تساءل كاتب بريطاني عن مصير الممالك العربية في ظل الثورات والاحتجاجات التي شهدتها ولا زالت بعض البلدان العربية وقدم رصدا للأسباب التي رأى أنها يمكن أن تحمي هذه الممالك من لهيب تلك الثورات. قال وبرين يتاكر في مقاله بصحيفة الجارديان البريطانية تحت عنوان "هل سينقذ الله الملوك العرب" إن أحد الحقائق الأقل مناقشة حول موجة الانتفاضات في الشرق الأوسط هي أن الأنظمة الملكية العربية ما زالت سالمة نسبيا. وأن الأنظمة الأشد تحديا للاحتجاجات الشعبية - في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا - كانت جميعها جمهوريات. وهذا قد يبدو غريبا بالنسبة للأوروبيين الذين كانت ثوراتهم على مر القرون تتم أساسا للإطاحة بالملوك. مسألة حظ كان التبرير الأول الخاص بتلك الظاهرة عند الكاتب يتمثل في أنه قد تكون المرونة الواضحة للملوك العرب مسألة حظ. فمعظمهم في منطقة الخليج لديهم النفط ، وهو ما يعني أنه يمكنهم (ويفعلون) استخدام أموالهم لشراء الساخطين مؤكدا على أن ذلك لا ينطبق على ملوك الأردن والمغرب ومع ذلك، فالثروة النفطية لم تحافظ على نظام القذافي من نشوب المشاكل في الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى. أضاف براين أن هناك تفسير آخر محتمل هو أن الملوك العرب، في نظر العديد من مواطنيهم، لهم حق في الشرعية بدرجة أقوى من الزعماء الجمهوريين الذين جاءوا إلى السلطة - أو تشبثوا بها - في ظروف مريبة. حيث أسست الممالك العربية شرعيتها على جذور دينية أو قبلية. فحكام الكويت وقطر وعمان والبحرين والإمارات كلهم جاءوا من قبائل قديمة وبارزة، و "الحق " في الحكم كان مستمدا من وضعهم الأسري. عائلة الصباح، على سبيل المثال، كانت عشيرة من قبيلة "عنيزه" التي هاجرت من نجد - الهضبة الوسطى من المملكة العربية السعودية - إلى الكويت في القرن الثامن عشر وأخذت الحكم المحلي منذ ذلك الوقت. وكانت عائلة آل خليفة عشيرة أخرى من نفس القبيلة التي اتجهت إلى البحرين في الوقت نفسه تقريبا. أما أسرة آل ثاني التي تحكم قطر فهي فرع من قبيلة بني تميم، التي جاءت أيضا من نجد في نفس القرن. وعلى الرغم من أن العائلة المالكة في السعودية لها جذور قبلية أيضا ، إلا أن مطالبها الرئيسية للشرعية اليوم هي الد ، لدرجة أن لقب الملك الديني ، خادم الحرمين الشريفين (مكةالمكرمة والمدينة المنورة ، أقدس موقعين في الإسلام) له الأسبقية على لقب الملكية. وبالمثل، فإن ملك الأردن هو الوصي الرسمي للمسجد الأقصى في القدس، الذي يعتبر ثالث أقدس موقع في الإسلام. كما أن العاهل الأردني الحالي عبد الله الثاني، يفخر بأنه "سليل الجيل الثالث والأربعون من النبي محمد". وفي الوقت نفسه يجسد ملك المغرب كل من "السلطة الروحية والزمنية" فهو معروف بأمير المؤمنين، أو برنس أو قائد المؤمنين. على الرغم من أن الحكم المكتسب قد يبدو شكلا مرفوضا للحكومة، إلا أن الخلفية القبلية والدينية تجعل من الصعب تحدي المجتمعات التقليدية والممثلة لجماعة ما. ففي ممالك حيث كانت هناك احتجاجات كبيرة مثل المغرب وعمان والأردن كان المتظاهرون يطالبون بالإصلاح دون المساس بحق الحاكم في الحكم والذي ما زال يعتبر شيئا من المحرمات. أما البحرين فهي حالة خاصة، حيث تحكم الأقلية السنية الأغلبية الشيعية، مما يجعل مسألة الشرعية أكثر وضوحا. وأكد