قال تقرير في موقع الدراسات الاستراتيجية والأمنية «ستراتفور» إن في الصراع الأفغاني، يوجد بعض التوافقات الغريبة بين إيران وطالبان. فالأولى تعد المحور الروحي للإسلام الشيعي، في حين أن الأخيرة حركة أصولية سنية معادية للشيعة. ولكن الظروف المتغيرة جعلت الأعداء، شركاء. ومهما كانت خلافاتها الأيديولوجية مع جماعة المتمردين، فإن طهران لديها أسباب وجيهة للحفاظ على شراكتها التكتيكية مع طالبان بجانب الحفاظ على علاقاتها مع الحكومة الأفغانية. ما مدى تشابك العلاقات بين إيرانوأفغانستان؟ باعتبارها قوة إقليمية ثقيلة، لطالما تدخلت إيران في الشؤون الأفغانية. فعلى سبيل المثال، قامت الجمهورية الإسلامية بتجنيد مقاتلين من جماعة الهزارة الشيعية في أفغانستان ومن جحافل اللاجئين الأفغان البالغ عددهم ثلاثة ملايين شخص لملء لواء الفاطميين الذي يقاتل إلى جانب القوات الحكومية في سوريا. كما واصلت طهرانوكابول التعاون الاقتصادي المكثف، وخاصة في ميناء تشابهار على ساحل بحر العرب الإيراني. في مايو 2016، وقع الرئيس الإيراني حسن روحاني اتفاقية مع الرئيس الأفغاني أشرف غاني ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لتطوير الميناء، بقيمة 31 مليار دولار. بالنسبة لإيران، يعد ميناء تشابهار ذات أهمية كبرى لتنشيط منافذ أخرى بالبلاد غير ميناء بندر عباس، الذي يستحوذ حاليًّا 85% من حركة النقل البحري. وبالنسبة لأفغانستان غير الساحلية، يمثل المشروع فرصة لكسر اعتمادها على الموانئ الباكستانية. وفي الوقت نفسه، تريد الهند استخدام تشابهار لتخفيف رحلاتها الاقتصادية خلال آسيا الوسطى عبر تجاوز باكستان المنافسة. افتتح روحاني، الذي يحيط به المسؤولون الأفغان والهنديون، المرحلة الأولى من المشروع – التي عانى من حالة عدم الاستقرار التنموي لسنوات عديدة – في ديسمبر 2017، بعد شهرين من وصول أول شحنة هندية إلى هناك. إيران تدعم عدوًّا لحليفها! ولكن حتى في الوقت الذي يعمل فيه قادة إيران مع نظرائهم في كابول على تشابهار،-يقول التقرير- إن طهران تقدم أيضًا دعمًا سريًا لأقوى عدو للحكومة الأفغانية. السبب الرئيسي وراء دعم إيران لطالبان، صعود تنظيم ولاية خراسان (التابع لتنظيم الدولة الإسلامية) في أفغانستان. وعلى عكس طالبان، التي يتمثل هدفها الرئيسي في استرداد كابول، فإن تنظيم خراسان جزء من حركة جهادية عابرة للحدود تهدد إيران أيضًا. (قامت خلية تابعة للدولة الإسلامية، بتنفيذ هجمات منسقة بطهران وأسفرت عن مقتل 17 شخصًا في يونيو 2017). وقد نشطت الدولة الإسلامية في أفغانستان منذ عام 2015. وكانت تحتفظ بوجودها في 30 من مناطق أفغانستان البالغ عددها 399 منطقة. ولا سيما في إقليم نانجارهار الشرقي، ولم يقم التنظيم بالسيطرة بعد على أي إقليم. وقد اشتبكت حركة طالبان مع القادمين الجدد في الأشهر القليلة الماضية في نانغارهار وشمال ولاية جوزجان بأفغانستان. إضافة إلى ذلك، تقوم حركة طالبان حاليًا بشن هجومين أسبوعيًا