كثيرا ما يتردد في الشارع المصري وخاصة عند أصحاب الأعمال السياحية، عبارات "نريد عودة الأمن والاستقرار ، نريد لقمة العيش ، لماذا لا تعود السياحة وتدور عجلة الإنتاج؟ "، ولم يدور في أذهاننا كيف تعود السياحة بقوة وتكسر كافة الحواجز ، ومازالت القمامة تحيط بنا؟!!. من المؤكد أن التغييرات التي مرت بها البلاد لها دور في توقف عجلة الإنتاج وافتعال الكثير من الأزمات ، وما تشهده الساحة المصرية من صراعات سياسية وفئوية ، كان لها تأثير قوي علي حركة السياحة الوافدة . لكن السؤال هنا يطرح نفسه ، كيف تكون مصر المصدر الأول للسياحة ، وتتفوق علي بلدان أخري (تركيا ) ، وأهم معالمها الأثرية تحيط بها القمامة من كل حدب وصوب؟؟! قال لي أحد ذات مرة ، الآثار الإسلامية في مصر محط أنظار للعالم ، لرغبة العالم الأجنبي في التعرف علي تلك الحضارة التي لم يتم استغلالها حتى الآن بالشكل الأمثل. فقررت أن أري بنفسي ، تلك الأماكن الإسلامية الأثرية التي شوهتها القمامة والباعة الجائلين ، وأخفت كل معالم التاريخ والحضارة بها ، وما شهدته من ماضي كان له تأثير قوي علي بلادنا. توجهت عدسة الجمعة إلي حي الحسين وهو أحد أحياء القاهرة ويتبع إداريا حي الجمالية، كما يوجد به العديد من المعالم الأثرية الإسلامية القديمة والفاطمية بصورة كبيرة، ومنها مسجد الحسين، منطقة خان الخليلي والجامع الأزهر. فمسجد الحسين رغبة كل مشتاق لاستشعار روحانيات آل البيت، ولقد بني في عهد الفاطميين سنة 549 هجرية الموافق لسنة 1154 ميلادية، ويضم 3 أبواب مبنية بالرخام الأبيض تطل على خان الخليلي ، وبابًا آخر بجوار القبة ويعرف بالباب الأخضر. سمي المسجد بهذا الاسم نظرًا لاعتقاد البعض بوجود رأس الإمام الحسين مدفونًا به، إذ تحكي بعض الروايات أنه مع بداية الحروب الصليبية، خاف حاكم مصر الخليفة الفاطمي على الرأس الشريف من الأذى، الذي قد يلحق بها في مكانها الأول في مدينة عسقلان بفلسطين، فأرسل يطلب قدوم الرأس إلى مصر وحمل إلى مصر، ودفن في مكانه الحالي وأقيم المسجد عليه. لكن إذا نظرنا مليا حول هذا الأثر الإسلامي نجد القمامة تحوطه من كل جانب، ويشوه مداخله وأركانه الشحاذين والبائعين الجائلين، فهل من مسئول يحافظ علي جمال هذا المسجد ؟؟ وعندما سيرت قليلا بجوار المسجد، وجدت نفسي في خان الخليلي واحد من أعرق أسواق الشرق، يزيد عمره قليلاً على 600 عام، ومازال معماره الأصيل باقياً على حاله منذ عصر المماليك وحتى الآن. ولو عدنا بالزمان إلى الوراء كثيراً، فسوف يطالعنا المؤرخ العربي الأشهر (المقريزي) الذي يقول إن الخان مبنى مربع كبير يحيط بفناء ويشبه الوكالة، تشمل الطبقة السفلي منه الحوانيت، وتضم الطبقات العليا المخازن والمساكن، وقد سمي بهذا الاسم نسبة إلى منشئه الشريف (الخليلي) الذي كان كبير التجار في عصر السلطان برقوق عام 1400 م. وخان الخليلي، هو أحد أحياء القاهرة القديمة، وهو يتمتع بجذب سياحي كبير بالنسبة لزوار القاهرة ومصر بشكل عام، ويتميز بوجود بازارات ومحلات ومطاعم شعبية،كما يتميز بكثرة أعداد السياح واعتياد سكانه عليهم. وتحول بعض بناياته الأثرية، إلى حوانيت وورش للصناعات البدائية؟؟! فإن حي الحسين لا يزال الأثر الباقي من القاهرة الإسلامية، والحي الرمضاني المرغوب والذي يمثل عنصر البهجة لأهالي العاصمة وزواره. وما إن سيرت قليلا وجدت في شارع يطلق عليه (أم الغلام) مقام السيدة فاطمة أم الغلام، ويعد قريب جدا من مسجد الإمام الحسين، وفي محاولة منا بالبحث حول الآثار الإسلامية التي شوهتها القمامة ، وجدنا أسطورة أم الغلام التي نسجها التاريخ بخيوط من خيال، حيث يقال أنها قطعت رأس أبنها وافتدت بها رأس الحسين. وبرغم اختلاف الحكايات وتقديس البعض لهذا المقام، لكن يري كل من يسير في هذا المكان القمامة وبصمات الإهمال؟؟! ، وكلما تسير في كل شارع وجانب من حي الحسين والغورية، تواجهك القمامة والروائح الكريهة الصادرة منها. لذا من يريد عودة السياحة والجمال لبلادنا الغالية لابد أن يشن حملة " نظافة بلدنا وأثارها هي عنوان مصر الجديدة " ، فعلي كل مسئول مختص بالسياحة أن يراعي ضميره ، وعلي كل مواطن يعشق تراب بلده أن يحافظ عليها ، وعلي كل من يرغب في مصر حرة نظيفة قوية ومصدر سياحي أول نفتخر به جميعا أمام العالم أجمع، أن يقول "لا للقمامة" ، وأثار بلادي كنز لي ولأولادي وأحفادي.