ينتظر كل من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس الأميركي باراك أوباما من الآخر في اللقاء الذي سيجمعهما اليوم في واشنطن تقديم تنازلات قد تسهم في تقليص الفتور الذي أصاب العلاقة بين واشنطنوالرياض أهم حلفائها في المنطقة. وتريد الولاياتالمتحدة أن تعبر السعودية عن قبولها بالاتفاق النووي الذي توصلت إليه في يوليو الماضي بعد مفاوضات شاقة بين القوى الكبرى وإيران حول ملفها النووي. ووراء البيانات العلنية حول الشراكة بين البلدين، يبدو أن الخلافات حول سوريا واليمن ستهيمن على الاجتماع، إلى جانب الشكوك المتعلقة بالاتفاق النووي التاريخي مع إيران، وصفقات الأسلحة التي تسعى واشنطن دائما إلى توظيفها في طمأنة حلفائها. ويقول ديفيد بولوك، الخبير في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، إن "السعوديين يبحثون عن تأكيدات قوية حول دعم الأميركيين، خاصة في تدخلهم العسكري في اليمن، بينما يتطلع أوباما إلى تعويض ما افسده في قمة كامب ديفيد مايو الماضي". وأضاف في تصريحات خاصة ل"العرب" أن هذا اللقاء يأتي في وقت أصبح فيه الجميع متفهما أن الاتفاق النووي مع إيران بات حتميا. وإذا فشل أوباما في إقناع العاهل السعودي بضرورة ترحيبه بنتائج الاتفاق، فسيجد نفسه أمام الرأي العام داخل الولاياتالمتحدة في مأزق التقارب مع إيران دون مباركة حلفاء واشنطن الأساسيين في المنطقة. ويقتضي الاتفاق رفع العقوبات الاقتصادية التي ظلت مفروضة على طهران لعقود. وتريد الرياض من واشنطن في المقابل طمأنتها بأن غياب العقوبات لن يسهم في المستقبل في حضور أوسع لإيران في المنطقة. ولقاء وحيد لن يكون كافيا لتقليص الفجوة التي تسببت بها سياسة أوباما في المنطقة، كما لن يتخطى نجاحها رغم المحاولات الأميركية المضنية في الإطار الدبلوماسي والبرتوكولي المعتاد. وطالما كانت هذه التعهدات محل شك من قبل دول الخليج. ورغم تطمينات الإدارة الأميركية، التي كان آخرها تصريحات لجون كيري وزير الخارجية قال فيها إن واشنطن ستسعى إلى تعزيز القدرات الدفاعية الصاروخية للسعودية ودول الخليج ضد أي عدوان إيراني عليها، تظل إيران في قلب السياسات الاميركية. ولوح كيري أيضا بإمكانية دخول قوات برية عربية إلى سوريا. وقال بولوك ل"العرب" إن خبراء سعوديين يعتقدون أن عملية مماثلة للتدخل العسكري العربي في اليمن من الممكن أن تتم لاحقا في سوريا. وأكد أن اللقاء لن يسفر في النهاية عن قرارات مهمة، وستقتصر نتائجه على رفع مستوى التعاون العسكري بين الجانبين. ويعتقد مراقبون أن الإدارة الأميركية تحاول عقد "صفقة ترضية" مع السعودية التي اتجهت في الآونة الأخيرة إلى شراء كميات كبيرة من الأسلحة بشكل مكثف من روسيا وفرنسا. ويقول فيليب غوردون، الباحث والمحلل السياسي الأميركي، إن "أهمية زيارة الملك سلمان إلى البيت الأبيض تتخطى إطار الاتفاق النووي إلى حقيقة أن الولاياتالمتحدة لن تستطيع التعامل مع أي تحديات تواجهها في منطقة الشرق الأوسط من دون الإبقاء على درجة من التعاون الاستراتيجي مع الرياض". وأضاف "إذا كانت الولاياتالمتحدة تبحث عن استمرار قيادتها في المنطقة، فهذا يعني بالضرورة دعم النفوذ السعودي ضد أي تهديدات مستقبلية للمصالح المشتركة". ولا يقتصر دعم السعودية على صفقات الأسلحة، ولكنه يمتد إلى محاولات إنهاء الصراعات في سورياولبنان والعراق واليمن. وسيتطلب دعم الخيارات العربية، وفي مقدمتها سياسات الرياض، بالضرورة مواجهة حلفاء إيران الحوثيين في اليمن ونظام الرئيس بشار الأسد في سوريا وميليشيا حزب الله الطائفية في لبنان، وهو ما يبدو أن واشنطن ليست مستعدة للقيام به. كما لا تبدو الولاياتالمتحدة أيضا مستعدة لحسم الصراعات في هذه البلدان التي تعصف بها الاضطرابات، وبدلا من ذلك تشعر دوائر داخل الإدارة الأميركية أن مدّ أمد هذه الصراعات قد يكون فرصة لإعادة صياغة معادلة التوازنات في المنطقة بعد إدماج إيران في قلبها. وأول هذه الصراعات التي لا تميل واشنطن لحسمها عسكريا الأزمة السورية التي اندلعت قبل أربعة أعوام وراح ضحيتها أكثر من ربع مليون شخص. ولمح جيف بريسكوت، مدير قسم الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي، إلى أن بلاده لا تريد فعل الشيء نفسه في اليمن. وقال "دعونا كل الأطراف المشاركة في النزاع بما في ذلك الحكومة اليمنية وأعضاء التحالف وغيرهم إلى اتخاذ خطوات للسماح بإيصال المساعدات الإنسانية إلى كل الأطراف في اليمن"، مؤكدا أنه "لا حل عسكريا في اليمن".