قدّمت وزارة الداخلية التونسية اعتذاراتها إلى الصحافيين الذين تعرضوا للاعتداء والضرب أثناء أداء مهامهم في تغطية الاحتجاجات الدامية بين الشرطة والمتظاهرين التي شهدها شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة يوم الجمعة 6 مايو. وقالت وزارة الداخلية في بلاغ لها مساء الجمعة تلقت (إيلاف) نسخة منه إن الاعتداءات "غير متعمدة"، مؤكدة في ذات الوقت احترامها للعمل الصحافي وحق كل مواطن تونسي في التظاهر السلمي. وأكدت الوزارة أنها ستفتح بحثا إداريا لتحديد المسؤوليات والوقوف على ملابسات التجاوزات التي تم تسجيلها. واكدت الداخلية أن شارع الحبيب بورقيبة (الشارع الرئيس بالعاصمة تونس)"سجل قيام متظاهرين بعمليات نهب وبث الفوضى ورمي حجارة وزجاجات حارقة تعرض أثناءها بعض المواطنين والصحافيين التونسيين إلى الاعتداء من قبل رجال الأمن". وكانت قوات الأمن التونسية قد اعتدت بالضرب على 15 صحافيا يعملون لوسائل إعلام دولية وتونسية خلال تغطية تظاهرات الخميس والجمعة في تونس العاصمة، وهو ما اكدتخ النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين التي حررت بلاغا في الغرض ومررت ل(إيلاف) نسخة منه. وقالت النقابة في بلاغها إن عشرات من أفراد الشرطة في الزي المدني اعتدوا بالضرب بطريقة وحشية على الصحافيين رغم علمهم بأنهم صحافيون وحطموا آلات التصوير وطاردوهم حتى مدخل صحيفة لابراس. ومن بين هؤلاء حسن دريدي الصحافي في وكالة اسوشيتد برس الأميركية وثلاثة من صحافيي قناة الجزيرة القطرية وعبد الفتاح بلاد المصور في وكالة فرانس برس. واعتبرت النقابة اعمال العنف هذه "جريمة ضد حرية الصحافة" منددة ب"الممارسات القمعية لعناصر الشرطة ضد الصحافيين". وتأتي هذه التطّورات غداة تفريق الشرطة التونسية بعنف الخميس والجمعة تظاهرات مناهضة للحكومة في قلب العاصمة دون ان تميز بين المتظاهرين وبين الصحافيين الذين يغطون هذه التظاهرات. وعلى الاثر قامت قوات الشرطة باعتقال عدد من المتظاهرين مستخدمة العنف وخاصة الركل بالقدم والضرب بالهراوات. ولم يتم الإعلان عن عدد المعتقلين. وقالت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين إن أعمال العنف "التي ارتكبها رجال الشرطة تهدف الى تكميم وسائل الاعلام وحرمان الراي العام من معرفة الحقائق" في تونس محذرة من "عودة البلاد إلى حالة القمع" التي عرفتها في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وتجاوب المئات من التونسيين مع دعوات على شبكة فايسبوك لتنظيم تظاهرة الجمعة دعما لوزير الداخلية السابق فرحات الراجحي الذي قال الخميس إن الجيش سيقوم بانقلاب عسكري في حال فوز حركة النهضة الإسلامية في الانتخابات المقبلة في 24 تموز/يوليو، كاشفا عن "حكومة ضلّ" تسيّر شؤون البلاد بعيدا عن الأضواء ويتزعمها رجل أعمال مقرّب من الرئيس المخلوع وأنصاره. وقد أثارت تصريحات الراجحي المثيرة استهجان الحكومة الانتقالية التي يترأسها الباجي قائد السبسي ووصفتها "بالخطيرة". ورغم الخشونة في التعامل مع التظاهرات المناصرة للوزير الاسبق فرحات الراجحي والداعية