أكد وزير العدل السعودي رئيس المجلس الأعلى للقضاء، الشيخ الدكتور وليد الصمعاني، أن المزاعم التي ذكرت على ال 47 مدانًا بالإرهاب؛ والمنفّذ فيهم أحكام القتل، ليسوا مصابين بخلل عقلي أو قاصرين،مشيراً إلى أن القضاء السعودي على درجة عالية من الموضوعية والمهنية، وقضاته على مستوى كبير من التأهيل والخبرة، ولا يمكن أن تخفى عليهم قواعد المسؤولية الجنائية، التي من بديهياتها المسائل المتعلقة بالأهلية. وأضاف الصمعاني أن المحكمة ردَّت دعاوى ثبت فيها عدم أهلية المتهم، وأنه صدرت عن المحكمة الجزائية المتخصّصة أحكامٌ تقضي بانتفاء المسؤولية الجنائية عن بعض المتهمين، بناءً على تقارير طبية معتمدة. وأتابع الدكتور وليد الصمعاني، قائلاً أن المحاكمات الجنائية في المملكة تطبق فيها معايير المحاكمة العادلة كافة، وفقاً لقواعد الشريعة الإسلامية والأنظمة، ومن ذلك: حق المتهم في المحاكمة أمام محكمة مختصّة مستقلة، والمحافظة على علنية الجلسات، وحق المتهمين في إبداء دفاعهم وجميع دفوعهم، بعد توجيه التهم لهم وإطلاعهم على أوراق القضية، وإعطائهم الفرصة الكافية لإعداد دفاعهم، إضافة إلى حقهم في الاستعانة بوكيل أو محام، وأن وزارة العدل قد تكفلت بتوفير محامٍ لكل متهم لا يستطيع لأي سبب توكيل محامٍ للدفاع عنه، يختاره المتهم بنفسه.
وشدّد الوزير على أن القضاء الجنائي في السعودية يتقيّد بشكل كامل بقواعد الإثبات الشرعية والنظامية من حيث الاقتصار على الأدلة المقدمة في الدعوى، ومراعاة عدم الحكم على أي متهم إلا بعد قيام الأدلة القاطعة على ارتكابه جريمته، وهو ما يعبّر عنه ب «مبدأ افتراض براءة المتهم»، إضافة إلى منح المحكوم عليه حق الاعتراض على الحكم الصادر بحقه؛ بل إن مراجعة الحكم الصادر بعقوبة القتل تكون وجوباً من ثلاث درجات قضائية، وبنظر موضوعي كامل، وتدقق فيه عناصر الأركان المادية والمعنوية كافة للجريمة.
وأكّد أن مَنْ ينشد الحقيقة ويستند إلى الوقائع الثابتة يعلم أن العمل يجري في محاكم السعودية بموضوعية ووضوح، وأن الشريعة الإسلامية كفلت مساواة المتخاصمين أمام قضاة مستقلين، وأن المحاكمات التي جرت رُوعيت فيها الضمانات القضائية المقررة شرعاً ونظاماً؛ بما في ذلك معايير المحاكمة العادلة التي تضمنتها الاتفاقيات الدولية.
وأشار الدكتور الصمعاني، إلى أن ذلك يقتضي أن المتهم بريء حتى صدور الحكم واكتسابه الصفة النهائية، وعلنية الجلسات مبدأ أصيل لضمان تحقيق العدالة، وإبرازها لعامة الناس، لتحقيق الوعي ونشر ثقافة التقاضي، ولإبراز عدالة المملكة بكل شفافية، وشدّدت الأنظمة المرعية المتبعة بالمملكة على ذلك، مراعية عدم التشهير بالمدعى عليه أو المدعي، والمحافظة على الآداب العامة. وذكر أن الأنظمة نصّت على حق توكيل محام لكل متهم، وهو حق أصيل شددت عليه الأنظمة، وأبرزت مبدأ المعونة القضائية الجانب الإنساني للقضاء، ويجري تطبيق هذا المبدأ بشكل كبير في قضايا الجرائم الكبرى، وخصّت المدعى عليهم غير القادرين على دفع أتعاب المحامين، بحق الاستعانة بمحامين تتولى وزارة العدل دفع أتعابهم، وقد استفاد من هذه الضمانة الكثير من المتهمين بالمحكمة الجزائية المتخصّصة، مشكلين ما نسبته 40 في المائة من إجمالي المتهمين المنظورة قضاياهم بالمحكمة.
