حملة لتوفير أجهزة كمبيوتر.. دعوات لتأهيل المدارس لتعليم التكنولوجيا | تفاصيل    تراجعت على العربات وبالمحال الصغيرة.. مساعٍ حكومية لخفض أسعار سندوتشات الفول والطعمية    وفقا لوزارة التخطيط.. «صيدلة كفر الشيخ» تحصد المركز الأول في التميز الإداري    الجيش الأوكراني: 96 اشتباكا قتاليا ضد القوات الروسية في يوم واحد    طائرات جيش الاحتلال تشن غارات جوية على بلدة الخيام في لبنان    3 ملايين دولار سددها الزمالك غرامات بقضايا.. عضو مجلس الإدارة يوضح|فيديو    كرة سلة - ال11 على التوالي.. الجندي يخطف ل الأهلي التأهل لنهائي الكأس أمام الجزيرة    المقاولون العرب يضمن بقاءه في الدوري الممتاز لكرة القدم النسائية بعد فوزه على سموحة بثلاثية    تصريح مثير للجدل من نجم آرسنال عن ليفربول    السجن 15 سنة لسائق ضبط بحوزته 120 طربة حشيش في الإسكندرية    إصابة أب ونجله سقطا داخل بالوعة صرف صحي بالعياط    خناقة شوارع بين طلاب وبلطجية داخل مدرسة بالهرم في الجيزة |شاهد    برومو حلقة ياسمين عبدالعزيز مع "صاحبة السعادة" تريند رقم واحد على يوتيوب    رئيس وزراء بيلاروسيا يزور متحف الحضارة وأهرامات الجيزة    بفستان سواريه.. زوجة ماجد المصري تستعرض جمالها بإطلالة أنيقة عبر إنستجرام|شاهد    ما حكم الكسب من بيع التدخين؟.. أزهري يجيب    الصحة: فائدة اللقاح ضد كورونا أعلى بكثير من مخاطره |فيديو    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    بديل اليمون في الصيف.. طريقة عمل عصير برتقال بالنعناع    سبب غياب طارق مصطفى عن مران البنك الأهلي قبل مواجهة الزمالك    شيحة: مصر قادرة على دفع الأطراف في غزة واسرائيل للوصول إلى هدنة    صحة الشيوخ توصي بتلبية احتياجات المستشفيات الجامعية من المستهلكات والمستلزمات الطبية    رئيس جهاز الشروق يقود حملة مكبرة ويحرر 12 محضر إشغالات    أمين عام الجامعة العربية ينوه بالتكامل الاقتصادي والتاريخي بين المنطقة العربية ودول آسيا الوسطى وأذربيجان    سفيرة مصر بكمبوديا تقدم أوراق اعتمادها للملك نوردوم سيهانوم    مسقط تستضيف الدورة 15 من مهرجان المسرح العربي    فيلم المتنافسون يزيح حرب أهلية من صدارة إيرادات السينما العالمية    إسرائيل تهدد ب«احتلال مناطق واسعة» في جنوب لبنان    «تحيا مصر» يوضح تفاصيل إطلاق القافلة الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة    وزير الرياضة يتابع مستجدات سير الأعمال الجارية لإنشاء استاد بورسعيد الجديد    الاتحاد الأوروبي يحيي الذكرى ال20 للتوسع شرقا مع استمرار حرب أوكرانيا    مقتل 6 أشخاص في هجوم على مسجد غربي أفغانستان    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    مصرع طفل وإصابة آخر سقطا من أعلى شجرة التوت بالسنطة    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    مجهولون يلقون حقيبة فئران داخل اعتصام دعم غزة بجامعة كاليفورنيا (فيديو)    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    «الداخلية»: تحرير 495 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1433 رخصة خلال 24 ساعة    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    عبدالجليل: سامسون لا يصلح للزمالك.. ووسام أبوعلي أثبت جدارته مع الأهلي    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفسير قوله تعالى: «لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ...»
نشر في الفجر يوم 15 - 03 - 2016


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
أما بعد :
فمما قرأنا في هذه الليلة قوله تعالى :
{ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ{72} لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{73} أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{74} مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ{75} قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{76} المائدة.
قد تقدم معنا في سورة البقرة أن الله سبحانه تعالى ذكر أن اليهود على ثلاثة أقسام منهم العلماء الذين حرفوا كتاب الله عز وجل الذي هو التوراة ، ومنهم المنافقون ومنهم الأميون الذين لا يعرفون التوراة إلا أماني ، وهنا في هذه السورة بيَّن سبحانه وتعالى أن النصارى انقسموا أيضا إلى ثلاثة أقسام ، قال سبحانه وتعالى :
{ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ }
فطائفة من النصارى زعمت بأن عيسى ابن مريم عليه السلام أنه هو الله ، ولذا قال سبحانه وتعالى قبل هذه الآية في هذه السورة {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }المائدة17 ، يعني حينما يذكر من يذكر من أن الله سبحانه وتعالى قد اتخذ ولدا ، يذكر سبحانه وتعالى أن له ملك السماوات والأرض ، أو أن له السماوات والأرض {وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ }البقرة ، فإذا مرت بك آية يذكر فيها جل وعلا أن هناك من زعم أنه سبحانه اتخذ ولدا ، تجد أنه يذكر سبحانه وتعالى أن له ملك السماوات والأرض ، لم ؟ لأنه سبحانه وتعالى لا يمكن أن يتخذ شيئا من مملوكه ، بل لو شاء أن يتخذ ولدا أو أن يتخذ زوجة تعالى الله عن ذلك ، لفعل من لدنه ، قال تعالى {لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً } أي ولدا وزوجة { لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ }الأنبياء17 .
