بمجرد أن تسربت أنباء تفيد بأن قانون بناء دور العبادة الموحد سيتضمن مادة تتعلق بإخضاع أموال الكنيسة للرقابة المالية من قبل الدولة عن طريق الجهاز المركزي للمحاسبات ارتفعت حدة غضب القيادات الكنيسة وبمن فيهم البابا شنودة لدرجة أنهم خرجوا ليعلنوا رفضهم التام لأن تخضع الكنيسة لأي نوع من الرقابة المالية مبررين رفضهم هذا بأن الكنيسة تمول نفسها ذاتياً عن طريق التبرعات وصندوق العشور ولا تحصل علي أي أموال من ميزانية الدولة حتي يتم اخضاعها لرقابة الدولة ليس ذلك فقط بل أكدوا أن الكنيسة تمول نفسها ذاتيا عن طريق صندوق العشور وتبرعات أبناء الكنيسة في الداخل والخارج لتصرف مرتبات الكهنة والقساوسة. رفض البابا شنودة وكبار رجال الأكليروس رقابة الدولة علي أموال الكنيسة جاء من منطلق أن الكنيسة مؤسسة روحية مستقلة بذاتها وليست من مؤسسات الدولة حتي تخضع لرقابة الجهازالمركزي للمحاسبات، بالإضافة إلي ذلك أن الكنيسة تحصل علي ملايين الجنيهات سنويا من رجال الأعمال الأقباط وأقباط المهجر في صورة تبرعات فإذا خضعت أموالها لرقابة الدولة ستخسر الكنيسة كل هذه الأموال. فمنذ أن جلس البابا شنودة علي كرسي البابوية وأصبح الجانب المادي هو الطاغي علي كل الأمور داخل الكنيسة لدرجة أنها أصبحت تعتمد علي عدة جهات في الحصول علي الأموال وهي التمويل الخارجي من أبناء المهجر والذي يمثل الجزء الأكبر من تمويل الكنيسة لوجود الوفرة المالية لديهم أما الاتجاه الآخر وهو رجال الأعمال الأقباط الذين صنعتهم الكنيسة والاتجاه الثاني ويتمثل في التجارة داخل الكنائس. المليارات التي تدخل الكنيسة القبطية لم تتوقف عند هذا الحد فقط فحسب الأرقام المعلنة بلغت تبرعات أقباط المهجر للكنيسة مليار دولار سنوياً الغريب في الأمر أن هذه التبرعات لا تذهب للفقراء ولكن يتم ايداعها في حسابات سرية باسماء كبار الأساقفة علي أن يتم صرفها في تمويل بناء الكنائس وترميمها، بالإضافة إلي تبرعات أقباط المهجر فالكنيسة تمتلك آلاف العقارات والأفدنة ومئات المستشفيات والمدارس التي تدار بأسماء رجال أعمال أقباط في مختلف المحافظات يوزع ربحها علي كبار أعضاء المجمع المقدس والقساوسة بالكنائس وهو الأمر الذي جعل رائحة الفساد المالي داخل الكنيسة تفوح لدرجة أن هناك بعض الأصوات القبطية التي تطالب بضرورة إنشاء مجلس مالي لإدارة ماليات الكنيسة ويكون أفراده علمانيين وعلي أن تكون مهمته حصر جميع أوقاف وممتلكات الكنيسة وتسجيلها بالسجلات المعدة لذلك وكذلك مراقبة الايبراشيات في تسجيل الأوقاف والممتلكات وحفظ المستندات بالإضافة إلي ذلك يقوم المجلس بحصر أموال التبرعات التي تدخل الكنيسة وصرفها في أماكنها الصحيحة وعمل موازنات للايبراشيات ومناقشتها واعتماد الميزانية العامة للكنيسة غير أن البابا شنودة رفض إنشاء مثل هذا علي اعتبار أن أموال الكنيسة وجهات الصرف تخضعان لرقابة المجلس الملي المسئول عن كل ما يتعلق بحصر أموال الكنائس لصرفها في أماكنها الصحيحة غير أن المجلس الملي يعاني حالة من الترهل التام التي تعوقه لأن يقوم بمهامه فمن المفترض ان يقوم الكهنة سنويا بإعداد إقرار