سألنى صاحبى يوماً بعدما إنتهينا من الصلاة وخرجنا من المسجد وقد نظر إلى مبتسماً كاعادته ثم قال : منذ متى ؟ قلت : منذ متى إيه ؟!! قال منذ متى ألفت الجفا معه ولم توصل حبال العشق وأنت تصلى فالتفت إلى صاحبى ونظرت فى عينيه وقلت له ماذا تقول ؟ ماذا تقصد أنا لاأفهم ما ترمى إليه فعاد ونظر إلى بنظرة حانية وقال : أليست الصلاة تعنى الصلة التى تصل ُ بها إلى مرادك فامتى وصلت بصلاتك العلاقة التى بينك وبين معبودك ومحبوبك . فانظرت إليه وضحكت قلت هى الصلاة كمان محتاجه فلسفة ياعم الشيخ إحنا مش صلينا الحمد لله فى غيرنا مابيصليش إلا الجمعة وفى مابيصلوش خالص فاخذ نفساً عميقاً وبدى الأسى على وجهه وقال: علشان كده ده حالنا وده أخلقنا حتى مع المفترض إنهم ملتزمين ومن المصلين الصلاة بالنسبة لينا أصبحت عاده وليست عباده حركات بنأديها وبعد كده نستغرب ليه بعض المصلين ممكن يكدبوا أو يغشوا أو يخونوا أو حتى يتعاملوا مع الناس بغلظة فانتبهت على تلك الكلمات وقد هزتنى فاأنا قد رأيت هؤلاء بل إن منهم من يصلى وهو على باب المسجد لايتورع عن النظر إلى الحرام . فابتسم صاحبى وكأنه قرأ ماكنت أفكر فيه ثم قال :ألم أقل لك هنا فرق كبير بين الذى يؤدى حركات وبين الذى هز قلبه الوقوف بين يدى رب الأرض والسماوات بين الذى تدعوا له صلاته وبين الذى تدعوا عليه صلاته فانتبهت مرة أخرى إلى حديثه فى دهشة قلت له : ماذا تقول تدعوا عليه صلاته قال : نعم ألم تسمع إلى قول النبى صلى الله عليه وسلم : (إن العبد إذا صلى الصلاة فأحسن وضوئها وركوعها وسجودها حتى يتمها صعدت الصلاة إلى ربها وهى تقول حفظك الله كما حفظتنى وإذا ضيع وضوءها ولم يحسنها صعدت وهى تقول ضيعك الله كما ضيعتنى) . فاضحكت واختلطت أحاسيس الأسى بالدهشة بحال أكثر من يصلون وقلت : يبقى عليه العوص يابرنس كلنا كده رايحين جهنم بصاروخ إنت عايز تفهمنى إنى أنا من عشرين سنة بصلى وصلاتى بتدعى عليه عليه العوض فنظر إلى وقال: لاتقنط من رحمة الله وابدأ من جديد وربنا غفور رحيم وهو عليمٌ بالنوايا ويعلم مافى الصدور لكن لازم نحسن العمل على أكمل وجه وعلى الله القبول سكت للحظة ثم قال : ياحبيبى يارسول الله كان يقف بين يدى ربه يتنفل يصلى نافلة حتى تتورم قدماه وعندما سألته زوجته أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها قال : أفلا أكون عبداً شكورا. ومن بعده أبو بكروكان رجل أسيف –أى شديد البكاء داخل الصلاة- وعمربن الخطاب وعلى بن أبى طالب الذى كان إذا دخل الصلاة أغشى عليه فاسألوه لماذا ياعلى ؟!! قال : أتدرون بين يدى من أقف إنه رب العالمين لعلها تكون أخر عهدى به من الدنيا ثم قال صاحبى : أنا عارف هاتقولى إحنا فين من الصحابة الكرام رضى الله عنهم جميعاً هاقولك طيب إيه رأيك فى رجل من التابعين هوحاتم الأصم كان إذا دخل فى الصلاة إرتعد -أى إرتعش رعشةً شديدة – فقال له أصحابه يوماً هون عليك ياحاتم فإن الله غفور رحيم إلتفت إليهم وقال : إن نفسى لاترضى لى بذلك إننى كلما دخلتُ الصلاة نظرتُ فكأن الكعبة أمام عينى ، وكأن القبرقد فتح خلف ظهرى ، وكأن الجنة بحسنها عن يمينى ، وكأن النار بسعيرها عن شمالى ، وكأن الصراط تحت قدمىَ ، وكأن الله مطلعٌ علىَ فإذا أتممتُها وأحسنتُ ركوعها وسجودها لاأدرى أقبلها الله منى أم ردها علىَ . قال صاحبى : شوفت الفرق بين إللى بيوصل الوصال مع الكبير المتعال وبين إللى شغلته كل الأشياء فاأدى الحركات ولم يشغل له بال . قلت: أتعبتنى ياصاحبى ياليتك لم تقل شيئاً وتركتنى ، ولكن كيف تتركنى وأنا أشعر بالجفا وقسوة قلبى مع حبيبى حتى وأنا بين إيديه . قال : عند الله الرحمة والمغفرة وعليك بالدعاء أن يجمع لك شتات أمرك ويلين له قلبك قلت له كإنك عايز تقولى خلاص أنك هاتسبنى وهاتمشى لا أنا مش هاسيبك لحد ماتقولى أعمل إيه فى المصيبة إللى إحنا واقعين فيها إزاى هاقف بين إيديه بعد كلامك دا كله فنظر ألىً وابتسم وقال: عليك بالعلاج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليه رجل فى المسجد ثم صلى ثم جاء الرجل إلى رسول الله فسلم عليه فرد عليه النبى صلى الله عليه السلام وقال إرجع فاصلى فإنك لم تصلى ثم رجع الرجل فصلى ثم جاء إلى رسول الله فارده النبى فعاد الرجل ثم جاء فارده النبى فقال : الرجل فى الثالثة والذى بعثك بالحق يارسول الله لاأحسن غيرها فاعلمنى فقال له النبى صلى الله عليه وسلم :( إذا كبرت تكبيرة الإحرام فاألقى مع يديك الدنيا خلف ظهرك فإذا قرأت فإجمع قلبك على الذكر ولاتركع حتى تطمئن فإذا ركعت فلا تقف حتى تطمئن راكعاً فإذا وقفت فلا تسجد حتى تطمئن واقفاً فإذا سجدت فلاتقم من سجودك حتى تطمئن ساجداً وافعل ذلك فى صلاتك كلها ) صلى الله على رسول الله ثم قال صاحبى ها ياصديقى لعلى قد أتممت لك الفائدة أعذرنى فاأنا اليوم مشغول فلتُ سلمك الله ياأخى وجعلك لى عوناً وعلى الخير ناصحاً ونصيرا