رغم وجود ملايين المواقع الإلكترونية التى تتسع بقدر حجم الإنترنت نفسه، إلا أن هذا الفضاء الإلكترونى يتضمن جزءاً أكثر إثارة ورعباً معروفا بين محترفى الدخول على الشبكة العنكبوتية ب"الانترنت المظلم"، أو شبكة الشيطان، وهو ليس مجرد مواقع للقمار أو بيع المخدرات أو حتى لتجنيد الأفراد للتنظيمات الإرهابية، ولكنه شيء آخر مخيف. شبكة الإنترنت المظلمة، جزء من الإنترنت الخفى الذى لا يظهر على محركات البحث التقليدية والمعروفة، ويتطلب الوصول إلى هذه الشبكة استخدام متصفح مجهول يسمى "Tor"، يقوم بسهولة بإخفاء هوية المواقع ومستخدميها كذلك باستخدام أداة تشفير تسمى أيضاً "Tor"، التى تجعل الموقع يبدو فى بلد مختلف عن مكان تواجده الحقيقى، ما يجعله يشبه إلى حد كبير استخدام خدمة «VPN». وعندما يتم تشغيل موقع على شبكة الإنترنت من خلال "Tor"، يكون له نفس التأثير، ونفس الأمر ينطبق على المتصفح، فهناك طبقات من السرية التى تجعل من الصعب التعرف على المستخدم، وباختصار لا توجد جهة يمكن لها تتبع أصحاب المواقع أو مستخدميها ما يجعل الإنترنت المظلم المكان المناسب لممارسة الأنشطة الإجرامية. وبدلاً من البحث عبر الإنترنت التقليدى عن مواقع تمارس نشاطاً غير مشروع، يتم اللجوء إلى الشبكة المظلمة التى تضم كافة أشكال الأنشطة الإجرامية، ويعتبر الانترنت المظلم سوقاً ضخمة للمجرمين ويقال إن حجم التبادلات المالية بداخله تصل ل500 ألف دولار على الأقل يومياً. ويمكن لأى مستخدم لإنترنت الشيطان شراء أرقام بطاقات الائتمان، وجميع أنواع المخدرات، والبنادق، والأموال المزيفة، وبيانات اعتماد الاشتراك المسروقة، وحسابات نتفليكس والبرامج المخترقة التى تساعدك على اقتحام أجهزة الكمبيوتر الخاصة بالأشخاص الآخرين. ويمكن من خلال الإنترنت المظلم شراء بيانات اعتماد تسجيل الدخول إلى حساب ب50 ألف دولار من بنك أمريكا مقابل 500 دولار، أو الحصول على 3 آلاف دولار فى شكل فواتير مزيفة مقابل 600 دولار، وشراء 7 بطاقات خصم مسبقة الدفع، تتضمن كل منها رصيدا بقيمة 2500 دولار، مقابل 500 دولار "شامل الشحن السريع"، ويمكن الحصول على حساب نتفليكس المتميز مدى الحياة، مقابل 6 دولارات، كما يمكن استئجار المتسللين لمهاجمة أجهزة الكمبيوتر نيابة عن المستخدم أو شراء أسماء المستخدمين وكلمات المرور، والأخطر يمكن أيضاً استئجار القتلة المحترفين. وجذبت الأسواق التجارية المظلمة التى ترتبط بالمعاملات الخاصة بالمخدرات غير المشروعة والسلع الأخرى، تغطية إعلامية مهمة فى ظل شعبية موقع مثل "طريق الحرير" و"سوق ديابولوس" واستيلاء السلطات القانونية عليهما لاحقاً. وموقع طريق الحرير هو الموقع الأشهر حيث تتم كافة أشكال المعاملات غير المشروعة، والذى وصلت حجم تعاملاته فى فترة من الفترات إلى ما يقرب من مليار دولار. وتعد الشبكة المظلمة الملعب الرئيسى لخدمات المتسللين والهاكرز الذين يقدمون خدمات القرصنة للمؤسسات المالية والبنوك على الشبكة المظلمة، كما تستخدم العديد من المنظمات الإرهابية الشبكة المظلمة لتبادل الاتصالات والتجنيد. بعد أحداث شارلى إبدو فى فرنسا 2015، ألقت السلطات الفرنسية القبض على القائمين على موقع فى الشبكة المظلمة مرتبط بمنفذى الحادث الإرهابى، ومنذ سنوات، تعود عناصر تنظيم داعش الإرهابى استخدام شبكة الويب المظلمة كأداة للدعاية والتجنيد وجمع الأموال. وتستخدم وكالات الاستخبارات، مثل وكالة الأمن القومى الأمريكية "ناسا"، برامج مثل "XKeyscore" لمعرفة هوية مستخدمى "Tor". لا ينبغى أن يكون من المفاجئ أن يكون الإنترنت المظلم ممتلئاً بعمليات الخداع والنصب، حيث يجب على المستخدم أن يدرك أنه يتعامل مع المجرمين المحترفين. أما أحد أظلم الأجزاء فى الشبكة الشيطانية فهو الاتجار بالبشر، وهى الصورة الأكثر إزعاجاً لأنه يتم من خلالها بيع الأفراد كممتلكات لأعلى سعر. فى الإنترنت المظلم، يكون المستخدم أكثر عرضة لهجمات البرامج الضارة مع وجود العديد من الروابط التى تخبئ البرامج الضارة السرية التى سيتم تنزيلها إلى جهاز الكمبيوتر الشخصى، وكل ما يتطلبه الأمر هو نقرة واحدة خاطئة لتحقيق ذلك. دخول هذه الشبكة المظلمة يجعلك فى مواجهة مباشرة مع عالم الجريمة من مختلف أنحاء العالم، فكما يسهل الوصول إلى كل الأنشطة الإجرامية التى يمكن أن يتضمنها عالم الانترنت، يجعل المستخدم عرضة للتعامل مع المجرمين والقتلة. وعلى سبيل المثال تمكن أحد الهاكرز فى كندا من معرفة هوية صاحب موقع طريق الحرير، والذى يدعى روس ويليام، وهدده بفضح أسماء الشخصيات التى تتعامل مع الموقع، فاستأجر روس بدوره هاكرز آخر للتعرف على الهاكرز الكندى، وبالفعل الأخير نجح فى تحديد هوية صاحب التهديد وأرسل قاتلاً مأجوراً لاغتياله، ونتيجة لهذه الحادثة تم القبض على ويليام روس الذى يقضى عقوبة السجن مدى الحياة فى كندا. لكن ليس كل شيء غير قانونى، فالشبكة المظلمة لها جانب شرعى، منها على سبيل المثال، إمكانية الانضمام إلى نادى شطرنج أو بلاك بوك، وهى شبكة اجتماعية تم وصفها بأنها "فيس بوك" الشبكة المظلمة، ورغم ذلك ينصح خبراء الأمن بعدم التفكير فى دخول هذه الشبكة المظلمة لأن الدخول إليها أقرب إلى الدخول إلى معاقل العصابات.