ضريبي خاص بهم عن انشطتهم المالية فالكهنة يحصلون علي تبرعات بالآلاف من رجال الأعمال دون أن يكون هناك حسيب أو رقيب. ومن ناحيته يقول القمص صليب متي ساويرس عضو المجلس الملي وكاهن كنيسة السيدة العذراء بشبرا لا يجوز بأي حال من الأحوال ان تخضع الكنائس لرقابة مالية من أحد أجهزة الدولة مشيراً إلي أنها ليست جهة حكومية حتي تتم رقابتها. وأوضح متي ساويرس أن الكنيسة لا تحصل علي أي نوع من الأموال من ميزانيات الدولة حتي تخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات وأنما تعتمد علي تبرعات أعضائها فقط لتمول نفسها ذاتيا عن طريق التبرعات في صندوق العشور الذي يعين عليه أمين من العلمانيين يقوم بصرف هذه التبرعات في أماكنها الصحيحة. ورفض القمص عبدالمسيح بسيط فكرة إخضاع الكنائس لرقابة الدولة لافتا إلي أن الدولة لا تقدم جنيهاً واحداً من ميزانيتها للكنيسة. وأضاف بسيط أن الأمور المالية داخل الكنيسة تخضع برمتها لرقابة المجلس الملي العام للأقباط الأرثوذكس فهو المسئول عن أموال الكنيسة وتحديد جهات صرفها وتابع بسيط قائلاً ولقانون المصري منح حق الوصاية للمجلس الملي بمراقبة أوقاف وأموال الكنائس. وأوضح بسيط أنه توجد داخل جميع الكنائس قواعد محاسبة لضبط مواردها المالية حتي لا يحدث أي نوع من الانحرافات المالية ويتلقي المجمع المقدس سنويا التقارير المالية لجميع الايبراشيات التابعة للكنيسة. بينما يقول جمال أسعد عضو مجلس الشعب سابقاً إنه من المعروف تاريخياً أن الكنيسة في بدايتها الأولي اعتمدت علي تبرعات ابنائها ومنذ أن تولي البابا شنودة البابوية وأخذ الجانب المادي منحني خطيراً ومتناقضا تماما مع كل القيم المسيحية، حيث بدأ حياته بمقولة « ليس البابا الذي يمد يده طالبا حسنة من شعبه» وتابع اسعد قائلاً ومنذ ذلك التاريخ واتخذ الجانب المادي للكنيسة العديد من الاتجاهات والتي منها التمويل الخارجي من أقباط المهجر ورجال الأعمال الأقباط داخل مصر وبيزنس الكهنة الذي يمارسونه داخل الكنائس. وطالب اسعد بضرورة وجود مجلس مالي تكون مهمته إدارة الأمور المالية للكنيسة ومتابعة الاقرارات المالية للكهنة في نهاية كل عام ويقوم بوضع ميزانية الكنيسة لافتا إلي أن الاساقفة يعيشون حياة الرفاهية من أموال شعب الكنيسة دون أن يكون هناك رقيب. وقال منصف سليمان المستشار القانوني للبابا شنودة إن فكرة وضع الكنيسة في مصر تحت أي رقابة مرفوضة من الأساس لأنها ستجعلها في يد غير مسئولة عنها خاصة إذا كانت تخالفها في العقيدة والتفكير السائد حالياً علي الساحة السياسية. وتابع سليمان: الكنيسة الارثوذكسية في مصر أبدت اعتراضها علي تضمين مشروع قانون دور العبادة الموحد بنداً ينص علي اخضاع أموال الكنائس بأي شكل من الأشكال للرقابة المالية من قبل الدولة لاسيما أن الكنائس في مصر تمول بطريقة ذاتية لا تعتمد علي تمويل الجهات الحكومية. بالإضافة إلي أن الكنيسة كيان مستقل بذاته ولا حق للدولة في ذلك الأمر وكيف تسمح الدولة لنفسها بمراقبة التبرعات المسيحية للكنيسة. وأشار سليمان إلي أن الكشف عن ميزانيات الكنائس أمر يحمل كثيراً من الحساسية