أصبح الشارع بيتهم، وممارسة الدعارة مع الغرباء عادة بالنسبة لهم، أنهم " بنات الشوارع" القنبلة الموقوتة التى أوشكت على الإنفجار في وجه المجتمع في أي وقت، فهن ضحايا الجوع، والتشرد، والفقر، يتعرضن للإغتصاب، والقهر، والإنتهاك دون ذنب، ويبعن أنفسهن للهوى مقابل المال، أغتصبت طفولتهم، وأصبحن أمهات بالإكراه، ونتج عن ذلك أطفال شوارع آخرون بلا هوية، ولا نسب، ويدفعون الثمن دون سبب، هذا ما روته لنا "مروة" فتاة فى عمر الزهور، تجلس وسط الزحام، بميدان رمسيس، عليها ثياب رثة، غير ملائمة للصيف، أو الشتاء، وحافية القدمين، وشعرها مُتسخ، ملامحها تنطق ألمًا، فنظرة البؤس التي ارتسمت في مقلتيها سيطرت بلا إرادة على كل من نظر إليها، لا تدرى كم يبلغ عمرها، ولا اسم ابيها، أو أمها، فهى ليس لها شهادة ميلاد، ولكنها تمنح نفسها اسم ثلاثى عشوائى، حتى لا يعايرها أحد بأنها "لقيطة". سردت "مروة" قصة حياتها البائسة ل "الموجز" والتى لم يتخيلها، ولا يتحملها بشر، فقصتها أغرب من الخيال، قائله:" أسود أيام حياتي هي اللى عشتها في الشارع بين الجوع، والذل، والبهدلة، وأنا مخترتش الشارع بإرادتى، اعمل ايه غصب عنى، أنا أول ما فتحت عينى على الدنيا، لقيت نفسى مرمية على الرصيف فى الشارع، ومعرفش أبويا، ولا أمى، حتى اسمى معرفوش، ومعنديش شهادة ميلاد، وأوقات كتير لما حد بيسألنى على اسمى بالكامل بخترع اسم لأبويا عشان محدش يقول على "لقيطة"، أنا حتى معرفش المكان اللى اتولدت فيه، وعشت عمرى كله فى كل محافظة شوية، وبقضى فى كل مكان شهرين أو تلاتة، وهى أيام بتتقضى، أنا حتى معرفش عندى كام سنة، بس أنا عندى يجى 16أو 17 سنة" وأضافت مروة :" أنا مدخلتش المدرسة خالص، بس اشتغلت حاجات كتير، وكنت ببيع ورد، ومناديل فى إشارات المرور، واضربت، واتهنت، واتمرمطت كتير، ومشيت فى الشوارع، لحد ما رجلى جابتنى، لجنينة ميدان رمسيس، ومحطة مصر، وبأكل من الفلوس اللى أهل الخير بيعطفوا بها على، وبدخل حمام محطة القطر، وطول ما أنا ماشيه فى الشوارع اتعرفت علي بنات كتير، وحكاوى كتير.." وتابعت:" العيشة فى الشارع حرية، وكل واحد بيعمل اللى عايزة، من شرب سجاير، أو حشيش، أو حتى برشام "صراصير" علشان ننسى الهم اللى احنا فيه، ده غير أن البنات بتبيع نفسها برضاها، أو غصب عنها، لزملائهم الأولاد، مقابل الأكل، والمخدرات، وتوفير الحماية، عشان يدافعوا عنهم لو حد حاول يتعرض لهم، ولكن أصعب حاجة حكاية "الحفلة" اللي بيعملوها الشباب الكبار مع أي بنت جديدة علشان يكسروا نفسها، وبياخدوا البنت في أي مكان مهجور، زى مقالب الزبالة، أو تحت الكباري، واللى تعترض تتعرض للتشوية، ويبقوا أربعة، أو خمسة ولاد، ويغتصبوها اغتصاب جماعى، ولأن البنات بتكون صغيرة، وجسمهم ضعيف، فبيدوهم مخدرات عشان يقدروا يستحملوا، حتى لو مكانش جسمهم ضعيف.. مفيش واحدة تستحمل اللى بيحصلها، ومش بيسبوها غير لما يستنزفوها خالص، وفى بنات كتير اتعرضوا لكده، وأى بنت تروح "الحفلة" لازم تيجي وهي حامل، ده غير حالتها النفسية، والتعب اللى بتكون فيه، والمشكلة الكبيرة أن البنات اللى بتحمل مش بتعرف الطفل ده ابن مين، علشان الاغتصاب الجماعى اللى بتتعرض له، علشان كده الأطفال اللى بتتولد مش بيكون لهم شهادات ميلاد." واستطردت:" البنات الحوامل لما بيولدوا، أو حتى قبل ما يولدوا، بيتعرض عليهم عروض كتيرة لبيع ولادهم، سواء عصابات بتكون عايزة الأطفال الصغيرين علشان تشحت بهم، أوالناس العاديين في الشارع، أو السماسرة، أوالبوابين، علشان عارفين أن الأطفال ملهمش شهادات ميلاد، ده غير أن أمهات الأطفال بيخافوا على ولادهم أنهم يعيشوا نفس ظروفهم القاسية في الشارع، وعارفين كمان أنهم مش هيعرفوا يصرفوا عليهم، ويربوهم، وأوقات فى ناس بتهددهم بالسلاح، وبتخطف الأطفال المولودين منهم علشان يتاجروا فى أعضائهم". وأضافت، وأصابعها ترتجف: "من كام يوم، كان فى واحد عايز ياخدنى بالعافية معاه، ولما رفضت قطع وشي، وايدي بالموس، بس أنا كده احسن من غيرى، ده فى ناس منهم لله، لما البنت بترفض تروح معاهم بيرموا على وشها مية نارعلشان تتشوه، وبيقطعوا جسمها بالمطاوى". وعند سؤالها هل ألقت قوات الشرطة القبض عليها قبل ذلك، أجابت مروة قائله:" كتير، وكان العساكر فى القسم، بيعملونا بطريقة وحشة أوى، ويمسكوا رأس الواد، أو البت ويخبطوها في الحيطة، ده غير أنهم بيكونوا هما كمان طمعانين فينا، احنا بيتبص لنا على إننا بنات شوارع، ومتعودين على كده، أو إننا بنعمل ده بمزاجنا مش بنتخطف، ونتهدد بالسلاح، عشان كده عيشة الشارع بغلبها أرحم، على الأقل الشارع حرية". وعن امنياتها فى الحياة، قالت مروة، ونظرات الحزن بادية فى عينيها: "مفيش حاجة من اللى هتمناها هتتحقق، حتى لو اتحققت، أنا خلاص ضعت، ومينفعش انسى اللى حصلى فى عمرى، وكل اللى بتمناه من الدنيا أن حياتي تنتهى علشان ارتاح من العذاب اللى شفته."