قررت بعض الجامعات المصرية إغلاق مساجد الكليات، كونها تحولت طوال سنوات من مكان مخصص للعبادة وأداء الصلوات، إلى «زوايا» استغلتها تيارات الإسلام السياسى لنشر أفكارها بين الطلبة وتجنيد أعضاء جدد، وهو ما تسبب فى مصائب لا حصر لها داخل وخارج الحرم الجامعى، ومنها أيضاً جرى وضع الإطار الفكرى للإسلام الجهادى، مدعوما بحماس الشباب ورغبته فى تطبيق «شرع الله» كما يراه مسئول التنظيم. وحالياً تكتفى بعض الجامعات بالاعتماد على وجود مسجد رئيسى، يضمن سيطرة مسئوليها على جميع أنشطته، لكنها سيطرة سمحت بحكم الرغبة فى القضاء نهائياً على جميع مظاهر الإسلام السياسى الذى أضر الأمن القومى بعنف، بتحول المسجد إلى ساحة للنميمة بين الطالبات، وقامت عاملات نظافة بإقامة «بوفيه» يباع به الحلويات و»الفوط الصحية» كما هو الحال فى جامعتى «القاهرة» و»عين شمس». يقع المسجد الرئيسى بجامعة القاهرة فى منتصف الحرم الجامعى، وهو متنفس طالبات دار العلوم. قبل موعد الصلاة بنحو ساعة تظهر الطالبات فى شكل مجموعات بساحة المسجد، يتحدثن عن الامتحانات وصعوبة المواد، والأرق الذى يحاصر بعضهن منذ بدء السنة الدراسية أو بسبب التوتر الذى يسبق بداية امتحانات التيرم، وبعضهنم يروى بحرقة عن مشاكلهن الأسرية والألم النفسى المصاحب لها. بعض المنتقبات كما توقعت «الفجر»، تنصب نصائحهن للملتزمات على ضرورة القرب من الدين، وعدم ارتداء الملابس غير المحتشمة، والحرص على احتساء المشروبات العشبية الساخنة، مثل الشاى الأخضر، والينسون، والنعناع، والبعد قدر الإمكان عن الشاى والقهوة والنسكافية «بترفع الضغط يا حبيبتى وأضرارها أكثر من فوائدها.. ربنا يعافينا ويخفف عنك، وعن كل أمة محمد». هناك من يضحكن فى مجموعات أخرى، وهناك من انعزلن فى أحد الأركان لمراجعة إحدى المحاضرات أو التحضير لأخرى، وتظل المنطويات هدفاً دائما ل «الملتزمات»، أو من يتصورهن أن بيدهن حلولا لجميع المشاكل. معاناة إحدى الفتيات من تعرضها للضرب المبرح على يد شقيقها لرفضها الزواج تم حل طلاسمها بضرورة موافقتها على الارتباط حتى تتمكن من إنهاء دراستها ثم تنفصل بأى طريقة، ثم «لعله خير». احتفلت الفتيات بعيد ميلاد صديقتهن، وتعالت ضحكات المجموعة عندما بدأن فى ترتيب صور الحدث داخل «بوكس هدايا» لمفاجأة صديقتهن بعد المحاضرة، تخلل ذلك سرد ذكريات كل صورة، مع تصوير الحدث بالفيديو الذى وثق رونق الكعكة التى أعدتها إحداهن فى المنزل خصيصاً للاحتفال بعيد الكميلاد، ولم تخل اللحظة من «نفخ بلالين». مع رفع أذان الظهر اتخذت فتاتان من أحد الأركان مسندًا للراحة ثم بدأتا بالبحث فى أرشيف الصور بالموبايل لاختيار أنسب فستان لحفل خطوبة شقيقة إحداهن. وبعد مشاورات تم الاتفاق على شراء قماش الفستان من وكالة البلح، بالإضافة لقماش «خمار» من نفس اللون قبل الذهاب للخياطة. إحدى الصديقات عرضت الذهاب إلى «ميك آب آرتست» تعرفها، وفى النهاية اقتنعن بالأخذ بموضة «نو ميكب»، التى تعتمد على ماكياج خفيف وطبيعى. كانت إحدى المشاكل التى استحوذت تماما على اهتمام الكثيرات تتعلق بالزواج فى منزل عائلة الزوج، وتطرق الحديث إلى معاناة إحدى الطالبات المتزوجات مع حماتها التى تسيطر على كل كبيرة وصغيرة، بل وتسيطر على الزوج شخصياً. وتعتبر الطالبات المتزوجات مسجد الجامعة المساحة الهادئة للراحة فى الوقت الفاصل بين امتحانات «الميدتيرم»، بعضهن حوامل، اجتمعن للحديث عن متاعب الحمل مع الامتحانات والمذاكرة والاهتمام بالبيت، ومصاعب الحياة اليومية. وتطرق الحديث لأدوية الفيتامينات، وصور الأشعة الفور دى وخطورتها على الجنين، وعن أفضل الأطباء فى متابعة الحمل وعناوينهم، وأسعار المتابعة. فى الصباح لن يكون غريباً أو مستهجناً أن تجد بقايا طعام اليوم السابق فى أحد أركان مسجد جامعة الأزهر، بالإضافة للمصليات الملقاة فى جميع الأركان، والمصاحف المتراكمة بغير ترتيب فى غير أماكنها، ثم تبدأ حملة النظافة التطوعية التى تقوم بها الفتيات يومياً. وبصوت عال فاجأ الحضور قالت إحداهن «فيه مقشة خارج المسجد، ومش عارفة بتاعة مين، عاوزة استخدمها، أعمل إيه» ولم يتفاعل معها أحد. بعدها رفعت صوتها: «عاوزة فتوى لاستخدام المقشة بعد إذنكم»، فقالت لها إحداهن: حلال لأنك هتكنسى بيها بيت ربنا، مش هتسرقيها، خلصى ورجعيها مكانها لحد ما نلاقى مقشة الجامع». وبسؤال الفتيات عن المسئول عن نظافة المسجد، قلن بأن عاملة النظافة لا تتواجد إلا نادرًا، ولذلك يعتمدن على أنفسهم، وأثناء ذلك عاتبت فتاة التى طلبت الفتوى بشأن «المقشة» بسبب صوتها العالى، وقالت إحداهن إن الأمر لم يكن يحتاج هذا الشو.