عندما تسقط الحدودُ نهائياً بينكِ وبين القصيدة.. ويصبح النومُ على وَرَقة الكتابة ليسَ الأمر سهلاً كما تصورين.. خارج إيقاعات الشعرْ»، كلها كلمات رقيقة شكَلت وجدان الكثيرين، من منا ينسى قصائد الرائع «نزار قباني»، الذي تحل ذكرى ميلاده الثالثة والتسعون اليوم، وقد وصفه النقاد بأنه «مدرسة شعرية وحالة اجتماعية وظاهرة ثقافية فريدة»، حيث يعد شاعرًا حقيقيًا له لغته الخاصة، إلى جانب كونه جريئًا في لغته واختيار موضوعاته. ميلاده في حيّ «مئذنة الشحم» وُلد نزار وشبّ في دمشق القديمة، في الواحد والعشرون من مارس 1923، ورث من أبيه ميله نحو الشعر، كما ورث عن جدّه حبه للفن بشكل مختلف. فبدأ بكونه خطّاطاً تتلمذ على يد خطّاط يدويّ ثم اتّجه للرسم وما زال يَعشقُ الرسم حتّى أن له ديواناً يُسمّى الرسم بالكلمات، ومن ثم شُغف بالموسيقى، وتعلّم على يد أستاذ خاص العزف والتلحين على آلة العود، لكنّ الدراسة خصوصًا خلال المرحلة الثانوية، جعلته يعتكف عنها، ثُمّ استقر في النهاية على كتابة الشعر. يعد أحد أبرز وأشهر الشعراء العرب، وأكثرهم جدلاً في العصر الحديث، حصل على البكالوريا من مدرسة الكلية العلمية الوطنية بدمشق، ثم التحق بكليّة الحقوق بالجامعة السورية، كان يتقن اللغة الإنجليزية، لاسيما وأنه تعلم تلك اللغة على أصولها، عندما عمل سفيراً لسوريا في لندن، بين عامي 1952- 1955. قصة حبه مع "بلقيس" كان نزار وحيدا تماما وكانت بلقيس قبيلة من النساء، هيفاء فرعاء يكاد شعرها يلامس الأرض في استرسال لم تر عين نزار مثله، وهكذا رآها بشكل جعلة يعود إلى كتابة الشعر مرة أخرى بعد توقف دام ثلاث سنوات، لم يكن يعرف له نزار مبررا ويقول آنذاك :« لكنها بلقيس أعادت الحبر للأقلام مثلما اعادت الدماء للعروق». عاش نزار مع بلقيس التي تربعت على عرش قلبه أجمل قصة حب لكنها ككل قصص الحب في المدن العربية جوبهت ب(لا)كبيرة جدا لكن الحب الصادق لم يهزم وبقي الأمل موجودا لينير درب العاشق لقد كان الاعتراض الأقوى على تاريخ نزار الشعري وكانت مجموعاته الغزلية وثائق أشهرها أهل بلقيس ضده لكن الشاعر كان قد عاهد محبوبته على الوفاء لحبهما والزواج .. ظل نزار يلاحقها بإصرار شديد مدة سبع سنوات، رفضت من خلالها بلقيس أشخاصا عديدين لأنها تحب نزار على الرغم من أنه يكبرها كثيرا، وكانت لم تتجاوز ال 23 من عمرها وهو في سن الأربعين. رفض زواج بلقيس من نزار فلم تصلح شهرة نزار ولا مركزه الدبلوماسي السابق ولا قلبه الذي تربعت فيه ابنة الرجل العراقي ولا قلبها الذي احتله الشاعر السوري، حيث لم يشفع كل هذا في ترقيق قلب «الراوي» والد بلقيس، ولا تفتيح عقله الذي لم يدله على قوة الحب وجبروته فحين يجمع بين البشر فلا لغة ولا دين ولا جنسية ولا عرق تعوقه إنها الثقافة الرحبة التي تصب الحياة في قالب صلب. لجوء عراقي ولجأ نزار إلى العراق، كاللجوء السياسي الذي يضمن الحياة بكرامة لطالبها، واستمع رئيس الجمهورية العراقية «أحمد حسن البكر» إلى القصيدة وتحرك فيه الإنسان المثقف الشاعر فقبل طلب اللجوء الغرامي الذي تقدم به نزار السوري لابنة بلده العراقي، وشكل الرئيس وفدا لخطبة بلقيس ونزار تكونت من: الشاعر شفيق الكيالي، وزير الشباب، والشاعر شاذل طاقه وكيل وزير الخارجية، ورعاية أحمد حسن البكر، هذا الوفد تسميه التقاليد القبلية (الجاهة) أي وجهاء القوم، إذا طلبوا لا يرد لهم طلب وإلا أصبح الرافض خصما للقبائل، والعرب عادة يحترمون طلبات الالتجاء فيدخلون في حمايتهم طالب الحماية حتى لو كان قاتلا، وبالفعل لم يرد الراوي طلب الدولة الأول في تاريخ البشرية، ووافق الرواي وانتصر الحب وانتصرت الشجاعة. أربعه أيام كاملة على قدميه في انتظار بلقيس وفي عام 1980 كانت لبنان قد انفجرت حتى جاء اليوم الذي فقد فيه نزار فاتنته العراقية، فقد قتلت بلقيس عام 1981 في حادث انفجار دمر السفارة العراقية في بيروت، وصارت السفارة العراقية في بيروت ركاما من الحجر والبشر، جرى نزار إلى الحطام ليأخذ بلقيس التي كانت تؤدي واجبها لصالح لبنانوالعراق جرى ليأخذها في يده، وفي حضنه خارج الدمار والغباء وقف نزار أربعه أيام كاملة على قدميه فى انتظار بلقيس. لا طعام، لا نفس والباحثون في الحطام والركام يبحثون، أربعة قرون في أربعة أيام بعدها أخرجوا جسمانا في عظمة سبابته اليسرى خاتم زواج منقوش عليه اسم نزار. وصارت السفارة العراقية في بيروت ركاما من الحجر والبشر، جرى نزار إلى الحطام ليأخذ بلقيس التي كانت تؤدي واجبها لصالح لبنانوالعراق جرى ليأخذها في يده، وفي حضنه خارج الدمار وقف نزار أربعه أيام كاملة على قدميه في انتظار بلقيس، لا طعام، والباحثون في الحطام والركام يبحثون، وبعد أربعة أيام أخرجوا جسمانا في عظمة سبابته اليسرى خاتم زواج منقوش عليه اسم نزار. جرحه الأكبر زوجته بلقيس شاعر الحب والياسمين عرف مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولاً إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته «الأمير الخرافي توفيق قباني». وفاته وهكذا بعد أن علم قبانى الكثيرين معنى الحب، وأثر فيهم بقصائده العذبة وأسلوبه السهل البسيط الذى يصل إلى القلب مباشرة، رحل نزار عن عالمنا في أبريل عام 1998 عن عمرٍ يُناهز 75 عاما، حيث كان يعانى من تردى أوضاعه الصحية، وقد توفي بسبب أزمة قلبية في لندن، وكتب في وصيته قبل الوفاة: "أتمنى أن يتم دفني في دمشق، فهي الرحم الذي علمني الشعر الذي علمني الإبداع والذي علمني أبجدية الياسمين. وتم دفن قباني في «باب صغير»، بعد أربعة أيام من كتابته وصيته، بعد جنازة حاشدة شارك فيها مختلف أطياف المجتمع السوري إلى جانب فنانين ومثقفين سوريين وعرب. ً.