مع استداد المعركة الانتخابية بين الرئيس الامريكي المنتهي ولايته، دونالد ترامب، ومنافسه الديمقراطي جو بايدن، ينتظر العالم نتائج فرز الأصوات التي أدي بها الأمريكيون أمس في لجان الاقتراع، حيث يملك المرشحين رؤيتين مختلفتين كليا بشأن ما يجب أن يكون عليه العالم، وما ينبغي أن تكون عليه القيادة الأمريكي. والعالم وفقا لدونالد ترامب هو وطنية "أمريكا أولا"، والتخلي عن الاتفاقات الدولية التي يعتقد أنها تمنح أمريكا صفقة غير عادلة، هو عالم أحادي، مربك، قائم على المعاملات التجارية، أما وفقًا لجو بايدن يبدو في صورة أكثر تقليدية لدور أمريكا ومصالحها، وهو ما تأصل في المؤسسات الدولية التي قامت بعد الحرب العالمية الثانية، ويقوم على أساس القيم الغربية المشتركة، والتحالفات العالمية الذي تتزعم فيه أمريكا البلدان الحرة في مواجهة التهديدات العابرة للدول، وفقا لما ذكرته شبكة " بي بي سي" البريطانية. وفي حالة فوز بايدن، ستتغير السياسة الأمريكة التي انتهجها ترامب، يتصدر جدول أعمال جو بايدن الضغط باتجاه إصلاح العلاقات المتوترة، لاسيما مع الناتو، والانضمام للتحالفات الدولية من جديد. وإذا أصب بايدن، رئيس الولايات لمتحدة، وفقا لصحيفة"نيويورك تايمز"، ستعود الإدارة الأمريكية إلى منظمة الصحة العالمية، وستسعى لقيادة استجابة عالمية في مواجهة فيروس كورونا، من المتوقع أن يسعى المرشح الديمقراطي جو بايدن إلى التعاون مع المؤسسات الدولية. وتعتبر حملة ترامب ذلك عملية تغيير كبرى، من أجل إنقاذ صورة أمريكا المتضررة وحشد الديمقراطيات في مواجهة ما تراه موجة متصاعدة من قوى الاستبداد. وترى الباحث دانييل بليتكا من معهد أمريكان إنتربرايز المحافظ أن الأمر يتعلق بالشكل فقط لا بالمضمون، وتعتبر أن إدارة ترامب حققت الكثير على الساحة الدولية، وتتساءل "هل فقدنا أصدقاء نذهب معهم إلى الحفلات؟ نعم، لا أحد يريد أن يذهب إلى الحفلات مع دونالد ترامب. لكن هل فقدنا القوة والنفوذ بالمقاييس المهمة على مدى السبعين عامًا الماضية؟ لا". تغير المناخ وسياسات البيئة وبالنسبة للتغير المناخ، فإن جو بايدن سيجعل محاربة التغير المناخي أولوية، ويعيد الانضمام إلى اتفاقية باريس للمناخ، والتي كانت واحدة من الاتفاقيات الدولية التي تخلى عنها دونالد ترامب. وبينما انتهج ترامب سياسات "حادة" على الساحة العالمية، فيرى أن مواجهة الاحتباس الحراري تهديدًا للاقتصاد، لذا روج للوقود الأحفوري وتراجع عن العشرات من أنظمة حماية البيئة وضوابط المناخ، بينما يروج بايدن لخطة طموحة بقيمة ترليوني دولار لتنفيذ أهداف اتفاقية باريس بخفض الانبعاثات. ويقول إنه سينفذ ذلك من خلال بناء اقتصاد يقوم على الطاقة النظيفة، وستؤدي العملية إلى خلق ملايين الوظائف. إيران أما بالنسبة لإيران، فيقول جو بايدن إنه مستعد لإعادة الانضمام لاتفاقية دولية أخرى تخلى عنها الرئيس ترامب، وهي الاتفاقية التي قضت بتخفيف العقوبات المفروضة على إيران مقابل تقليص برنامجها النووي. وكانت إدارة ترامب انسحبت من الاتفاقية النووية مه إيران عام 2018، قائلة إن الاتفاق أضيق من أن يتعامل مع التهديدات التي تمثلها إيران، وأضعف من أن يحد من النشاط النووي الذي ينتهي مفعوله مع الوقت، وأعاد ترامب فرض العقوبات ويواصل ممارسة الضغوط الاقتصادية، إذ أدرج الأسبوع الماضي معظم القطاع المالي الإيراني على اللائحة السوداء. وردًا على ذلك رفعت إيران بعض القيود على نشاطها النووي. وعلى العكس، يقول بايدن إن سياسة "أقصى ضغط" قد فشلت، ويؤكد أنها أدت إلى تصعيد كبير في التوتر، وأن الحلفاء يرفضونها، وأن إيران صارت الآن أقرب إلى امتلاك سلاح نووي، مقارنة بوقت وصول ترامب إلى البيت الأبيض. ويقول إنه سيعاود الانضمام إلى الاتفاق النووي في حال عادت إيران إلى الالتزام الصارم