ربما يجبرك الزمن أن تكتب فى رثاء عزيز لديك بعد ما كان مصدرا موثوقاً فى تصريحاته وبطلا أساسيا فى تحقيقاتك وحواراتك الصحفية لعدة أعوام وأعوام .. دور كبير لعبه الدكتور حافظ أبو سعدة الحقوقى البارز فى تأسيس الحركة الحقوقية فى مصر وتطورها خلال نصف قرن ويزيد ظل فيهم أبوسعدة من الحقوقيين القلائل الذين عرفوا أن يمسكوا بزمام الأمور وله قدرة على التوازن بين مصلحة الوطن وتحقيق حقوق الإنسان. عندما بدأت أتلمس خطواتى الأولى فى صاحبة الجلالة كان اسم الأستاذ حافظ أبو سعدة وقتها مثل «النار على العلم» كما يقولون لم يكل ولا يمل من أسئلة صحفية صغيرة وبكل تواضع أجده متصلا للإشادة بفكرة تقرير لى.. ها أنا أسمع صوته الآن وهو يقول بضحكته المميزة : «موضوعك قالب الدنيا يا أستاذة». لديه القدره أن يجعلك متحمساً وتشعر بأنك هيكل فى الصحافة رغم بساطة الأمر.. كلما اقتربت منه أكثر تتأكد أنه مرجع قانونى لا غنى عنه، أتذكر فى فترة كانت هناك أزمة بين الإدارة المصرية والألمانية حول تقنين دور المنظمات الألمانية التى تعمل فى مصر، لم يقف أبو سعدة مكتوف الأيدى ولم يأخذ جانباً ضد جانب لمصلحة شخصية بل بكل توازن قرر أن يلعب دورا دبلوماسيا غير عادى وقام بتشكيل وفد حقوقى وسافر إلى ألمانيا، تابعت وقتها هذا الحدث عن كثب لم يتخاذل أبو سعدة لحظة بالمعلومات وكواليس الزيارة كتبت حوارا من أفضل الحوارات. أتذكر أيضا أن سرعان ما عادت العلاقات الألمانية المصرية للتوطيد وزارت أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية مصر وأبدت تفهما للضوابط والشروط التى تضعها الدولة المصرية للعمل الأهلى الأجنبى على أرضها فمصر دولة ذات سيادة ودولة تقدر عمل المنظمات فى إطار القانون. بالتأكيد هذه المساحة لا تكفى لسرد مواقف إنسانية وعملية للدكتور حافظ أبو سعدة الذى غيبه فيروس كورونا اللعين عن عالمنا ليقف كل محبيه وزملائه وتلاميذه يتبادلون العزاء كأنه شخص وفرد من أسرة كل واحد فيهم، وجميعهم يحاولون رد الجميل وبالوقوف بجانب الناشطة الحقوقية نهاد أبو قمصان زوجته الذى يعرف الجميع كم الحب الذى جمعهما منذ دراستهما بكلية الحقوق والتى قالت عنه فور وفاته حب عمرى وأعظم رجل لبى نداء ربه، بالإضافة إلى الناشط الحقوقى نجاد البرعى الذى كتب كلمة مؤثرة عن صديق عمره واصفه فيها بالصديق الصادق وتحدث عن كيف ارتبط اسميهما ببعضهما البعض «حافظ ونجاد» وكيف بدأ نضالهما سويا فى مجال حقوق الإنسان. كان يرأس الدكتور حافظ أبو سعدة المنظمة المصرية لحقوق الإنسان وهى أول منظمة حقوقية على أرض مصر تم إنشاؤها 1985 يقدم فيها العون والدعم للمواطنين دون تمييز يقف فى وجه الظلم مدافعا عن الحقوق والحريات دون خوف من أى بطش، ظلت هذه المنظمة تعانى من الاعتراف القانونى بها حتى حصلت على حكم قضائى، وفى عام 2003 أنشأت الحكومة المصرية المجلس القومى لحقوق الإنسان وتم تعيين حافظ أبوسعدة عضوا بالمجلس وظل عضوا فاعلا أساسيا انقطعت عضويته فقط خلال فترة الإخوان وقتها عمل بجدية لقتل محاولاتهم الكاذبة بتشويه صورة مصر أمام المجالس الدولية، وعاد أبو سعدة مجددا فى تشكيل الجديد عقب ثورة يونيو وظل عضوا بالمجلس القومى لحقوق الإنسان يقدم دعما لكل من يطرق بابه طالبا للمساعدة. لعب أبو سعدة دورا متميز دوليا مثل رئاسة لجان المجلس القومى لحقوق الإنسان بالعديد من المحافل الدولية وكذلك المشاركة بخبرته وعلمه فى إعداد العديد من الدراسات والبحوث والتقارير التى قام بها المجلس القومى منذ انشائه وحتى الآن ولا أحد يستطيع أن ينكر كم العطاء وأنه عمود من أعمدة هذا الكيان الحقوقى الوطنى المصرى.. عمل بكل جد وإخلاص يشارك جلسات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة فى جنيف بانتظام كممثل للمجلس القومى وللمنظمة المصرية لحقوق الإنسان التى لديها عضوية استشارية لدى الأممالمتحدة تعطيها الحق فى مراقبة جلسات الأممالمتحدة المختلفة وكان عضوا أيضا فى الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان وكان مبعوثها إلى جامعة الدول العربية من عام 2004 إلى عام 2007..وحاصل على الدكتوراه فى القانون الدولى العام ومنذ كان طالبا بكلية الحقوق بداية الثمانيات وكان يهتم بالمشاركة فى الحركة الطلابية وكان يحلم بعالم أفضل أسكنه الله فسيح جناته وصبر كل أحبابه على الفراق.