مصر الأولى عالمياً ■ «التعبئة والإحصاء» قدر نسبة عمليات الولادة القيصرية ب54% وإحصائيات أخرى تقدرها بنسبة 99% فى المستشفيات الكبرى ■ العمليات المتكررة تهدد الأم بالإصابة بالتصاقات المشيمة والرحم وتؤدى أحياناً للوفاة لم تعد الولادة فى مصر حدثاً اجتماعياً تنتظره الأسرة بفرح، ولكنه تحول إلى عبء جديد يضاف إلى قائمة الأعباء التى تطارد الأب الجديد، بالهموم ليلاً، وتذله نهاراً، بسبب توحش الأطباء ونهمهم للمال لتحقيق ثروة أكبر فى أقل وقت ممكن، حتى لو تعرض المولود والأمهات إلى الخطر، والأب إلى الإفلاس. بيزنس الولادة أمر معروف فى أوساط أطباء النساء والتوليد، بسبب زيادة أعداد النساء المنجبات فى بلد أكثر من 55 % من سكانه شباب قادرون على الإنجاب، ورغم ذلك لجأ أطباء النساء والتواليد إلى إجراء الولادة بعمليات قيصرية يبقرون فيها أجساد الشابات، ويفتحون بطونهن لاستخراج الطفل الجديد، حتى ولو لم تكن حالة الأم تحتاج لإجراء هذا النوع من الجراحات. وفقاً لجهاز التعبئة والإحصاء بلغ عدد المواليد عام 2014، 2 مليون و720 ألفا و495 مولودا، وبحسبة بسيطة إذا كان 85% من هؤلاء المواليد يولدون قيصرياً، فإن سبوبة القيصرى تحقق مكاسب سنوية للأطباء تقارب 2 مليار جنيه سنوياً على الأقل حيث تبدأ تكلفة العملية من 4 آلاف جنيه إلى 15 ألف جنيه، حسب شهرة الطبيب، ومستوى المستشفى. تحتل مصر بجدارة المرتبة الأولى بين دول العالم فى نسبة الولادة القيصرية التى بلغت وفق جهاز الإحصاء، ل54% لكن عدداً كبيراً من أطباء الأطفال المشرفين على أقسام الحضانات فى أغلب مستشفيات الولادة قدرتها ب85% حيث أكدوا أن هناك مستشفيات كبرى متخصصة فى الولادة تصل فيها نسبة العمليات القيصرية ل99%، ما أدى إلى زيادة خبرة الأطباء بالولادة القيصرية، وأصبح هناك آخرون لا يعرفون كيفية إجراء الولادة الطبيعية لأنهم ببساطة لم يلجأوا إلا للولادة القيصرية فقط طوال مشوارهم الطبى. ويلجأ تجار النساء والتوليد إلى العملية القيصرية لأنها تتيح له إجراءها فى وقت محدد وخلال أقل من نصف ساعة، رغم أن الولادة القيصرية تتم فى حالات معينة تكون فيها الأم والجنين معرضين لأخطار فى حال الولادة الطبيعية، التى قد تستغرق فى بعض الأحوال العادية عدة ساعات، ما يخفض نسبة العمليات التى يقوم بها الطبيب الواحد إلى عمليتين على الأكثر فى اليوم، بفرض تنقله بين السيدات، بينما يستطيع إجراء 5 عمليات قيصرية على الأقل، ما يعنى مضاعفة أرباحه 3 مرات على الأقل بالنظر إلى ارتفاع تكلفة النوع الأخير، وهو ما أدى فى النهاية إلى وصول نسبة العمليات القيصرية فى مصر ل85%، وهى إحدى النسب العالية على مستوى العالم. ويلجأ الكثير من أطباء النساء والتوليد إلى الولادة القيصرية لعدة أسباب أولها أن سعر القيصرى أعلى من الطبيعى وبالتالى تحقق ربحا أكبر للطبيب، كما أن موعد الولادة الطبيعية مجهول وبالتالى قد يجرى الطبيب عملية الولادة فى أيام العطلات وفى ساعات متأخرة من الليل، كما أنه سيكون مضطراً لانتظار الولادة والبقاء قرب الحالة بدءاً من ظهور علامة الولادة وحتى حدوثها ما يستغرق ساعات طويلة قد تصل إلى 12 و18 ساعة. أما فى حالة الولادة القيصرى فالطبيب يحدد