يتخذ تمويل الأفراد أو الخلايا الإرهابية ذات الصلة ب"داعش" بأوروبا طابعًا خاصًا، حيث غالبًا ما يتم توفير الأموال عبر المصادر الذاتية و كشفت دراسة للمركز الاقليمى للدراسات عن أن هذه الأموال محدودة في العادة ولكنها كافية في الوقت ذاته لتنفيذ عمليات إرهابية، وفيما يلي أبرز ملامح خريطة التمويل بالقارة الأوروبية: 1- صغر التمويل: لا يتطلب تنفيذ العمليات الإرهابية بأوروبا تمويلا كبيرًا، وهذا ربما يخفف من قيود التمويل التي تقف عائقًا في العادة أمام منفذي الهجمات الإرهابية. وفي هذا الصدد، تكشف تقديرات لمؤسسة دفاع الأبحاث النرويجية في دراسة نشرت عام 2015، أن 76% من أصل 40 هجمة إرهابية تعرضت لها أوروبا خلال الفترة (1994 -2013) لم تتخط تكلفة تنفيذها حدود 10 آلاف دولار. وبالمثل، أشار تقرير جديد لجهاز المعلومات المالية البلجيكية (CTIF) إلى أن تكلفة تنفيذ هجوم إرهابي من قبل خلية إرهابية بأوروبا تقل عادة عن مبلغ 10 آلاف دولار. وتوضح بيانات مجموعة العمل المالي الدولية أن تمويل الهجومين المسلحين الذين تعرضت لهما جريدة شارل إيبدو ومتجر كوشير بفرنسا بلغ نحو 6.5 آلاف دولار حازهما منفذا العمليتين، بجانب حصيلة بيع سيارات مستعملة وسلع أخرى. 2- تعدد المصادر: تتنوع مصادر تمويل الخلايا الإرهابية في أوروبا ما بين المدخرات الشخصية والتبرعات الخارجية وعوائد الجرائم وأرباح المشروعات التجارية، وفي هذا السياق تكشف تقديرات مؤسسة الأبحاث الدفاعية النرويجية في الدراسة المذكورة سابقًا أن غالبية الخلايا الإرهابية الأربعين تعتمد على نحو 15 مصدر تمويلي داخلي وخارجي. وتمثل الأصول الشخصية المصدر الأكثر انتشارًا، وقد اعتمدت 58% من الخلايا، على الأقل جزئيًا، على الرواتب ومدفوعات الأعضاء، فيما يتمثل ثاني أكثر المصادر انتشارًا في السرقة، ثم تأتي التجارة غير المشروعة لمختلف البضائع مثل المخدرات والسيارات بنسبة (28%)، يليها بيع وثائق مزورة وأسلحة (28%)، بينما تلقت 25% من الخلايا الدعم من شبكة إرهابية دولية كتنظيم "القاعدة". وفي هذا الإطار، تطرح التفجيرات التي تعرضت لها أوروبا في الآونة الأخيرة دلالات عديدة ترتبط بالنتائج السابقة. إذ أن خالد وإبراهيم البكراوي، المدانين الرئيسيين في تفجيرات بروكسل، في مارس 2016، تورطا في قضايا سرقة سابقة لدى السلطات البلجيكية. كما يشار أيضًا إلى أن منفذي تفجيرات باريس، في نوفمبر 2015، اعتمدوا على حركة الأموال من النظام المصرفي الفرنسي، وفي هذا الصدد صرح وزير المالية الفرنسى ميشيل سابين، في نهاية ديسمبر 2015، بأن الاعتداءات الإرهابية التى تعرضت لها باريس مولت عبر بطاقات مسبقة الدفع. 3- إجراءات معقدة: يمكن القول إن أسلوب عمل الخلايا الإرهابية المنفذة للعمليات الإرهابية الكبيرة يعتمد على الجماعية والتضامنية بشكل كبير. ومن ثم فمن المتوقع أن تلجأ للحصول على الأموال من الأفراد التابعين لها عبر شبكات وأساليب مالية مضللة للأجهزة الرقابية سواء داخل أو خارج البلاد. وفي هذا الصدد، كشف النائب العام الفرنسي فرانسوا مولين أن منفذ عملية نيس الإرهابية، وهو محمد لحويج بوهلال، تلقى مساعدات لوجستية من خمسة أشخاص آخرين، وقد جرى التخطيط للعملية على مدى شهور. صعوبة التتبع على ضوء ارتفاع وتيرة الهجمات الإرهابية، تبذل الدول والمؤسسات الأوروبية جهودًا حثيثة من أجل مكافحة تمويل الإرهاب. فخلال فبراير 2016، استحدثت المفوضية الأوروبية خطة عمل لمكافحة تمويل الإرهاب، تقوم على محورين: أولهما، يتصل برقابة عمليات تحويل الأموال للحيلولة دون وصولها إلى الإرهابيين. وثانيهما، يهدف إلى تجفيف منابع التمويل. ومن دون شك، فإن هذه الجهود يمكن أن تساهم في تجفيف مصادر تمويل الإرهاب ولو جزئيًا. ولكن من جهة أخرى يبدو من الصعوبة أمام مؤسسات الاتحاد الأوروبي تتبع مصادر تمويل تنظيم "داعش" بأوروبا نظراً لطبيعة الهجمات الفردية في بعض الأحيان، والتي يبقى منفذوها مجهولين للسلطات الأمنية، وكما أعلن من قبل السلطات الفرنسية في الأيام الماضية فإن منفذ عملية نيس لم يكن معروفًا لدى الأجهزة الأمنية الفرنسية. إلى جانب ذلك، فإن نمط التمويل الذي يتسم بالصغر أو المرونة غالبًا ما لا يثير تحفظات الأجهزة المصرفية أو سلطات الرقابة المالية. وفي النهاية، يمكن القول إن الجهود التي بذلتها المؤسسات الأوروبية خلال الفترة الماضية تعد ضرورية في تجفيف مصادر تمويل التنظيمات الإرهابية ومن بينها "داعش"، ولكنها ربما لن تحول كليًا دون وقوع المزيد من الهجمات، نظرًا لطبيعة الهجمات ذاتها أو لاستمرار وانسيابية مصادر التمويل، وهو ما يصعب من مهمة الأجهزة الرقابية الأوروبية في تتبعها.