ظاهرة «الكراش» مرآة للفراغ العاطفى.. ومحو شخص من خلال «البلوك» أصبح أمراً ممتعاً فى كتاب مكون من 8 فصول يعالج الكاتب الدكتور إسماعيل عرفة، مشكلة الهشاشة النفسية التى أصابت أغلب شباب الجيل الحالى، خاصة بعد انتشار تطبيقات السوشيال ميديا، والهشاشة النفسية عبارة عن شعور بالخجل والانهيار عند وقوع الشاب فى مشكلة يراها أكبر من قدرته على تحملها، كما يراها غير قابلة للحل. وبعبارة أوضح تضخيم أى مشكلة إلى درجة تصورها ككارثة وجودية، ويصف الكتاب تلك الحالة ب «الهشاشة النفسية» التى يشير إلى أنها أصبحت مرض الجيل الحالى، ويقول الكتاب إن الظاهرة بدأت منذ عام 2017 مع انتشار السوشيال ميديا واكتفاء الشباب بالتمحور حول ذاته وبناء شخصيته الفردية. يبدأ الكتاب بفصل رقائق الثلج، ثم هوس الطب النفسى، وفصل عن الفراغ العاطفى والفراغ الوجودى، وفى الفصل الرابع يحلل دور السوشيال ميديا وكيف أنها أصل كل الشرور، ثم فصل الحكم على الآخرين، ثم الفصل الذى يعالج المشاعر الداخلية، كما يلقى الفصل السابع الضوء على ما يسمى بمخدرات الشغف. ويقول الكاتب إن التدليل المفرط من الأهالى سبب الهشاشة النفسية التى أصابت أبناءهم، وأنتج جيل من «رقائق الثلج» الذين يتوقعون معاملة ملكية ولا يتحملون مسئولية أفعالهم، وقسم الكتاب الأجيال إلى مواليد 1960 إلى 1980 وهو الجيل الذى تربى على تحمل المسئولية ومن ثم الزواج المبكر، ولم يجد التدليل الذى لوحظ فى باقى الأجيال، وبالتالى ظل محتفظاً باتزانه النفسى وقدرته على التعامل مع ضغوط وعقبات الحياة. بينما الجيل من 1980 إلى 1997 يعانى من بعض الهشاشة النفسية والآثار الجانبية الخاصة بها مع ارتفاع سن المراهقة إلى 25 سنة، وأصبح معظم هذا الجيل مراهقًا فى علاقاته بالآخرين وفى تعامله مع مشاكل الحياة اليومية، وفى فهمه لحقائق الأشياء مع تضخيم بعض المشاكل. وسمى الكتاب جيل 1997 إلى 2020 بجيل رقائق الثلج الهشة سهلة الكسر، سريعة الانهيار، وقال إنه من السهل جرح مشاعره من أقل شىء، وأنه يتحطم سريعاً ويميل لتهويل المشاكل البسيطة وتضخيم الألم لجذب التعاطف، ومن ثم يفقد القدرة على المقاومة مما يجعله أكثر انهزاماً أمام ضغوط الحياة. 1- هوس الطب النفسى هناك اتجاه بحسب الكتاب يتضاعف يوما بعد يوم يحصر كل وسائل استعادة الاتزان النفسى فى زيارة الطبيب النفسى، فى حين يعانى جيل الشباب العربى من وباء القلق والاكتئاب والخوف من المستقبل والفراغ الداخلى، ومنذ عام 2000 عندما تسلل مفهوم اضطراب ما بعد الصدمة أصبح معيار الاتزان هو ما يحدده الطبيب النفسى، فالطلاب الجامعيون يصفون أنفسهم بأنهم مرضى نفسيين عندما يواجهون المتطلبات الروتينية للحياة. 