عندما تولى الرئيس الأميركي باراك أوباما مهام منصبه في يناير 2009 أعلن على الفور إلغاء برنامج الاعتقال والاستجواب الذي كانت تنتهجه وكالة الاستخبارات المركزية (سي.أي.ايه) في عهد سلفه جورج بوش (الابن) الذي قال كثيرون إنه كان يعتمد على أساليب للاستجواب تشمل محاكاة الغرق وغيرها من السبل القاسية الأخرى التي ترقى إلى درجة التعذيب. وبعد خمس سنوات، لا يزال شبح البرنامج يطارد واشنطن الرسمية، حيث أثار مسودة تقرير سري يتناول الفصل المظلم في تاريخ وكالة الاستخبارات المركزية صراعا بين أفرع الحكومة الأميركية مع احتمال وجود تداعيات جنائية ودستورية. ففي أوائل عام 2009، تلقت ديان فاينشتاين رئيسة لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، تقريرا من موظفي اللجنة عما أطلق عليه برقيات "سي آي آيه" حول سبل الاستجواب "المعززة". ووافقت وكالة الاستخبارات المركزية على مراجعة مجلس الشيوخ في أعقاب غضب شعبي أعقب الكشف عن أن الوكالة دمرت شرائط فيديو الاستجواب في عام 2007. ووصفت فاينشتاين تقرير موظفي اللجنة بأنه "مروع". وقالت فاينشتاين الثلاثاء الماضي إن "الاستجوابات وظروف الحبس في مواقع الاحتجاز التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية تختلف كثيرا جدا كما أنها أكثر قسوة من الطريقة التي وصفتها لنا الاستخبارات المركزية". ودفع ذلك اللجنة إلى إجراء تحقيق أكبر بكثير أدى إلى شد وجذب علني دائر الآن حول الوثائق التي استخدمتها اللجنة لتتوصل إلى استنتاجاتها. واتهمت فاينشتاين، وهي عادة مؤيدة قوية لوكالة الاستخبارات المركزية، الوكالة بتقويض المسؤوليات الرقابية لمجلس الشيوخ عبر إزالة وثائق من أجهزة الكمبيوتر التي تستخدمها اللجنة في إعداد تقريرها. وقالت فاينشتاين إن لديها "مخاوف خطيرة" بشأن تصرفات وكالة الاستخبارات المركزية، التي ربما تكون "قوضت الإطار الدستوري" الذي يضمن رقابة الكونجرس على أنشطة الاستخبارات. ونفى مدير وكالة الاستخبارات المركزية جون برينان اتهامات فاينشتاين، قائلا إن الوكالة "تحترم بشكل كبير الفصل بين السلطات" بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. وقال برينان "اسمحوا لي أن أؤكد لكم أن وكالة الاستخبارات المركزية، لم تكن بأي حال من الأحوال، تتجسس على "اللجنة" أو مجلس الشيوخ".ويكمن جوهر الخلاف في ما إذا كان تقرير مجلس الشيوخ اعتمد على وثائق لوكالة الاستخبارات المركزية لم يكن من المفترض أن تطلع عليها اللجنة. وأشارت فاينشتاين إلى وثيقة أطلقت عليها اسم "مراجعة بانيتا"، وهو تحقيق داخلي أجرته وكالة الاستخبارات المركزية بشأن برنامج الاستجواب في عهد بوش، وسمي نسبة لمدير الوكالة السابق ليون بانيتا. ومن أجل إجراء تحقيقهم، استخدم مساعدو مجلس الشيوخ شبكة كمبيوتر مستقلة وفرتها وكالة الاستخبارات المركزية في موقع آمن بولاية فرجينيا. ووفقا لفاينشتاين، عثر المساعدون على وثائق بانيتا باستخدام أداة بحث وفرتها وكالة الاستخبارات المركزية لفحص أكثر من 6 مليون صفحة من الوثائق المتاحة. وقالت فاينشتاين إن المراجعة الداخلية التي أجرتها وكالة الاستخبارات المركزية كانت تحوي انتقادات شديدة لوسائل الاستجواب ومدى فعاليتها وتعد فريدة فى "تحليلها والاعتراف بارتكاب مخالفات جسيمة من قبل وكالة الاستخبارات المركزية". وأوضحت "ليس لدينا وسيلة لتحديد من الذي أتاح وثائق مراجعة بانيتا الداخلية للجنة". وأضافت "نحن لا نعرف ما إذا كان تم تقديم الوثائق عمدا أو عن غير قصد من قبل وكالة الاستخبارات المركزية، أو عمدا من قبل مسرب معلومات". وقالت إن المساعدين "لم يخترقوا أجهزة كمبيوتر الوكالة" للوصول إلى وثائق بانيتا، رافضة احتمال إجراء تحقيق جنائي في هذا الشأن من قبل وزارة العدل. وأكدت فاينشتاين أن وثائق بانيتا اختفت في وقت لاحق من على أجهزة الكمبيوتر الخاصة باللجنة. ولم تستخدم اللجنة وثائق بانيتا الداخلية في مسودة تقريرها المكون من 6300 صفحة، والذي أصدرته اللجنة إلي السلطة التنفيذية، بما في ذلك وكالة الاستخبارات المركزية، عام 2012، لكن قيل إن هناك أوجه تشابه "كبيرة" مع "القضايا المقلقة" التي كشف عنها محققو اللجنة. ولاتزال مسودة تقرير اللجنة سرية فيما تتصارع كل من وكالة الاستخبارات المركزية ولجنة فاينشتاين بشأن كيفية وصول معلومات مراجعة بانيتا لحوزة لجنة مجلس الشيوخ . واتخذت وكالة الاستخبارات المركزية خطوة غير عادية بإحالة القضية إلى وزارة العدل لاحتمال إجراء تحقيق جنائي. كما أبلغ برينان فاينشتاين أن وكالة الاستخبارات المركزية أجرت عمليات بحث على الشبكة الآمنة التي وفرتها للجنة التحقيق، بغرض اكتشاف مصدر وثائق بانيتا، على ما يبدو. وقالت فاينشتاين إنها علمت أن القائم بأعمال المستشار القانوني لوكالة المخابرات المركزية - الذي كان عاملا ضمن برنامج الاستجواب ووقع على تدمير أشرطة الاستجواب المصورة - "رفع تقريرا لوزارة العدل عن قيام موظفي اللجنة بارتكاب أفعال تصل لحد الجرائم". واعتبرت فاينشتاين ذلك محاولة لترويع مساعدي مجلس الشيوخ الذين أجروا البحث. وقال إن هؤلاء الموظفين "كرسوا سنوات من حياتهم لذلك، بالخوض في التفاصيل الرهيبة لبرنامج وكالة الاستخبارات المركزية الذي لم يكن ينبغي أن يكون موجودا في الأصل". ويدفع البيت الأبيض نحو رفع السرية عن تقرير مجلس الشيوخ - بشرط موافقة وكالة الاستخبارات المركزية.وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني "هذا هو كل شيء عن أساليب الاستجواب المعزز التي اختلف معها الرئيس بشدة". وأضاف كارني "الآن حان الوقت لرؤية نتائج هذا التقرير ورفع السرية عنه حتى يدرك الرأي العام القصة الكاملة ويصبح قادرا على إغلاق هذا الفصل