مع الأم مسبقاً موعد الولادة فى توقيت مناسب له، ولن يكون عرضة لمفاجآت الولادة الطبيعية، كما أن الولادة القيصرية يستغرق إجراؤها من 30 إلى 40 دقيقة وبالتالى فالطبيب يمكنه إجراء أكثر من عملية قيصرية فى اليوم الواحد. وتتعدد حالات اللجوء إلى الولادة القيصرية، منها إصابة الأم بفيروس أو عدوى قد تنتقل إلى الجنين مثل الإصابة بالهربس التناسلى، وإذا كان موضع المشيمة منخفض عند مدخل الرحم، وإذا كان وضع الجنين غير طبيعى، عرضى أو جانبى أو فى حال نزول قدميه أولاً، وفى حالات تسمم الحمل، أو وجود توأم أحدهما غير مكتمل النمو أو فى وضع غير طبيعى، أو أن تكون هناك صعوبة فى وصول الأكسجين للجنين وقت الولادة، وعدم حدوث انقباضات جيدة تحفز الولادة الطبيعية، وفى حالة حدوث نزيف مهبلى خلال الولادة، أو زيادة عمر الأم عن 35 سنة ما يجعلها أكثر عرضة لمضاغفات الحمل والولادة. الأخطر أن بعض الأطباء يخدعن الأمهات بأن ولادتهن الطبيعية مستحيلة، وأنهن يجب خضوعهن لعمليات قيصرية، وتقع كثير من السيدات فى هذا الفخ، خاصة اللاتى يلدن للمرة الأولى، كما أن هناك أطباء يخدعن الأم طوال فترة الحمل بأن حالتها غير مستقرة ويبالغن فى طلب الأشعة والتحاليل من مراكز متعاقدين معها مسبقاً. تقول علا إبراهيم ل «الفجر» إنها كانت تتابع حملها مع طبيبة من كبار أطباء النساء والتوليد، ومع اقتراب موعد الولادة أقنعتها الأخيرة بأن حجم الحوض لديها ضيق جداً، وأنه من المستحيل أن تلد بشكل طبيعى لأن الجنين قد يختنق، وحددت معها موعداً للولادة القيصرية، بعد نهاية عيد الفطر الماضى مباشرة، تكون فيه الطبيبة عادت من إجازتها التى تقضيها بالساحل مع أسرتها، إلا أن علا شعرت بآلام الولادة فى أول أيام العيد، فتوجهت مع أسرتها إلى أقرب مستشفى للولادة وهناك ولدت بشكل طبيعى وبمنتهى البساطة. أما سالى مصطفى، فكانت تتابع حملها عند أحد الأطباء، وكان طوال فترة المتابعة يرجئ الحديث عن كون الولادة طبيعية أو قيصرية حتى اضطرت إلى سؤال الممرضة العاملة فى عيادته والتى ابتسمت مندهشة: «هو حد دلوقتى بيولد طبيعى.. قيصرى طبعاً»، وهو ما دفعها لتغيير الطبيب فوراً. وقالت رانيا عبدالرحمن: «كنت أتابع حملى مع أحد الأطباء ومع بداية الشهر الثالث طلب منى إجراء أشعة رباعية الأبعاد بدعوى احتمالية أن يكون الطفل لديه عيبا خلقيا أو طفلا منغوليا، ومن شدة خوفى أجريت الأشعة فى مركز أرسلنى له، والتى كلفتنى 500 جنيه، وفى الشهر السادس طلب منى إجراء الأشعة مرة أخرى بدعوى التأكد من مجريات الدم بشرايين الطفل وبقلبه وبالفعل توجهت لنفس المركز ودفعت 500 جنيه أخرى وتبين أن الطفل سليم تماماً، وبعد 3 أسابيع توجهت إليه فى موعد المتابعة ففوجئت به يطلب أشعة جديدة بدعوى أنه يشك فى أن المشيمة لا توصل الغذاء للجنين وأن حجمه أقل بكثير من عمره، وأنه فى حال التأكد من هذه الأعراض سيضطر لإجراء جراحة قيصرية». وأضافت: «لم أنم يومين أنا وزوجى من شدة الخوف، انتظاراً لموعد الأشعة حتى أقنعتنى إحدى صديقاتى بتغيير الطبيب فتوجهت لآخر مشهود له بالكفاءة وبالكشف العادى بالسونار، ودون أن أحكى له قصتى مع زميله أكد لى أن الحمل طبيعى وحجم الطفل مناسب وتغذيته سليمة