يقول المثل الفرنسى «ابحث عن المرأة» وراء كل جريمة.. ويقول علم النفس الفرويدى ابحث عن الجنس وراء كل شخصية متطرفة أو مريضة نفسيا. وإذا أردت أن تعرف حجم المشاكل النفسية والجنسية التى يعانى منها الرجل العربي، فعليك بالنظر إلى صورته المتطرفة التى تتمثل فى نوعين من الرجال هما وجهان لعملة واحدة: المتطرف دينيا والضابط.
ضابط الجيش أوالشرطة يختار بإرادته الحرة غالبا، أو نتيجة ظروف قهرية، وأحيانا عن عدم معرفة بطبيعة المهنة، أن يقضى حياته فى مجتمع يسبح فى سائل لزج من التستسترون، هرمون الذكورة، ويقوم على فكرة واحدة هى عبادة الذكورة بكل ما تمثله، وإقصاء الأنوثة بكل ما تمثلها واعتبارها سبة وعورة.
هذه الثقافة التى يدخلها الجندى بإرادته أو رغما عنه، تلقى بتأثيرها عليه بمرور الوقت، فتضاعف من عقده إذا كان معقدا، أو تصيبه بالعقد إذا كان سويا، أو على الأقل تربك شخصيته وتصيبه بازدواجية وانفصال بين شخصيته العسكرية وشخصيته المدنية.. وهى إزدواجية تصل إلى حدود الغرابة أحيانا، حين ترى الضابط من هؤلاء يمارس أحط أنواع السادية على ضحاياه ثم يتحول فجأة إلى شخص ناعم خفيض الصوت بالغ الرقة إلى حد التخنث أحيانا!
الضابط من هؤلاء، خاصة من تفرض عليه وظيفته التعامل المباشر مع «العدو»، وبالأخص لو كان هذا العدو يمثل النقيض الذى يخشاه، امرأة جريئة أو شاب مثقف، غالبا ما يصبح مثل وحش محبوس اطلق سراحه. وما يطلق سراحه هنا هو فى الحقيقة عقده الجنسية وغرائزه المكبوتة.
اقرأ شهادة الناشطة غادة كمال على صفحات هذا العدد، وحكايتها مع الضابط الملثم «حسام» واللواء الذى يرأسه، لتعلم أى نفوس خربة يعانى منها هؤلاء الضباط الساديون المخنثون، الذين يستثارون جنسيا، أو يهدأون ويتحولون إلى شبه نساء، تحت تأثير مشاهد العنف والدم.
لقد أشرت من قبل إلى العنف الذى يمارسه المتطرف دينيا تجاه النساء باعتباره نوعا من الممارسة الجنسية المنحرفة، وهذه الشهادة، وغيرها من شهادات الناشطات المعتقلات، تكشف بوضوح أن العنف الذى يمارسه العسكريون ضد النساء هو نوع من الممارسة الجنسية الشاذة.. وفى الحقيقة لا يقتصر هذا الشذوذ على النساء، بل يمتد إلى الناشطين الرجال.. وضابط الجيش الذى اعتدى ورجاله على الناشط عبودى عند اعتصام مجلس الشعب اعترف له قبلها بأنه هو الذى يقود حملة خطف الناشطين والاعتداء عليهم بدنيا وجنسيا.
هنا، بجانب الاستعانة بفرويد، لا بد من الاستعانة بعالمى نفس آخرين هما كارل يونج وفيلهلم رايش.. يونج يرى أن كل انسان يحمل داخله شخصيتين واحدة مذكرة، الأنيموس، والأخرى مؤنثة، الأنيما، وحين يكبت الرجل من هؤلاء شخصيته الأنثى ويعتبرها عارا لا يجب أن يظهر أمام الناس، كما يفعل الضباط والرجال «مفرطو» الرجولة غالبا، فإن هذه الأنثى المكبوتة تنتقم بطريقتها، والعكس صحيح، حين تكبت المرأة عناصر الذكورة داخلها، بما تعنيه من استقلالية وقوة وحكمة، فإن الرجل داخلها ينتقم بطريقته.. ومن هنا تأتى حكايات القرين والقرينة الشعبية وحكايات الجن الخرافية التى تقوم فيها الجنية بلبس الرجل والجن بلبس المرأة... وهذا، بطريقة أخري، يفسر فصام الشخصية الذى يعانى منه هؤلاء الضباط المتوحشون المخنثون.
فيلهلم رايش يضيف للمشكلة تفسيرا سياسيا بديعا. الشخص الذى يعانى من مثل هذا الكبت غالبا ما يكون شخصية محافظة إلى حد التعصب السياسى والديني، وهو غالبا من نوعية اللواء كاطو الذى قال عن المتظاهرين إنهم يستحقون الحرق فى أفران هتلر، أو الداعية خالد عبد الله الذى استهزأ بالشهداء والفتيات اللواتى تم تعريتهن وسحلهن.
هؤلاء يشكلون عماد أى مجتمع فاشي، وهؤلاء يجسدون الفاشية الدينية والعسكرية التى تهدد مصر الآن.. ولن نستطيع أن ننجو أبدا إذا لم نعالج المجتمع من تأثير الاثنين