يومية» أى من أهالى «عزبة الأبيض» بأبوزعبل لا تتجاوز بضعة جنيهات، منازلهم البسيطة بنوها من عرق السنين وقهر العوز والحاجة، أقصى أحلامهم حماية مساكنهم المتصدعة، التى تسبح فى بحيرات من الصرف الصحى، من الانهيار وحماية أطفالهم من الأمراض التى أصبحوا فريسة لها بعد أن تفشى مختلف الأمراض بينهم بدءاً من النزلات المعوية، حتى حساسية الصدر المزمنة، ورغم انعدام المرافق تقريبا بالعزبة فإن الأهالى لم يصرخوا إلا بعد أن فاض بهم الكيل. أم محمود، سيدة بسيطة، كانت تعبر بصعوبة على صخور وضعها الأهالى على حافة برك الصرف الصحى، كانت تحمل طفلا صغيرا، علامات إعياء شديد على وجهه، وبسؤالها عنه قالت: «حسبى الله ونعم الوكيل فى المسؤولين، منهم لله اللى سابونا كدا لغاية ما ولادنا ضاعوا مننا، أنا ابنى جاله حساسية فى الصدر، ويحتاج جلسات استنشاق صناعى مستمرة». وعن مشاكل العزبة، قال إبراهيم صابر، أحد الأهالى: «المشكلة بدأت منذ 5 سنوات، عندما أعلنت المحافظة أنها ستقيم مشروعا للصرف الصحى بالعزبة، بعد أن كنا نعتمد على نظام البيارات، الذى كان يؤثرعلى أساس البيوت ويؤدى إلى تآكله، أسندت المشروع إلى شركة المقاولون العرب، وتم بالفعل الحفر وعمل محطة للصرف، وبعد الانتهاء من المشروع رفضت الشركة القابضة للمياه تسلمه، بحجة وجود إحلال وتجديد لمحطة الصرف الصحى التى ستستقبل مياه الصرف من محطة العزبة». وأضاف: «أثناء تجربة شبكات الصرف الجديدة تبين أن بها عيوباً أدت إلى تسريب المياه خارجها، ما أدى إلى غرق المساكن، وتكوين برك من الصرف الصحى تحاصر المنازل». وقال إسماعيل إمبابى إسماعيل، من السكان: «بعد تدهور الوضع فى العزبة وزيادة منسوب مياه الصرف حول البيوت، حررنا محاضر فى قسم شرطة الخانكة خوفاً من اختلاط مياه الصرف بمياه الشرب، فضلا عن أن ذلك أدى إلى تصدعات فى البيوت تهدد بانهيارها». وأوضح الشريف على شرف الدين، الذى يسكن فى منزل ملاصق لمياه الصرف: «لم يتحرك أحد مسؤولى المحافظة لنجدتنا، كما توجهنا إلى الشركة القابضة للمياه والصرف الصحى، وقال لنا المسؤولون هناك: لا نستطيع التحرك إلا بعد إصدار قرار من محافظ القليوبية بالتنفيذ». وتابع: «لم تصدر أى قرارات بإزالة المياه إلى الآن رغم صدور قرار من النائب العام بإزالة الضرر من قبل الجهة المسؤولة، ونحن لا نعانى فقط من تصدعات المنازل، بل من تأثير المشكلة على صحة أبنائنا بعد انتشار أمراض حساسية الصدر المزمنة بين الأطفال، بسبب استنشاقهم الرائحة الكريهة طوال الوقت وانتشار النزلات المعوية خاصة لدى الأطفال». وأضاف: «ليس لدينا مياه شرب صالحة للاستخدام الآدمى لزيادة نسبة الملوحة فيها، ما يضطرنا إلى جلب المياه من منطقة أبو زعبل يومياً من صنبور عام، مقابل جنيهين ل(الجركن الواحد)، بالإضافة إلى استغلال أصحاب المخابز لنا وغلاء سعر رغيف الخبز ليصبح ب10 قروش للرغيف الواحد، فضلا عن تدهور مستوى التعليم، فالفصل الواحد يضم 95 طفلا، فمن يسمع ومن يرى؟». وأكمل: «نحترم القانون ونصبرعلى هذا الوضع دون أن نقطع الطرق أو نحاصر المسؤولين أو نعتصم أمام أبوابهم، ونتمنى منهم أن يستجيبوا لاستغاثاتنا لأننا لن نصبر طويلا على هذا الوضع، ومن السهل محاصرة مبنى المحافظة وعدم السماح للموظفين بالخروج منه إلى أن يأتى المحافظ ويحل المشكلة لكننا نحترم القوانين ونريد من المسؤولين أيضا أن يحترموها». وقال سيد حمدى خلاف، منسق المشروعات البيئية والصحية بجمعية حماية البيئة من التلوث: «إن مياه الصرف الصحى لها أثر كبير ومباشر على البيئة والصحة والبنية التحتية، فهى تؤدى إلى التلوث البصرى، إلى جانب ترسب مياه الصرف الصحى إلى باطن الأرض حيث المياه الجوفية، والروائح الكريهة لهذه المياه تمثل خليطا من غاز كبريتيد الأيدروجين، الذى يسبب تهييجاً للأغشية المخاطية بالعيون والجهاز التنفسى، وغاز الأمونيا شديد السمية، الذى يسبب تهييجاً للأغشية المخاطية بالحنجرة والأنف ويسبب أحيانا العقم». وتابع: «وفى هذه البيئة العديد من البكتيريا الضارة بنسب تتجاوز الملايين من بكتيريا القولون البرازية، والتى تعتبر المصدر الأساسى للأمراض المعوية وبكتيريا السالمونيلا التى تسبب أمراض التيفود وبكتيريا الشيجلا التى تسبب أمراض الإسهال، بالإضافة إلى تكوين العديد من بويضات الطفيليات المسببة لكثير من الأمراض مثل البلهارسيا والأنكلستوما والإسكارس والديدان الكبدية». وأضاف «خلاف» أن مياه الصرف الصحى تحتوى على عدد من العناصر الخطرة مثل النيكل والكوبالت والرصاص والفلوريد والسلينيوم حيث الزئبق والمنجنيز يؤثران على المخ والأعصاب، والكوبالت يؤثر على الغدة الدرقية، والزئبق والكادميوم يؤثران على الكلى، والسلينيوم يؤثر على الأسنان واللثة، والرصاص يسبب أمراض الدم والقلب والسرطان