لا يعرف أحد داخل وزارة الآثار، أين ذهبت مئات الملايين من الدولارات التى حصلت عليها الوزارة منحاً وقروضاً ميسرة من الاتحاد الأوروبى ومنظمة اليونسكو، لإعادة تطوير وترميم المناطق الأثرية المختلفة، بعض الترميمات تتكلف أقل بكثير من المبالغ المرصودة. أحد النماذج المعروفة فى الوزارة هو القرض الإسبانى، الذى حصلت عليه لإعادة تطوير المتحف الرومانى، ومنطقة دهشور، وحوض قايتباى وإعادة ترميم متحف المجوهرات، ويحيط الغموض جميع هذه المنح خاصة أن كثيرا من هذه المشروعات لم تشهد تطويراً أو ترميماً. منذ شهرين تقريباً أعلن الدكتور ممدوح الدماطى، وزير الآثار، عن تسلم الوزارة 10 ملايين جنيه من إيطاليا للبدء فى إعادة ترميم وتطوير المتحف الرومانى بالإسكندرية المغلق منذ 9 سنوات، وضم أرض المحافظة إليه، وحصل نفس المتحف على منحة إيطالية جديدة فى نهاية 2013 بقيمة 6 ملايين دولار، ثم 2 مليون يورو من خلال برنامج مبادلة الديون، وكان من المفترض بدء التنفيذ فى يناير 2014، ولكن لا يزال المتحف مغلقاً. وحصلت الوزارة على 50 ألف دولار، منحة من منظمة اليونسكو، لإعادة ترميم متحف المجوهرات الملكية بالإسكندرية الذى تم افتتاحه فى أكتوبر 2014 بعد 3 سنوات من إغلاقه، لتركيب كاميرات مراقبة جديدة وسواتر حديدية على النوافذ والبوابات و138 ألف جنيه لاستبدال الأرضيات التالفة، ولكن بيان افتتاح المتحف لم يتضمن أى إشارة إلى الإصلاحات. أما القرض الإسبانى الذى يصل ل30 مليون يورو فهو لغز كبير عجز كبار مسئولى الوزارة عن توضيح مصيره حيث وقع المجلس الأعلى للآثار فى نهاية 2010 قراراً بالموافقة على القرض لتطوير منطقة آثار البر الغربى بالأقصر ومنطقة أهرامات الجيزة. وحسب محضر اجتماع المجلس فى 12 ديسمبر 2010، والذى حصلت «الفجر» على صورة منه وتمت الموافقة على قبول القرض المقدم من بنك «بى بى فى إيه» الإسبانى، بموجب عقد بين المجلس وشركة ديفيكس الإسبانية، رغم أن اللجنة القانونية للمجلس أكدت مخالفة العقد للوائح حيث تم توقيعه دون إجراء مناقصة عامة أو حتى صدور قرار مسبب من السلطة المختصة، أو إرساله إلى إدارة الفتوى بمجلس الدولة لمراجعته وإبداء الرأى فيه. وقدمت النقابة المستقلة للأثريين، عدة بلاغات إلى النائب العام، بشأن القرض منها البلاغ رقم 472 لسنة 2012، الذى طالبت فيه بالتحقيق فى قضية القرض الذى يعتبر صفقة فساد متكاملة خاصة أن جميع المعدات والأجهزة التى يجب شراؤها من إسبانيا وفقاً لشروط القرض أعلى من سعرها بالسوق العالمية بكثير. وذكر البلاغ أن لجنة المشتريات التى سافرت إلى إسبانيا لتحديد مواصفات المعدات واختيارها، اكتفت باختيارها من الكاتالوجات، وأن الدولة ستدفع 10% سنوياً من قيمة القرض كفوائد ما يحمل الدولة أعباء كبيرة خاصة أن بدء السداد يتم منذ التوقيع وقبل استلامه. وقال الدكتور محمد عبدالمقصود، رئيس قطاع الآثار المصرية السابق، إنه كان من أشد الرافضين للقرض الذى تم تفعيله فى عهد الدكتور محمد إبراهيم، وزير الآثار الأسبق، لأنه لم تتم دراسة المشروعات المستفيدة، حيث اكتشف الأثريون فيما بعد أن تكييف المقابر وإدخال معدات إضاءة بتقنية عالية فيها سيضر بحالتها، لذا رفضت اللجنة الدائمة بالوزارة هذا الجزء من المشروع أهدر مبالغ مالية كبيرة كان يمكن خصمها من القرض حتى لا تتحمل الدولة أعباء فوائدها العالية. وأضاف إن القرض كارثة مؤجلة، لأن أجهزة الإضاءة التى سيتم تركيبها ذات تقنية عالية جداً غير متوفرة فى مصر، وعلى المدى البعيد لا يمكن صيانتها أو توفير قطع غيار لها من السوق المحلى ما سيجعل الوزارة تلجأ دائماً للشركات الإسبانية وفق الأسعار التى تحددها. وأنكر الدكتور إبراهيم، وزير الآثار الأسبق، معرفته بالقرض وقال ل«الفجر» إن الوزارة لم تتسلمه. وفى واقعة مشابهة حصلت الوزارة على منحة ب500 ألف يورو لتطوير منطقة آثار دهشور وسقارة ووفقاً لوهيبة صالح، مسئول آثار دهشور، فإنها لم تر مليماً واحداً من هذه المنحة مؤكدة أن المنطقة لم تستفد من المنحة على الإطلاق. وقالت وهيبة إن معظم المنح يتم إنفاقها على المسئولين فى البلاد صاحبة المنحة قبل حتى أن تصل إلى مصر، مطالبة بضرورة فتح ملف المنح للكشف عن مصيرها. وقال الوزير السابق محمد إبراهيم، إن المنح تفيد صاحبها أولاً والحاصل عليها ثانياً ولكن الوزارة يقع على عاتقها مسئولية توجيه هذه المنح على نحو يحقق أقصى درجات الاستفادة، حيث حصلت الوزارة بالفعل على منحة النصف مليون يورو لآثار سقارة ودهشور، لكنه فوجئ بصرف 250 ألف يورو منها على دراسات وأبحاث، فأوقف على الفور صرف أى مبلغ آخر منها. وفى شهر رمضان الماضى افتتح الوزير ممدوح الدماطى مشروع تطوير حوض مسجد السلطان قايتباى بتكلفة 200 ألف يورو منحة من الاتحاد الأوروبى، وخلال الافتتاح عرضت شاشات الوزارة صورا للمشروع قبل وبعد الافتتاح ورصدت الفجر مظاهر الاختلاف التى لم تتجاوز إزالة بعض أكوام القمامة التى كانت موجودة داخل المكان. وقال الأهالى إن مجموعات من الآثريين حضرت للمكان وأزالوا القمامة ونظفوا المكان ومسحوا الآحجار ببعض الفرشات، وهو ما أكده بيان الوزارة الذى ذكر أن المشروع اشتمل على إزالة التربة التالفة والمشبعة بالرطوبة المتراكمة داخل المبنى وكشف الأرضية الأصلية، وحوض المياه، وتنظيف حجر البناء يدوياً لإزالة رواسب الأملاح الضارة وطبقات البلاط الأسمنتية المتبقية، وتقويتها وإعادة تركيب الأحجار المفقودة، وملء الفراغات داخل الجدران بمون سائلة عن طريق الحقن بالضغط، وتنظيف السقف الخشبى، وتقويته وإصلاحه، وتركيب غطاء للسقف جديد وتنظيف وتقوية الزخارف الحجرية ذات الألوان الأصلية المتبقية.