ماذا يكون شعورك حين تكون سجين يأس.. تحيطك قضبان غربة.. تلتهمك الأعوام.. تترهل أحلامك وتشيخ الآمال.. وفجأة تُفتح زنزانتك على فضاءٍ فسيح وثمّة صوت يهزّ الأرجاء قائلا «أنت طليق»؟ وماذا يكون شعورك حين تفقد حبيباً وتظنّ كلّ الظنّ ألّا لقاء.. ثمّ يأتيك على أجنحة اللهفة دون سابق موعد؟.. هو ذا كان شعورى حين حطّت العروبة بأقدامها على أرض بغداد.. ورفرفت أعلامها فى فضاءاتها المفتوحة بعد عزلة سنوات.. هو ذا كان شعورى، على الرغم من اعتذار أكثر من نصف القادة العرب عن عدم الحضور والاكتفاء بالسفراء لأسباب تتضارب حولها التكهنات. وعلى الرغم من ازدواجية الموقف العراقى حول الأزمة السورية والمطالبة الدولية بعزل النظام لما ارتكبه ولايزال من مجازر بحق الثوار المطالبين بالتغيير.. وعلى الرغم من إيحاءات السفير الإيرانى، غير المباشرة فى العراق، عن تبعية العراق لإيران واطّلاعها على كل شاردة وواردة فى المؤتمر، كأنه يوحى أيضا بأن المؤتمر وإن كان عربياً إلا أنه خارج من عباءة إيران!!.. على الرغم من كل هذا أخذتنى نشوة سعادة تجاوزت تلك السلبيات، حين خرج العراق من كهف الظُلمة والشعوبية لاستعادة مكانته العربية والدولية، التى كانت أولى ثمارها عودة العلاقات مع الكويت من خلال حضور الشيخ «صباح الأحمد» أمير الكويت.. نشوة سعادة أيقظتنى منها صفعة أحداث مجلجلة، ولم يمض على القمة أيام!! أولها إيقاف تصدير النفط من إقليم كردستان العراق إلى بغداد لعدم سداد حكومة المركز ما عليها من مستحقات.. وثانيها تصريح رئيس الحكومة مؤكدا عدم سقوط الأسد، ورفضه أى تدخل يطالب بتنحيه!! وهو موقف «النصرالله» وحزب الله ذاته.. وهو ذاته ما تصر عليه إيران، الحليف الأقوى لنظام الأسد، لتتهاوى شعارات الحرية والديمقراطية والتغيير من أجل الشعب وإسقاط الديكتاتوريات، فى أتون الباطل حين وقفوا مع ظلم النظام السورى ومجازره ضد ثورة اتهموها بالطائفية، بينما هم من أشعل فتيل الطائفية فى المنطقة لأخذها إلى هاوية الهلاك.. خاصة إيران التى باتت تغامر بعلاقاتها مع الطوائف الأخرى حين بدأت تنفذ استراتيجيتها التوسعية باسم الدين والطائفة.. لتتحول إلى أمريكا الشرق فى كيلها بمكيالين.. كموقفها مع الثوار فى البحرين.. وموقفها مع النظام ضد الثوار فى سوريا.. كما تكيل أمريكا لفلسطين وسواها. انتهت القمة وانتهت معها لحظات النشوة الوهمية وكأنها لم تكن سوى قرص مهدئ قصير المفعول.. لنعود من حيث بدأنا وتعود عراقنا إلى مكانها الأسوأ من حيث الفساد وحقوق الإنسان والتلوث والتصحّر والصحة والتعليم، وغير ذلك من معضلات اقتصادية ستفرزها الأزمة النفطية مع كردستان.. وما سيؤدى إليه أيضا خروج «الهاشمى» من العراق.. وانتشار الميليشيات المسلحة، والانفلات الأمنى والتفجيرات التى تحصد أرواح الأبرياء بلا رحمة.. فهل يستطيع العراق لملمة البيت العربى، قبل أن يلملم بيته؟.. هل يستطيع النظام فرض سيطرته الأمنية لحماية المواطنين كما فرضها لحماية ضيوفه؟.. هل يستطيع دعوة الميليشيات والأحزاب لجلسة مصالحة ومصارحة تُحرق فيها الأقنعة والأجندات من أجل استقرار واستقلالية الوطن وبذل الجهد والمال فى سبيل وحدة الصف الوطنى؟.. هل يستطيع نبذ الطائفية والهوية المذهبية والاستغناء عن إملاءات الغير؟.. لو استطاع ذلك فسيفرد له التاريخ أوسع مكان فى بلاطه المشرّف.. وأظنه يستطيع لو تجاوز مرحلة الضعف بالإرادة والإصرار والأمل والتجرد.. وحينها فقط ستجد الحزينة لها مكاناً فى مهرجان الفرح. نقلا عن جريدة المصري اليوم