أكد الباحث أحمد بان رئيس وحدة الحركات السياسية بمركز النيل للدراسات، أن الدولة بنظامها الحالى تتحمل مسئولية ما يدور فى المجتمع والشوراع موضحا أن مؤسسة الرئاسة والحكومة الحالية فشلتا فى وضع أية حلول لمواجهة الأزمة السياسية الراهنة. وأضاف "بان" فى حواره مع "الموجز" أنه رغم فشل التنظيم الإخوانى فى حكم البلاد وإدارة الدولة طيلة سنة كاملة، إلا أن ذلك لا يعنى بالضرورة أنه سيفشل فى العودة مجدداً لتصدر المشهد السياسى، موضحاً أن الجماعة لها خبرة واسعة فى العمل كفصيل معارض، بجانب امتلاكها لقواعد شعبية متجذرة، قد تسمح لها بالحصول على نسب عالية فى الانتخابات المقبلة، وتفجر مفاجأة كبرى للنظام الحالى، وتحقق رقماً صعباُ فى المعادلة السياسية، قد لا يتخيله أحد إذا استمرت الدولة تتعامل معها بهذا الاستخفاف. * فى البداية.. ما هو تعليقك على ما يدور الآن من صراع بين النظام الحالى وجماعة الإخوان المسلمين؟ ما يجرى الآن بين الإخوان والدولة بنظامها الحالى، هو تداعيات لما حدث فى 30 يونيو من ثورة شعبية انحاز لها الجيش المصري لفرض إرادتها، والتصدى لحكم الإخوان المسلمين الذى أهدر وحدة مصر الترابية، وتحرك الجيش ضد الإخوان فى يونيو لا يختلف كثيراً عن موقفه من ثورة 25 يناير، فدائما يكون الجيش عامل حسم فى كل المعادلات السياسية المصرية طوال الوقت منذ ثورة يوليو 1952 حتى الآن. وفى المقابل، تصور "الإخوان" أنه بمجرد حصولهم على أغلبية فى الإنتخابات البرلمانية والرئاسية، فهذا يعنى تفويضا مفتوحا للجماعة بأن تمضى بالدولة كيفما تشاء، والحقيقة هذا إدراك ينطوى على قدر كبير من السذاجة، وعدم الوعى بطبيعة الدولة ومؤسساتها، وفى ذات الوقت كانت جماعة قادمة لأول مرة فى الحكم، وكان ينبغى عليها أن تكسب ثقة المؤسسات وطمأنتها على مصالحها، وهذا ما لم يحدث من الإخوان. وبجانب ما سبق، كان من الطبيعى أن يمتعض الشعب من تصرفات الجماعة التى تتعارض مصالحها الخاصة مع كل مؤسسات الدولة، فكان من الطبيعى أن يلتحم الشعب مع الجيش والشرطة وباقى المؤسسات، بالطريقة التى رأيناها لإبعاد هذا الفصيل الذى تعامل بطائفية مع الدولة التى يحكمها. وحظيت خارطة الطريق التى أعلنها الفريق أول عبدالفتاح السيسى بقبول واسع، لكن بقى أمامنا الآن جماعة ترى أنها خرجت من الحكم كرهاً وغصباً، وتتصور أيضاً أن لها مشروعية قانونية وأخلاقية تتيح لها أن تتظاهر ويتصاعد غضبها إلى أى شكل من أشكال الاعتراض. أما الخطأ الأكبر الذى وقعت فيه "الإخوان" فهو تحالفها مع الجماعات التكفيرية، بشكل فيه قدر كبير من التماهى ليجعل الفصل بينهما أمراً صعباً، لتبدوا لنا فى النهاية أنها هى من تحركهم وأنهم يتحركون من أجلها، ومن ثم كان من السهل على أجهزة الدولة والرأى العام اتهام الجماعة بالوقوف وراء ما يحدث من عنف وعمليات مسلحة. * وما هى مسئولية الدولة تجاه المشهد الراهن؟ حتى الآن لا نعلم ما يحدث.. وما إذا كان الصراع الدائر الآن بين الدولة المدنية والدولة العسكرية، أم هو صراع مصالح ، أم سعى للقضاء على حركات اجتماعية صاحبة تأثير وقوى وفعال فى الشارع؟.. ولكن الثابت حتى الآن هو أن الدولة المصرية لها طبيعتها الخاصة، التى قامت على أكتاف شخصيات عسكرية بداية من محمد على وجمال عبدالناصر، ولم نعرف تجارب حقيقية قام بها أشخاص من خارج المؤسسة العسكرية، وبالتالى فان فكرة رفض حكم العسكر يتعارض مع تراث الدولة المصرية وواقعها لكننا فى النهاية لا يجب أن نتجاوز منظومة عالمية تعارفت عليها كل الأمم وأصبحت قواعد متعارف وهى الديمقراطية وكذلك فكرة الفصل بين السلطات وسيادة القانون والدستور، وكلنا نتطلع إلى أن تكون مصر ذات هوية طبيعية مدنية تحظى فيها المؤسسة العسكرية بالتقدير ولا تمارس دور الوصاية على الدولة وقراراتها.. ولكن من الواضح أن موازين القوى الآن فى مصر لا تسير فى هذا الاتجاه. * وكيف ترى خطة الإخوان فى الفترة المقبلة على المسرح السياسي؟ رغم خروج الإخوان من الحكم إلا أنهم لازالوا مصرين على استكمال المسار الثورى من جديد، لأنه المسار الوحيد القادر على تعويمهم ودفعهم لقمة المشهد السياسى من جديد، خاصة أنهم يحتفظون حتى الآن بالماكينة التنظيمية والإدارية التى قد تمكنهم بالاستحواذ على أغلبية فى الانتخابات البرلمانية لن تقل كثيراً عما حصلت عليه فى الانتخابات السابقة، كما أنهم قادرون على التحالف مع بعض القوى السياسية الأخرى، وهم الآن يعتمدون على هذا المسار الذى بدأوا به فى ميدان رابعة العدوية وميدان النهضة بالجيزة، على أمل إشعال ثورة جديدة تعيدهم للحياة السياسية، وسيستمرون فى التظاهرات الحالية حتى يوم 25 يناير المقبل عسى أن ينجحوا، مستغلين الفشل الحكومى الراهن فى إرضاء رغبات المواطنين بحيث يلتحم هذا الغضب الشعبى مع طليعة ثورية بقيادتهم. * وما مدى قدرة الجماعة على تنفيذ هذا الخطة وفقاً لهذا المسار الثورى الذى تنتهجه الآن؟ هذه الجماعة عبارة عن كتلة نشطة ومتحركة ولها قواعد شعبية، وفى المقابل نجد أن الجهة الأخرى المتمثلة فى النظام الحالى تعانى من فشل فى مخاطبة عقول وقلوب المصريين، وهذا الفشل يصب فى صالح الجماعة وليس فى صالح الدولة. * هناك من ينتقد التعامل الأمنى الذى تنتهجه الدولة مع الإخوان.. هل هناك حلول أخرى يجب التعامل بها لحل الأزمة الراهنة؟ تجربة الدولة المصرية فى التعامل مع "الإخوان" باعتبارها حركة اجتماعية تنتشر فى الواقع المصرى، وأصبحت تعبر عن طموحات ومطالب قطاع كبير فى الشارع المصرى نجح فى صعودهم الى سدة الحكم العام الماضى، أكدت أنه من الصعب أن تتكالب الآلة الأمنية وحدها ضد هذه الجماعة، بل العكس قد أضافت تعاطفاً معها، ولذا كانت تجربة جمال عبدالناصر التى امتلكت مشروعات قومية وتدابير سياسية مع فرض الحل الأمنى، قد اكتسبت ثقة الشعب بما فيه بعض الإخوان وهذا ما نفتقده حالياً. * وماذا عن التنظيم الدولى للإخوان فى ظل ما يتردد عن أنه يقود ويخطط لكل ما تقوم به الجماعة الآن فى مصر؟ التنظيم الدولى يقوى ويضعف نتيجة الحالة الإخوانية فى مصر، وفى الفترة الأخيرة تعرضت القيادات الأولى للجماعة للاعتقال، وبالتالى أصبح على التنظيم الدولى عبء أكبر فى إنقاذ المشروع الإخوانى، ومن ثم قام بدور كبير جداً فى دعم الجماعة فى مصر من خلال الآلة الإعلامية فى الخارج، والآلة التمويلية، بمعنى انه نجح فى حملة علاقات عامة بكسب تأييد قطاعات كبيرة فى الرأى العام العالمى، واستطاع أن يصور للعالم الخارجى أن ما حدث فى مصر على أنه انقلاب على شرعية وحاكم منتخب وأن الشعب المصرى منقسم الآن بين 50% يؤيدون الرئيس المعزول محمد مرسى، و50% يدعمون الفريق أول عبد الفتاح السيسى، وأنه لابد من حل سياسى لهذه المسألة، وقد نجح التنظيم الدولى فى دعم هذه الصورة أمام الرأى العام العالمى من خلال شبكة علاقات قوية فى الميديا العالمية من خلال شركات علاقات عامة، ومن خلال أعضاء الجماعة النشطاء فى 88 دولة، بالإضافة الى وجود علاقات بين قيادات التنظيم الدولى بصانعى القرار فى الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوربا.. وهذا التنظيم ليس وهمياً كما يشاع، وإنما هو تنظيم حقيقى وموجود ويمثله قيادات "الإخوان" فى 88 دولة. * وماذا عن صحة ما تردد بشأن تولى راشد الغنوشى زعيم الإخوان فى تونس رئاسة التنظيم الدولى؟ هذا غير صحيح، فهذا الرجل لا يملك الآن ما يجعله قادراً على ذلك، حيث تحيط به المشاكل والأزمات من كل اتجاه داخل تونس. * ومن هو رئيس التنظيم الآن إذن؟ المرشد العام للجماعة الدكتور محمد بديع. * كيف يترأس "بديع" التنظيم الدولى وهو محبوس على ذمة عدد من القضايا ولا يستطيع التواصل مع أحد؟ ليس من الضرورى أن يتحرك التنظيم بناء على قرارات من رئيسه، لأن هذا التنظيم يعمل تحت لواء عدد من اللجان تعرف كل منها مهامها ووظائفها، فمثلا اللجنة الاعلامية تعمل على التواصل مع الميديا العالمية، واللجنة المالية تبحث سبل التمويل والدعم المادى، واللجنة السياسية تعمل على وضع الخطط والتدابير، وهكذا تسير الأمور داخله. * ومذا عن التنظيم داخل مصر.. كيف يعمل على تحريك قواعده وتنفيذ ما يصبو إليه؟ جماعة الإخوان عبارة عن تنظيم هرمى، عندما تضرب رأسه يصبح بقية الجسد يعمل أوتوماتيكياً، كما أن للإخوان ما يعرف بمجلس الشورى العام الذى يضم اثنين أو ثلاثة من قيادات كل محافظة، وهم الآن يمثلون القيادة البديلة للصف الأول. * وأين عمرو دراج ومحمد على بشر من قيادة التنظيم الآن؟ هذان يتم تصديرهما للرأى العام كقيادات معتدلة، يعملان على امتصاص الضغوط التى تتعرض لها الجماعة، مع إتاحة مسارات جديدة للتفاوض. * ما مدى صحة وجود مفاوضات بين النظام والإخوان حول إيجاد صيغة مصالحة؟ ما يجرى الآن حديث عن مفاوضات، وليس مفاوضات، ويوجد فرق بين الحديث عن مفاوضات وبين المفاوضات نفسها، وما يحدث هو انعقاد لقاءات بين وسطاء بين الطرفين، لكن لم يتم التواصل بشكل مباشر بينهما حتى الآن.. والمؤكد، أن الجماعة باعتبارها الطرف الأضعف تسعى لعقد مفاوضات للإيحاء بأنها لا تزال موجودة وقادرة، بينما الطرف الآخر المتمثل فى الدولة لم يلتقى حتى الأن بأى من قيادات الإخوان للتفاوض. * هل ترى أن هناك اتجاها لإقصاء التنظيم الإخوانى من الحياة السياسية نهائياً؟ لا أعتقد أن هذا الطرح قد يتم على أرض الواقع، وأرى أن هناك استخفافا واضحا بهذا التوجه، نظراً لأننا أمام جماعة متجذرة فى حياتنا وواقعنا بشكل كبير، والتعامل مع فكرة "إقصائها" يجب أن يكون أكثر جدية مما نراه، فمن الصعب إقصاء جماعة صاحبت جذور اجتماعية وتاريخية مثل "الإخوان" بهذة الخفة.. وأرى أن تعامل الدولة مع هذه الجماعة لا يتناسب مع كل ما تملكه من فكر وقواعد وبعد تاريخى لا يجب الإستهانة به، وبالتالى من المتوقع بالنسبة لى – حتى الأن - أن الدولة ستفشل فى تقويض هذا التنظيم.. وإذا اعتقد أحد أنه من الممكن إقصاء هذه الجماعة فهو "واهم". * وكيف ترى موقف من يعرفوا ب"الإصلاحيين" داخل التنظيم الإخوانى فى ظل الظروف الراهنة؟ فى النهاية، يجب أن نعرف أن "الإصلاحيين" و"المحافظين" داخل الإخوان يتحدثون عن فكرة واحدة فقط، ولهذا أرى أن التيار الإصلاحى داخل الإخوان سواء من لا يزالون على قوة التنظيم أو من استقالوا منه، لم يقدموا نقداً إخوانياً للمشروع الإخوانى ككل، بل أنهم ينتقدون فقط بعض الممارسات الإدارية البسيطة ولكنهم لا ينفذون إلى عمق الفكرة ولم ينتقدونها بشكل موضوعى. * ما هو رأيك فيما تقوم به "الإخوان" بخصوص محاكمة "المعزول"؟ كل ما أراه الآن، هو أننا أمام جماعة نجحت فى إبراز نفسها كتنظيم "جهنمى"، وجعلت الجميع ينتظر عما سيفعله الإخوان فى الأيام القادمة، وهذا نتيجة انتظار الدولة لما يقوم به هؤلاء، ووضعت نفسها فى خانة المفعول به، وتفكر دائما فى رد فعلها، ولم تفكر حتى الآن فى وضع سياسة واضحة وحقيقية لمواجهة هذة الجماعة.. وفيما يتعلق بما قد يحدث أثناء محاكمات "مرسى" وباقى قيادات الإخوان، أتوقع أن الأحداث لن تخرج عن إطار تنظيم عدد من التظاهرات.