به، لكنه لن يرفع العقوبات لحين حدوث ذلك. وسيسعى بايدن إلى التفاوض لمعالجة المخاوف التي يشترك فيها مع الرئيس. اليمن وأوضح بايدن أنه سينهي الدعم الأمريكي للحرب في اليمن، ويرى أنها تسببت بارتفاع حصيلة القتلى في صفوف المدنيين، وأدت إلى تنامي معارضة شديدة لانخراط الولاياتالمتحدة في الصراع داخل الجناح اليساري للحزب وبين عدد متزايد من أعضاء الكونجرس. الصراع العربي الإسرائيلي أما بالنسبة للقضية الفلسطينية والتطبيع مع دولة الاحتلال، فرحب جو بايدن بالاتفاق الذي رعاه ترامب بين إسرائيل والإمارات، وعلى غرار الحرس القديم في الحزب الديمقراطي، يعد بايدن داعما مخلصا، ومدافعا قديما عن إسرائيل، وكلمة احتلال لم ترد في برنامج السياسة الخارجية للحزب. ورغم سياسة بايدن الودودة نحو إسرائيل، إلا أنه ليس غير المرجح أن يتبنى سياسات إدارة ترامب تجاه الضفة الغربيةالمحتلة، والتي ترى بأن المستوطنات الإسرائيلية لا تمثل انتهاكًا للقانون الدولي، والتسامح مع الخطط الإسرائيلية للضم الأحادي لأجزاء من الأراضي المحتلة. ويدفع الجناح اليساري داخل الحزب الديمقراطي- والذي صار بات له دور وموقف قوي على صعيد السياسة الخارجية وهو أكثر قوة وحزما مما كان عليه في السنوات السابقة- باتجاه القيام بدور أكبر لحماية الحقوق الفلسطينية. العراقوأفغانستان وعلى غرار ترامب، يرغب بايدن في إنهاء الحربين طويلتي الأمد في أفغانستانوالعراق، وإن كان يريد الحفاظ على وجود عسكري صغير في البلدين للمساعدة في محاربة الإرهاب، كما أنه لن يسعى لخفض ميزانية البنتاجون أو وقف الضربات باستخدام الطائرات المسيرة، رغم ضغوط اليسار. روسيا العلاقة على مستوى القمة ستتغير بالتأكيد، فلطالما بدا الرئيس ترامب مستعدا لأن يسامح بشكل شخصي فلاديمير بوتين على أفعال تنتهك الأعراف الدولية، لكن إدارة ترامب كانت قاسية على روسيا إلى حد كبير، إذ فرضت عليها عقوبات، ومن المحتمل أن يستمر ذلك في حال فاز بايدن بالرئاسة، لكن بدون رسائل متضاربة. وقد يحدث تغييرًا محدودًا على مستوى العلاقة بين رأسي السلطة بين واشنطنوموسكو، وقال نائب الرئيس السابق صراحة لشبكة "سي إن إن" الأمريكية، إنه يعتقد أن روسيا "خصم"، ووعد برد فعل قوي على تدخلها في الانتخابات، وعلى ما يتردد عن دفعها مكافآت لطالبان مقابل استهداف القوات الأمريكية في افغانستان، وهو مالم يتطرق إليه ترامب. وفي حين أوضح بايدن أنه يريد العمل مع موسكو للحفاظ على ما تبقى من المعاهدات التي تحد من الترسانة النووية للبلدين، انسحب ترامب من معاهدتين، واتهم روسيا بالغش، ويسعى للتفاوض بشأن تمديد معاهدة ثالثة ينتهي سريانها في فبراير، أما بايدن فتعهد بتمديدها دون شروط في حال انتخابه. الصين هناك توافق نادر بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي بشأن اتخاذ موقف متشدد مع الصين بشأن التجارة وقضايا أخرى. لكن الخلاف يتعلق بطرق تنفيذ ذلك، فترى شبكة "فوكس نيوز" الأمريكية، أن بايدن سيواصل انتهاج سياسة الرئيس ترامب في مواجهة "الممارسات الاقتصادية الضارة" التي تقوم بها الصين، لكن بالاشتراك مع الحلفاء، على عكس تفضيل ترامب لاتفاقيات التجارة الأحادية. وكانت السياسة التي تنتهجها إدارة ترامب قد نجحت في حشد تأييد عالمي لمقاطعة تكنولوجيا الاتصالات الصينية. ويعد هذا جزءا من تصعيد خطير في الجهود الأمريكية ضد بكين على عدة جبهات، مما دفع بالعلاقات بين البلدين إلى أدنى مستوى لها منذ عقود. ويرى المراقبون أن برنامج بايدن يتخلص في قوله:" إنه يريد إحياء القيادة الأمريكية، لكن العالم أيضا تغير على مدى السنوات الأربع الماضية، في ظل العودة القوية للتنافس بين القوى العظمى، واستطلاعات الرأي التي تظهر تراجع سمعة أمريكا حتى بين أقرب حلفائها، وهؤلاء هم الذين يطمح بايدن إلى قيادته".