ونبضات قلبه جيدة، فأيقنت أن الطبيب الأول كان يخيفنى كى أجرى أشعات، خاصة بعد أن علمت أن المتابعة بالكامل طوال فترة الحمل لدى الطبيب الجديد 1400 جنيه فى حين حملنى الطبيب السابق 1000 جنيه تكلفة الأشعة فقط وكان سيكبدنى 500 أخرى بخلاف ثمن الكشف فى كل متابعة والذى يصل ل100 جنيه كل 3 أسابيع». ويقول الدكتور محمد الجداوى، أستاذ النساء والتوليد، أحد الأطباء الحريصين على الولادة الطبيعية، إن هناك أمهات يطلبن الولادة القيصرية، حتى لو كانت حالتهن لا تستدعى ذلك، خوفاً من آلام الولادة الطبيعية، وأحياناً لوضع حد لفترة الحمل التى ربما سببت لها كثير من الألم والمتاعب، وبالنسبة لكثير من الأطباء فهى أسهل وتحقق مكسب أكبر وأسرع. وأضاف، الجداوى ل «الفجر» إن الولادة القيصرية ليست سيئة ولكنها تسبب أضراراً للأم، منها أنه لا يمكنها الولادة سوى 3 مرات على الأكثر، وإلا باتت عرضة للإصابة بمضاعفات مثل التصاق المشيمة والتصاقات فى الحوض قد تؤدى إلى الوفاة واحتمالية التعرض لاستئصال الرحم كما أنها قد تكون عرضة لمشكلات سببها التخدير. وتابع: الأم التى تلد قيصرى لا يمكنها الحمل قبل 18 شهراً، كما أن نسبة الشعور بالألم بعدها أكبر لوجود جرح بالبطن، وآخر بالرحم بعكس الولادة الطبيعية، وهو ما دفع منظمة الصحة العالمية للإقرار بأن نسبة القيصرى فى أى دولة يجب ألا تزيد عن 30%، وبالتالى على أى دولة تزيد فيها نسبة هذا النوع من العمليات فرض إجراءات لخفضها مثلما فعلت حكومة البرازيل التى فرضت توحيد سعر نوعى الولادة ما ساهم فى خفض النسبة لديها من 65 إلى 40 % ولاتزال النسبة مستمرة فى الانخفاض بعد أن كانت من أكبر الدول فى الولادة القيصرية. مصر ليست الوحيدة التى تزيد فيها نسبة الولادات، حيث وصلت نسبة هذه الجراحات فى البرازيل ل65 %، ما جعلها من أكبر الدول فى معدل الولادة القيصرية، ما دفع الحكومة البرازيلية للحد من نسب هذه العمليات، وبدأت بإجبار الأطباء والمستشفيات على إجراء العمليات والولادات بنفس القيمة، ما ساعد فى خفض نسبة الولادات القيصرية إلى حد كبير، فيما تعتبر كثير من الدول وعلى رأسها الجزائر الولادة القيصرية بدون مبرر جريمة مكتملة الأركان، حيث وضعت الحكومة الجزائرية مجموعة شروط لها، منها أن يزيد وزن الجنين على 4 كيلوجرامات، وأن تكون هناك خطورة على الأم أو الجنين فى حال إجراء الولادة الطبيعية، كالتفاف الحبل السرى حول الطفل أو صغر حجم حوض الأم، ما قد يعرض الطفل للاختناق، باستثناء ذلك لا يقدم أى طبيب على إجراء عملية قيصرية وإلا بات خارجاً على القانون. أدى انتشار ظاهرة الولادة القيصرية فى مصر بهذه الصورة إلى تكوين مجموعة من الأطباء من مختلف التخصصات ما يسمى بجماعة العودة إلى الطبيعة لمواجهة الانتشار المفجع وغير المبرر لظاهرة الولادة القيصرية التى حولت الولادة إلى بيزنس سبوبة تدفع ثمنها الأسرة بأكملها بدءاً من الأب الذى يتحمل تكلفة ولادة أعلى من قيمتها الحقيقية إلى الأم التى تخضع لعملية جراحية فتح فيها الطبيب بطنها ويشق رحمها، وصولاً إلى الطفل أو الجنين الذى غالباً ما تحرمه القيصرية من البقاء فى رحم والدته حتى نهاية فترته الطبيعية وما يترتب على ذلك من آثار.