الكاتب على أن إدعاءات الشرعية من الملوك العرب قد لا تبدو مقنعة خاصة بالنسبة للأجانب للذين هم من الجمهوريات، الأقل شرعية من ذلك. "الجملوكية" نظام جديد انتقل براين إلى القرن العشرين الذي برز فيه عددا من الأنظمة الثورية العربية التي استندت أوراق اعتمادها على القومية : كالجزائر ، مصر، العراق، ليبيا، سوريا، تونس، الولايات المنفصلة من شمال وجنوب اليمن بالإضافة إلى حركة التحرر الوطني الفلسطينية. وأشار إلى أن تلك الأنظمة الثورية قد مارست استراتيجيات اشتراكية أو شعبية - كالتأميم والإصلاح الزراعي، وهلم جرا - والتي تحمل الوعد بمستقبل أفضل للجماهير. وفي الوقت نفسه، قدموا أنفسهم كمدافعين عن استقلال البلاد، ومقاومة الفساد، والآثار الاستغلالية للامبريالية الغربية وخاصة في توليد توقعات شعبية غير قابله للتحقيق فيما يتعلق بالصراع مع إسرائيل. في أعقاب هزائم متتالية من قبل إسرائيل، ووسط ارتفاع معدلات البطالة والفقر وتفشي الفساد، أصبح من الواضح جدا أنهم قد فشلوا في الوفاء بعهودهم. علاوة على ذلك قوضت بعض الأنظمة الجمهورية مصداقيتها من خلال البدء في ما يشابه الملكيات. التي كان أول ظهور لها في عام 2000، عندما ورث بشار الأسد الرئاسة السورية من والده. ثم ما لبث أن أظهر طغاة مصر وليبيا والعراق وتونس واليمن علامات على نيتهم في تسليم السلطة، في نهاية المطاف، إلى أبنائهم أو أقاربهم. وهكذا سخر العرب من ذلك الوضع فجمعوا كلمة "الجمهورية" و "الملكية" في مصطلح جديد لهذا النوع من الدولة التي أطلقوا عليها "جملوكية". هنا وجدت الجمهوريات وخصوصا الجملوكيات نفسها تبحث عن أسباب لتبرير وجودها. وكانت المشكلة واضحة عام 2004 عندما تحدث تقرير التنمية البشرية العربية للأمم المتحدة عن "أزمة الشرعية". الذي ورد فيه: " معظم الأنظمة، في الوقت الحاضر، تدعم شرعيتها بتبنيها صيغة مبسطة وفعالة لتبرير استمرارها في السلطة. فهم ينمطون أنفسهم بأنهم أهون الشرين، أو خط الدفاع الأخير ضد الاستبداد الأصولي، أو حتى، ضد الفوضى وانهيار الدولة. " وقال التقرير، " في بعض الأحيان، يعتبر مجرد الحفاظ على الكيان الدولة في مواجهة التهديدات الخارجية إنجازا كافيا لإضفاء الشرعية. " اغتنام الفرصة أكد الكاتب البريطاني في نهاية مقاله على وجود طريقة واحدة كفيلة بأن تعيد تأسيس شرعية الرؤساء العرب ألا وهي حكمهم لبلادهم بالعدل والحسنى وهذا ما لم يحدث. لذا فإنه ليس من المستغرب أن تلك الأنظمة التي أطيح بها بالفعل والتي تقع تحت التهديد هي جمهوريات تديرها أسرة أو "جملوكيات". مشددا على أن ذلك لا يعني أن الملوك محصنين ضد الثورات فقد أطيح بملوك الخمسينيات والستينيات في مصر واليمن وليبيا. وأوضح براين: على الملوك العرب اغتنام الفرصة حيث أنه على الرغم من اللحظات العصيبة التي يمر بها الوطن العربي ، إلا أن ملوك الوقت الراهن يجلسون على عروشهم مطمئنين نوعا ما ، حتى ملك البحرين يبدو أنه قد فاز بمزيد من الوقت في السلطة، وذلك بفضل دعم العائلات الملكية في البلدان المجاورة. وهذا ما يعطيهم الفرصة لالتقاط أنفاسهم والبدء في الإصلاح إذا اختاروا القيام بذلك، أما بالنسبة للمغرب والكويت فهما البلدين اللذان يجب عليهما التحول إلى ملكية دستورية مع حكومة قابلة للمساءلة. لكن إذا لم تتغيرا، فسوف يأتي دورهما بالتأكيد