لاسقاط حكومة السبسي الانتقالية، جدّد المتظاهرون ليل الجمعة تنظيم صفوفهم وخرجوا للاحتجاج واشتبكوا مع الشرطة في اعنف مواجهات منذ أسابيع مع المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية. وذكر شهود عيان ل(إيلاف) عبر الهاتف انّ شبابا غاضبا احرقوا مركز شرطة مدينة "حلق الوادي" التي تقع بالقرب من العاصمة التونسية، في حين احرق اخرون اطارات مطاطية واضرموا النار في بعض الطرقات لمنع تنقل العربات. وردّد المحتجون عددا من الشعارات من قبيل: "الشعب يريد ثورة جديدة.".. السبسي ارحل". واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع والهراوات لتفريق مظاهرة بعد صلاة الجمعة ولكن المحتجين تجمعوا من جديد مع حلول المساء وقاموا بإلقاء الحجارة وإشعال نار في وسط احد الشوارع الرئيسية بالعاصمة. واشتبكت شرطة مكافحة الشغب مع محتجين في مناطق الكرم والانطلاقة وحيّ التضامن. وشهدت مدن صفاقس وسيدي بوزيد وقفصة وقابس احتجاجات مماثلة، وذكرت وزارة الداخلية ان اربعة من عناصرها اصيبوا واحدهم حالته خطيرة. وذكرت وكالة تونس إفريقيا للأنباء الرسمية وقوع اضطرابات خلال الليل في محافظة قفصة بوسط تونس وقالت انه تم فرض حظر التجول في ثلاث بلدات هناك. وتواصلت عبر شبكة فايسبوك الاجتماعية الدعوات للتظاهر والاحتجاج اليوم السبت، ومن المتوقع حصول اشتبكات جديدة بين الشرطة والمتظاهرين قياسا الى حالة التعبئة الموجودة عبر الفضاء الافتراضيّ والتي تشير إلى احتقان مبالغ تجاه حكومة الباجي قائد السبسي الانتقالية. ويخشى مراقبون أن تساهم الاضطرابات الحالية في تقويض المسار الانتقاليّ الذي من المفترض أن يتوّج في الرابع والعشرين من يوليو المقبل بانتخاب مجلس تأسيسي يسنّ دستورا جديدا للبلاد. إلى ذلك، تباينت ردود الاحزاب السياسية بين داعم لحق الشباب في التظاهر السلمي، وبين مدين لتصريحات الوزير السابق فرحات الراجحي "غير المسؤولة". واستنكر الحزب الديمقراطيّ التقدّمي في بلاغ له "العنف الشديد الذي مورس على عديد المارة والمتظاهرين"، داعيا الحكومة إلى احترام حقوق المواطنين والكف عن الممارسات القمعية التي لا تزيد الأوضاع إلا تعقيدا. كما جدّد الحزب "رفضه لكل أشكال العنف والتخريب"، داعيا المواطنين إلى "المساهمة في تهدئة الأوضاع حفاظا على الثورة من كل منزلق خطير". أما حزب العمال الشيوعيّ فقال إنّ كل هذه الأعمال "أعادت للأذهان ما كانت تقوم به قوات البوليس في عهد بن علي وأكدت مجددا أن البوليس السياسي وخلافا لما تدعيه حكومة السبسي لم يقع حله بل لازال يعمل بكل أجهزته وفرقه وبنفس الأساليب والعقلية القمعية المتوحشة"، على حدّ تعبيره. وذكر الحزب أن حكومة السبسي الحالية "ليست سوى امتدادا لنظام بن علي وأثبتت صحة ما سبق أن قلناه بأن لا شيء تغير وأن النظام القديم لا زال قائما بكل أجهزته وأدواته وأساليبه وأن الثورة لم تستكمل مهامها بل هي في خطر ما دام التجمع والبوليس السياسي مسيطران على أجهزة الحكم ومؤسسات الاقتصاد والمالية وعلى الإدارة والإعلام وعلى مجمل مظاهر الحياة السياسية والعامة".