فقال الله سبحانه وتعالى :
{ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ }
عيسى عليه السلام سمي بالمسيح لأنه كان يمسح على الأبرص وعلى المرضى فيشفيهم الله عز وجل كما ذكر سبحانه وتعالى في آخر السورة.
فماذا قال عيسى ابن مريم عليه السلام ؟
{ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ }
قدَّم كلمة { ربي } من باب أن يبين أن الله سبحانه وتعالى هو ربه وهو أيضا ربكم ، بل نطق بذلك وتبرأ عليه السلام من هذا الزعم وهو في المهد { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً{29} قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً } مريم30، أنا عبدٌ لله عز وجل لا أتجاوز ذلك .
{ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ }
الشرك صرف شيء من العبادة لغير الله سبحانه وتعالى ، ومن أعظم الشرك أن يُجعل مع الله سبحانه وتعالى إلها .
ما عقوبة هذا المشرك ؟ ما آثار الشرك الوخيمة ؟
{ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ }
تحريما مؤبدا
{ وَمَأْوَاهُ النَّارُ }
لأنه إذا حُرِم من الجنة تحريما مؤبدا فمصيره إلى النار ، لأنه لو قال { فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ } ربما يتوهم متوهم أن الجنة محرمة عليه وأنه لا يكون في النار ، لكن ممن باب التأكيد أنه إذا حرم من الجنة تحريما مؤبدا فإن مصيره إلى النار ، ولذلك قال سبحانه وتعالى في آخر سورة آل عمران { فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ }آل عمران185
ولذا قال سبحانه وتعالى بعدها { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ }
ما مناسبة ذكر الظلم بعد ذكر الشرك ؟
مناسبة ذلك أن أعظم الظلم أن تشرك بالله سبحانه وتعالى ، ولذا قال عز وجل عن لقمان {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }لقمان13
والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه اللائق به ، وحينما يتخذ أحد غير الله سبحانه وتعالى إلها فقد وضع الألوهية في غير محلها ، بل إنه من أعظم الظلم ، فالظلم يُغفر إلا الشرك ، لم ؟ لأن الشرك بالله سبحانه وتعالى ليس فيه شهوة ، يمكن أن يظلم الإنسان أحدا من البشر فيأخذ ماله لهوى في نفسه ، ربما يظلم العبد نفسه بارتكاب الذنب ، فنفسه أهوته وأوقعته ، لكن الشرك ليس فيه دواعي ، ولذلك لما كان في هذه المثابة فهو من الظلم الذي لا يُغفر ، ولذلك قال عز وجل عن الكافرين لأنهم أشقاء للمشركين { وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ }البقرة254
ثم قال عز وجل :
{ لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ }
الصنف الأول زعم أن عيسى هو الله ، لأنهم عظموا هذا الأمر كيف يأتي إنسان من غير أب فقالوا هذا لكونه هوا الإله بذاته ، وهكذا إذا ضل ابن آدم عن طريق الحق فإن الشيطان يوقعه في متاهات متعددة ، هؤلاء قالوا بهذا القول ، وقالت طائفة أخرى إن عيسى ثالث ثلاثة ، من هم ؟
قالت طائفة منهم إن عيسى ابن الله ، الثاني روح القدس وهو جبريل ، الثالث هو الله الذي هو الأب كما زعموا تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .
الطائفة الثانية ممن قال بالتثليث إن عيسى ابن الله ، والثاني الأب ، الثالث الأم ، وهي مريم ، ولو نظر الإنسان إلى قصة عيسى من حيث ما ذكر الله عز وجل إلى آخر سورة المائدة وجد أن هناك تربطا ، وهناك ما يسمى في التفسير بوحدة الموضوع ، فإذا تأمل ابن آدم يمكن أن يخرج من السورة بموضوع معين ، هذا الموضوع تحدثت عنه السورة في ثناياها وفي أولائها وفي أواخرها ، ولذلك سيقول الله عز وجل لعيسى ابن مريم يوم القيامة من باب التوبيخ لهؤلاء الذين زعموا أن عيسى وأمه آلهة { وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ{116} مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ{117} إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{118} ولم يقل ( وإنك أنت الغفور الرحيم ) لأن هؤلاء مشركون ، والمغفرة عنهم بعيدة .