2- الفراغ العاطفى وينتشر فى الجيل الحالى العلاقات الهشة فى العوالم الافتراضية، فأصبح محو شخص من خلال «البلوك» سهلاً بهدف الحصول على أقصى متعة بأقل تكلفة دون قيود أو التزامات، ولإشباع الفراغ العاطفى الذى انتشر كظاهرة بسبب تأخر سن الزواج وتفكك الروابط الأسرية. كما يؤكد الكاتب بأن ظاهرة الكراش مرآة الفراغ العاطفى، وينشأ الكراش عندما يكون لدى الإنسان مخزون عاطفى، ويختفى تماماً عندما يكتشف أن الشخص الذى كان معجباً به ليس هو الشخصية التى كان يظن، مؤكداً بأن المستفيد الوحيد من حالة الفراغ العاطفى خبير العلاقات واللايف كوتش الذى يمتلك من النصائح ما يوقع الضحية فى دائرة مفرغة من المعانى الإنسانية والخبرات الحقيقية، وأوضح الكتاب أن 300 مليون شخص حول العالم يعانون من الاكتئاب بحسب منظمة الصحة العالمية عام 2007، لكن الأرقام الحقيقة فى العالم العربى وحده ربما تفوق هذا الرقم. 3- أصل كل الشرور يشير الكاتب إلى أن الجيل الناشئ مهووس بالأمان النفسى والشعورى، ويعتقد أفراده أنه ينبغى حمايتهم من أى شخص لا يتفق معهم على وسائل التواصل الاجتماعى، مما يفسر طغيان السوشيال ميديا وتقاليدها التى أصبحت موجودة فى تصرفتنا، وتعزز من هشاشة جيل بأكمله، من تعزيز النرجسية وتقديس التغيير وفقدان التركيز والخلل فى معايير النجاح، فأصبحت اللايكات لها أهمية فى النظر للشخص بأنه ناجح، كما أن غيابها يدخلك فى حالة نفسية سلبية بسبب نقص الدوبامين هرمون السعادة فى جسمك، فأصبح الجميع يخاف من كسب العداوات، ويتقبل كل شىء ، حتى صار الإنسان بليداً بلا رأى ولا موقف ولا شعور. مشاعرك الداخلية أسوأ حكم على حياتك «مشاعرك هى أهم شىء».. أصبحت ثقافتنا المعاصرة تعظم من قدر المشاعر بشكل غير مسبوق، وغالبا ما يشوش هذا على الحقيقة ويسلبنا البصيرة العميقة، وأحيانا يقودنا للضلال، ويتم تصوير الزواج على سبيل المثال بشعور واحد وهو الحب، وعلى أساسه يكون الزواج ناجحاً أو فاشلاً، فى حين أنه لا يمكن بناء بيت مستقر سعيد على أساس مشاعر الحب فقط، وأسباب الطلاق ليس من بينها غياب الحب وإنما فساد السلوك وقلة المسئولية وعدم الأمانة. 4- مخدرات الشغف «اتبع شغفك» تتكرر هذه الجملة على مواقع السوشيال ميديا بشكل مهول، ويسعى الشباب للوصول كما وعده المحفزون، ثم تنهار معنوياته فى اللحظة التى يقرر بها النزول إلى أرض الواقع، ولهذا يجب التخلص من مخدرات الشغف، والعمل فى إطار الواقع والتطوير من النفس، مع البحث عن الفرص وتنويع مصادر الدخل والتعلم الدائم بلا توقف. 5- مفتاح النجاة «أنا مريض نفسى إذن أنا أفعل ما أريد».. تم أخذ المرض النفسى مؤخراً كوسيلة لجذب التعاطف فظهر التعاطف مع الأشرار، فالمتهم مجرم حتى تضع نفسك مكانه، وأن ظروف تنشئته هى من جعلته مجرمًا، فالمسئول هو الظروف وليس إرادته، بجانب استخدام كلمة الاضطراب النفسى كسبب لهذا الشر، فتصبح الحالة النفسية تذكرة مجانية تزيل عن كواهلنا تحمل مسئولية أفعالنا وسلوكياتنا، وقد نجد بعض الشباب والفتيات يتجهون للإلحاد بسبب سخطهم على أقدار الله بسبب هشاشتهم النفسية، والهشاشة تربية وليس طبيعة فما من إنسان إلا ويمكن أن يتعود على الصلابة أو المرونة إذا أراد، والإنسان لديه مرونة نفسية تمكنه من التكيف مع المؤثرات الخارجية وفقا لاستجابته لها.