دائمًا ما يستغيث المصريين بالمسؤولين حول إيجاد حل لأزمة العشوائيات، مُنبهين إلى أنها باتت قنبلة موقوتة في وجه الدولة وتهددها، وظلوا يتساءلون عن سبب عدم اهتمام الدولة بها وحلها حتى تركتها تنتشر في جميع المحافظات، ليصبح الأمر لغزًا يحير الجميع. والتقطت "الفجر" طرف الخيط لحل هذا اللغز، بعد المشهد الهزلي الذي حدث أمس الأربعاء، بمحاصرة العشرات من "المواطنين الشرفاء"، كما أطلق عليهم بعد ثورة 25 يناير لمحيط نقابة الصحفيين، أثناء انعقاد الجمعية العمومية الطارئة لها، رافعين صور الرئيس عبدالفتاح السيسي، وملوحين بإشارات خارجه في وجه الصحفيين، وموجهين لهم أفظع الشتائم والألفاظ الخادشة للحياء، متحامين في ضباط الداخلية الذين كانوا يقفوا أمامهم دون أن يحركوا ساكنًا، على الرغم من اعتدائهم على بعض الصحفيين. ويجسد هذا المشهد مأساة استغلال وزارة الداخلية حاجة المواطنين من أبناء العشوائيات الذين أرهقتهم الأزمة الاقتصادية لدفعهم في المشهد السياسي، لتعود بذلك الوزارة مرة أخرى إلى سياساتها القديمة في عهد الوزير الأسبق "حبيب العادلي"، الذي اعتاد أن يستعين بهم في انتخابات مجلس الشعب. ووسط العديد من الصور التي تم التقاطها حول النقابة لهؤلاء "المواطنين الشرفاء"، التقطت صورة لسيدة ترتدي جلبابًا أسودًا وترقص "حافية القدمين" أمام النقابة على نغمات أغنيات تسلم الأيادي وبشرة خير، ملوحة بإصبعها في إشارة مخلة بالآداب للصحفيين لتثير استفزازهم. وتداولت هذه الصورة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، لتثير الجدل من جهة حول هذه المرأة التي ارتضت أن تكون في هذا الموقف مقابل مبلغ لا يتخطى ال 200 جنيهًا، ومن جهة أخرى التعاطف مع هؤلاء الفقراء الذين استغلت جهة من الجهات السيادية بالدولة فقرهم وجوعهم وأقحمتهم في أمور لا علاقة لهم بها. وكانت "الفجر" تصادفت بلقاء هذه السيدة التي تم التسجيل معها في تقرير عن منطقة "تل العقارب" بالسيدة زينب، منذ أن أمر محافظ القاهرة آنذاك "جلال السعيد" بإزالة المنطقة، ونقل سكانها إلى المقطم، في ديسمبر الماضي، والتي كشفت أنها خرجت من السجن بعد أن قضت فيه 10 سنوات، وتعمل في "المدبح". كما قالت إنها تسكن وشقيقتها التي خرجت من السجن أيضًا منذ وقت قريب في المنطقة، ولديها ابن يدرس في دبلوم صناعي، موجهة نداء حينها إلى الرئيس السيسي قائلة: "احنا اللي انتخبناك.. والعشوائيات هي اللي نزلت في انتخابك". هذه السيدة التي يعرفها أهالي منطقتها ب"البلطجية" ويخاف منها أغلبهم لسوء أخلاقهم، والتي يحمل وجهها علامة إثر جرح طولي قديم، لتكمل صورة البلطجية شكلًا وروحًا، لم تستطيع القراءة والكتابة وظلت داخل السجن لسنوات، جاءت اليوم لتحمل صورة "السيسي" وأهانت الصحفيين في محيط نقابتهم، لم تعرف القراءة لتتصفح الجرائد، أو حتى تعلم ما هي نقابة الصحفيين ولماذا هي نقابة للصحفيين، أو مقرها لتتظاهر ضدها اليوم. صدفة ساعدتنا على التعرف على هذه السيدة التي كانت مثالًا للعشرات من الذين تواجدوا اليوم في محيط مقر صاحبة الجلالة، لم يعيد مشهدها علينا مأساة النظام الأسبق فقط وتكرار الداخلية لأخطائها، بل إنه يدعو للحزن لاستمرار استغلال جهل وفقر واحتياج هؤلاء.