في ثلاث مقاطعات بولاية فراه (أفغانستان)، على طول الحدود مع إيران، وفقًا لدراسة حديثة أجرتها هيئة الإذاعة البريطانية. وعلى الرغم من عدم ظهور أدلة مباشرة على دعم إيران للهجمات، إلا أن الهجمات السابقة عبر الحدود في ولاية فراه تشير إلى احتمالية دعم طهران للهجمات الأخيرة هناك. ويذكر التقرير أن في أكتوبر 2016، على سبيل المثال، خاض الجيش الأفغاني حصارًا لطالبان استمر ثلاثة أسابيع في المحافظة، قُتل خلالها أربعة من رجال الكوماندوز الإيرانيين المزعومين الذين كانوا يقاتلون إلى جانب المجموعة. وأفادت تقارير بأن إيران تقدم أيضًا الأسلحة للمتمردين، بما في ذلك بنادق هجومية من طراز AK-47 وقذائف هاون وقنابل صاروخية. وأبدت طالبان، بدورها، اهتمامًا في تطوير علاقات أعمق مع الجمهورية الإسلامية أيضًا. في عام 2016، زار زعيم المجموعة في ذلك الوقت، الملا أختر منصور، إيران بدعوى تنويع مصادر دعم جماعته. وقُتل منصور في غارة أمريكية بدون طيار بعد عبوره إلى إقليم بلوشستان الباكستاني في مايو من ذلك العام. لكن بعد خمسة أشهر، عينت طالبان مبعوثًا لها بإيران مما يدل على ارتباطها المتزايد بطهران. ويقول التقرير إن إيران تدعم حركة طالبان لمواجهة توسع الدولة الإسلامية في شرقها، وسوف تشعر طهران بأن لديها مسوغًا في دعم المتمردين طالما ظل لداعش وجود في أفغانستان. وبعيدا عن مكافحة الإرهاب، فإن إيران تريد أن تبقى على اتصال مع طالبان تحسبا لحصولها في نهاية المطاف على دور في الحكومة الأفغانية. وحتى الولاياتالمتحدة التي تقاتل حركة طالبان منذ أكثر من عقد ونصف، اعترفت بأن اتفاق تقاسم السلطة في أفغانستان من المحتمل أن يشمل طالبان. في هذه الحالة، ستكون إيران في وضع جيد لتوسيع نطاق انتشارها في الدولة الواقعة في جنوب آسيا، بعد أن حافظت على علاقاتها مع كل من طالبان والحكومة المدعومة من الناتو. إيران ليست الدولة الوحيدة التي تتعاون مع طالبان! ويلفت التقرير إلى أن إيران ليست القوة الإقليمية الوحيدة التي تتبع هذه الاستراتيجية. فقد تدخلت دول مثل باكستانوروسيا في الدولة التي مزقتها الحرب لحماية مصالحهما. وبينما تواصل إسلام آباد دعم قادة طالبان، فقد ذكرت تقارير أن موسكو أرسلت شحنات وقود لطالبان عن طريق معبر حيرتان الأوزبكي من أجل إعادة بيعها. (دعم روسيا المزعوم لطالبان انعكاس واضح للسياسة، حيث إن حركة طالبان هي من نسل المجاهدين الذين حاربوا السوفييت في غزوهم عام 1979). رغم عدم وجود مودة بين إيران وطالبان، ظروف اليوم تلزم طهران بالتصرف بطريقة عملية لدرء داعش. علاوة على ذلك، فإن نشاط الجماعة الجهادية في البلاد يوفر لإيران ذريعة مفيدة للحفاظ على وجودها في أفغانستان غير المستقرة منذ فترة طويلة. وبينما تستخدم إيران والقوى الأجنبية الأخرى حركة طالبان لتحقيق غاياتها الخاصة، ستواصل الجماعة تمردها العنيف، مما يصعب على الولاياتالمتحدة الانسحاب من أفغانستان حتى بعد أكثر من 16 عامًا من الحرب.