعة.
ومن هنا أيضا كان طلاب الأزهر الشريف من أبعد الناس عن الوقوع في براثن الفكر المتشدد، ومن أعصاهم على استقطاب الجماعات المسلحة التي تقتل الناس باسم هذا الدين الحنيف وباسم نبيه الذي بعثه الله رحمة للعالمين جميعا من إنسان وحيوان ونبات وجماد.
الحفل الكريم!
إن زيارتي لهذه البلدة الطيبة التي أفتتحها اليوم بلقائكم العلمي الراقي، تجدد في ذاكرتي روابط علمية ولغوية ارتبط بها عقلي ولساني بأرض كازاخستان وما حولها، مذ كنت طالبا بقسم العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين في الأزهر الشريف في ستينات القرن الماضي، فقد بدأت دراستي في الفلسفة الإسلامية بالكندي فيلسوف العرب، ثم بابنكم، ابن كازاخستان، فيلسوف الإسلام والمعلم الثاني أبي نصر الفارابي، المولود في إقليم فاراب، سنة260ه /874م، وهو ليس فيلسوفا إسلاميا فقط، بل هو فيلسوف عالمي، لاتزال جامعات الشرق والغرب تدرس فلسفته وتراثه في كل أبعاده الميتافيزيقية والسياسية والاجتماعية، واكتشافاته الموسيقية وغيرها.. ولاتزال حياته البسيطة الموغلة في الزهد والتعفف عن المادة مثار دهشة الزهاد وإعجاب العارفين.. وهناك فارابي آخر: ربما كان معاصرا للمعلم الثاني، وهو: أبو إبراهيم إسحاق الفارابي صاحب «ديوان الأدب» الذي تفرد فيه بمسلك خاص لم يسبقه إليه أحد، مما جعل منه أول معجم عربي مرتب بحسب الأبنية.. وقد طبع حديثا في القاهرة في أربعة مجلدات، وهذا العلامة اللغوي هو خال العلامة «الجوهري» إسماعيل بن حماد، أحد علماء فاراب صاحب معجم الصحاح الذي لا يستغني عن الرجوع إليه كاتب أو أديب في اللغة العربية..
هؤلاء الأئمة الأعلام مجرد أنموذج لقافلة من رواد الفكر الإسلامي قد تستعصى على الحصر، نبتت في كازاخستان ونشرت أنوار العلم والفكر في سائر الأقطار الإسلامية، وبسابقتهم الضاربة بجذورها في أقدم الأزمان؛ استحقت «كازاخستان» أن يقال عنها إنها حاضنة أصيلة من حواضن العقل المسلم واللسان العربي.
والأزهر الشريف وهو يفتح أبوابه على مصاريعها لأبناء كازاخستان للدراسة في جنباته، إنما يراعي هذا التاريخ وهذه السابقة ويحرص كل الحرص على تواصلها واستمرارها..
.. .. ..
السادة الأفاضل!
إن جامعتكم الموقرة، وهي تتفضل بتكريمي ومنحي درجة الدكتوراه الفخرية، تكرم في الوقت ذاته الأزهر الشريف: جامعا وجامعة، علماء وأساتذة وطلابا، بل تكرم المسلمين في الشرق والغرب، وتلفت النظر إلى رسالة الأزهر العالمية في نشر مبادئ الإسلام الصحيحة، التي تقوم على السلام والأخوة الإنسانية، واحترام الآخر وقبوله، أيا كانت عقيدته، وكائنا ما كان جنسه أو لونه أو لغته، فالكل خلق الله وعباده، والناس سواسية كأسنان المشط، كما أخبر نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، وكما قال في خطبته الأخيرة في حجة الوداع: إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، كلكم لآدم، وآدم من تراب.
ودين يقوم على هذا المبدأ؛ يستحيل أن يوصف بأنه دين دماء وقتل وتفجير واغتيال، فهذه الجرائم البشعة هي خيانة لله ورسوله، وكذب وافتراء وظلم بين للإسلام والمسلمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.