الشاهد من هذا أنهم زعموا أن عيسى ابن الله ، كما قال عز وجل في سورة التوبة { وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ }التوبة30، وقد جعل الله عز وجل هذا من الغلو ، لأنهم استعظموا هذا ، كيف يكون هذا ؟
وخصوصا أن جبريل عليه السلام أتى مريم ونفخ فيها الروح {قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَاماً زَكِيّاً }مريم19{ فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء91 { فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا }التحريم12، فقالوا هذه روح من الله ، ولذلك قال سبحانه وتعالى {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ } يعني أنه خلق بكلمة ( كن ) قال الله كن فكان {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ }آل عمران59
{ وَرُوحٌ مِّنْهُ } يعني هو روح من الله ، والروح ليست مضافة إلى الله سبحانه وتعالى لأنها من ذاته – لا – وإنما هي إضافة مخلوق إلى خالقه ، كما في قوله تعالى {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الجاثية13، هل السماوات والأرض من الله ؟ لا ، وإنما أضافها إليه من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، كذلك هنا .
يقول العلماء لم يذكر اسم امرأة في القرآن إلا مريم ، يكنى بالاسم ولا يصرح {وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ }هود71 ، {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ }المسد4{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ }يوسف23 ، لم يذكر الأسماء إلا مريم من باب أن يبين أن عيسى عليه السلام ليس ابنا له وإنما هو ابن لمريم .
ثم قال عز وجل :
{ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{73}

سبحان الله عز وجل ، ما أعظم ربنا جل وعلا ، ومع هذا كله عرض عليهم التوبة ، يقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في كتابه أضواء البيان " استعطفهم أعظم الاستعطاف "
{ أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{74}
هذا يدل على محبة الله سبحانه وتعالى لتوبة عبده ، ولذلك قال عز وجل في سورة النساء { وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ } يعني إن تنتهوا يكن هذا الانتهاء خيرا لكم { إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ } ما الذي بعدها ؟ { لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً }النساء171، كما قلنا متى ما ذُكر الولد منسوبا إلى الله سبحانه وتعالى ، فإنه يذكر أن { لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ } من باب أنه لو شاء أن يتخذ لاتخذ من لدنه .
{ مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ }
هذه حقيقة عيسى ابن مريم عليه السلام .
{ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ }
مثله كمثل الرسل السابقين ، ليس هناك زيادة لعيسى عليه السلام حتى يزعم به هذا الزعم .
{ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ }
يعني كثيرة الصدق ، لم ؟ لأنها صدقت بكلمات الله عز وجل ، لما أتاها جبريل أذعنت ، ولذلك{ قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً }مريم20 ، فالولد لا يأتي إلا من زواج أو من زنا { قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ } يعني إذا قضى الله عز وجل أمرا وأكده فقد انتهى الأمر { وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً }
{ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ }
في آخر سورة التحريم { وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ }التحريم12
وهذا دليل لجمهور العلماء خلافا لابن حزم رحمه الله ، دليل لجمهور العلماء على أن الله سبحانه وتعالى لم يبعث رسولا ولا نبيا من النساء ، فكل الرسل الذين أرسلهم الله سبحانه وتعالى رجال ، خلافا لابن حزم الذي يقول إن مريم نبية وكذلك أم موسى ، ولكن لو كانت مريم نبية لوصفها الله عز وجل بالنبوة ، لأن النبوة أعظم ، ولذلك قال { وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ } دل على أنها لا تتجاوز هذه المنزلة ، ويؤكد هذا قوله سبحانه وتعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم }يوسف109
{ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ }
كيف يكونان إلهين ، كيف يحتاجان إلى الطعام والشراب ؟ لأن الآدمي لا يمكن أن يستغني عن الطعام والشراب ، ولذلك أهل النار يستعطفون أهل الجنة أن يعطوهم الطعام والشراب ،لم ؟ لأن ابن آدم لا يمكن أن يستغني عن الطعام والشراب حتى ولو كان في النار {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ }الأعراف50
فمن هو بحاجة إلى الطعام حتى يتقوى أيعقل أن يقال إنه إله ، ثم من يأكل الطعام لا شك أنه محتاج إلى أن يخرج منه الحدث وهذه ليست صفة كمال حتى يكون إلها .
{ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ }

يعني هذه آيات واضحة وبينة .
{ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ{75} يعني يصرفون ، كيف يصرفون عن الحق ؟
ثم في هذه القصص فائدة للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته ، عاد الحديث إلى النبي صلى الله عليه ليأمر قريشا :
{ قُلْ } يعني قل يا محمد – صلى الله عليه وسلم - لكفار قريش { أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً } ؟
ما عنده ضر ولا نفع ، بل ما عنده سمع ولا علم ولا بصر ، ولذا قال إبراهيم عليه السلام لأبيه {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً }مريم42، ولذا ختم الآية فقال { وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{76} هو الذي يستحق أن يُعبد ، سميع لأقوال العباد ، عليم بأحوالهم ، ومن كان كذلك فهو الذي يعبد جل وعلا ، والحديث له شجون ، لكن لا أريد الإطالة ، والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.