وأبان أن المتهمين يعطون الوقت الكافي لإعداد دفوعهم وإجاباتهم عن الدعوى وتقديمها للمحكمة، إما عن طريقهم مباشرة أو عن طريق وكيل شرعي لهم، ويحق للمتهمين استدعاء الشهود، وتستجيب المحكمة لهذا الطلب دعماً للبحث عن تحقيق العدالة المنشودة، كما أن المدعى عليهم الأجانب من غير الناطقين باللغة العربية توفر لهم المحكمة مترجمين بلغتهم.
وقال الصمعاني «إن من أهم ضمانات التقاضي المتبعة بالسعودية هو تعدد درجات التقاضي، فالأنظمة القضائية كفلت حق الاعتراض اختيارياً عند صدور أحكام السجن، وترفع المحكمة الحكم وجوباً عند صدور قرار المحكمة الابتدائية بإدانة المتهم والحكم عليه بالقتل، والأنظمة قضت بأن ترفع المحكمة الحكم لتدقيقه في محكمة الاستئناف، وفي حال المصادقة عليه يرفع للمحكمة العليا، وتدور هذه الدائرة عبر 13 قاضياً لكل قضية، منهم 10 قضاة استئناف».
وحول تأخر إصدار أحكام قضايا المتهمين بالإرهاب، أفاد الشيخ الصمعاني، بأن ذلك رهين بوقائع كل قضية، وأن النظر القضائي لا يخضع لردود الأفعال؛ مشيراً إلى أن الإحصاءات ومؤشرات قياس الأداء أظهرت سرعة الإنجاز بالمحكمة، وبيّن أن بعض القضايا قد تطول بسبب طبيعة الجرائم الإرهابية وتداخلها، كما أن الكثير من المدعى عليهم يطلبون إعطاءهم مهلة، لإعداد دفاعهم، فتمنحهم المحكمة مهلة كافية، لتمكينهم من إبداء ما لديهم، كما أن القضاة يقومون بفحص التهم بتأنٍ وروية والنظر في أدلة الإثبات والقرائن والبينات، وتسبيب الأحكام بدقة.
وأضاف أن «النظر القضائي يقوم على التحقق من توافر أركان الجريمة وثبوت نسبتها للمتهمين؛ بما في ذلك النظر في الركن المادي للجريمة الذي يشمل بالنسبة للجرائم الإرهابية: الفعل الأصلي، والشروع في الجريمة، والمساهمة، والتنظيم والتوجيه والتحريض، وهذه العناصر مقرة شرعاً ومعترف بها في الاتفاقيات والمعايير الدولية، وأُدرج التحريض من ضمن عناصر الفعل المادي لخطورته وأثره في هذه الجريمة تحديداً، وأن الجرائم تختلف عن الجرائم الأخرى من حيث الغاية؛ فالغاية من الجريمة الإرهابية ليس الانتقام من شخص معيّن وإنما زعزعة أمن المجتمع ووحدته والترويع وبث الفوضى؛ ما يتطلب نظر تلك الجرائم وفقًا لخطورتها وآثارها».
وثمّن في نهاية حديثه الذي أعدّه الزميل فهد الذيابي، ونشرته "الشرق الأوسط"، دعم خادم الحرمين الشريفين الملك العادل سلمان بن عبدالعزيز، اللامحدود لمرفق القضاء، خاصة دعم المحاكم بالقضاة، أو تحفيز مَن هم على رأس العمل بالموافقة على ترقيتهم، مع تأكيده - أيّده الله - في كثير من المناسبات على استقلال القضاء ورفض التدخل فيه أو التأثير في سير العدالة، فشهد عهده الميمون دعماً كبيراً لمرفق العدالة؛ ما أسهم بشكل مباشر في إنجاز القضايا بكل سرعة وجودة وإتقان، متوجهاً بالشكر الجزيل لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، وولي ولي عهده الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، على ما يبذلونه من جهود لينعم المواطن والمقيم بالأمن والأمان، وتتحقق للوطن العدالة المنشودة في جميع أركانه ومكوناته.