ولن يعطي الأقباط أي فرصة أبداً للجهاز المركزي للمحاسبات لتمكين رقابته علي أموال وميزانيات الكنائس مؤكداً أن هناك شروطا عديدة في مجالس إدارات الكنائس أولها أن يكون أمين الصندوق من العلمانيين بالإضافة إلي أن جميع الدفاتر مختومة بختم الكنيسة السري وكل ما يتسلمه الكهنة من أموال يخضع للمراجعة. وشدد سليمان علي ضرورة إصدار قانون دور العبادة الموحد بأقصي سرعة حتي لا تنتشر الأقاويل والوشايات حول هذا الموضوع وغيره ويفترض أن ينهي القانون مشاكل تراخيص وبناء الكنائس في مصر حتي يكون الحكم المحلي هو المسئول عن اصدار التصاريح بالبناء والاصلح أو الهدم للكنائس والمساجد مطالباً بعدم اثارة الفتن من جديد خاصة أن إصدار القانون «العبادة الموحد» بهذه الصيغة سيزعج الأقباط ويقلبهم من جديد علي إخوانهم المسلمين مما قد يثير فتنا كثيرة من جديد نحن في غني عنها، زيادة علي ضرورة تدخل المجلس العسكري بشكل حازم لمنع اصدار القانون بهذه الصيغة التي تمكن الجهاز المركزي للمحاسبات من الرقابة علي أموال الكنائس. واتفق معه ممدوح نخلة رئيس مركز الكلمة لحقوق الإنسان موضحاً أنه كما للمساجد أمور خاصة لا يعرفها أحد سوي الأئمة فان للكنائس أيضاً شئونها الخاصة ولا يحق لأي فرد أو مؤسسة التدخل فيها. وقال نخلة إن جموع الشعب القبطي رفضت الرقابة من الجهاز المركزي للمحاسبات علي أموال الكنائس لأنها عبارة عن تبرعات ذاتية تمنح بشكل غير منظم لا يحدده قانون أو مرسوم كنسي ولا يتحكم فيه أي كاهن في ربوع مصر. وأردف قائلاً: البابا شنودة يعرف جيداً كيف تأتي أموال الكنائس وفيما تصرف ولديه ما يؤهله من إحكام رقابته علي الأفعال التي تتخطي حدود القانون في الكنيسة. وأكد المستشار نجيب جبرائيل رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان أن قانون دور العبادة الموحد من أهم القوانين التي يجب أن تصدر فوراً هذه الأيام حتي نقطع الطريق علي المتاجرين بمشاكل الفتنة الطائفية في الداخل والخارج علاوة علي أنه يجب أن يناقش أولاً من قبل المجلس العسكري والحكومة وممثلين من الجانب القبطي والجانب الإسلامي حتي يخرج القانون بصيغة نهائية يتفق عليها الجميع بما يحقق مبدأ العدالة والمساواة بين جميع الأطراف ويخنق منافذ الفتن الطائفية في مصر خاصة في هذه الفترة التي تشتعل فيها الأزمات بسرعة البرق، وأوضح جبرائيل أن الرقابة علي أموال الكنائس أمر معيب لا يجب أن تتم بأي شكل من الأشكال لأنه يخلق فرصا للتناحر بين الطوائف المسيحية المختلفة ومنها الكنائس الانجيلية الأخري التي رحبت بمراقبة الجهاز المركزي للمحاسبات لأموال الكنائس وكذلك أيضاً يؤدي إلي فتح هالة من الصراع من وقت لآخر بين الكنيسة والدولة. وقال جبرائيل إن حسابات الكنائس تتم عن طريق البنوك من خلال لجان تتكون من أكثر من عضو ومعهم الكاهن وتعتمد علي ثلاثة مصادر رئيسية للدخل «مكتب التبرعات، صناديق الكنيسة، دفاتر الآباء الكهنة» والتي يوجد بعضها مع العلمانيين وما يتم جمعه يتم وضعه في صندوق خاص لا يعرف مكانه سوي أمين الصندوق ورئيس اللجنة ولذلك لا فائدة من الرقابة علي أموال الكنائس.