حزب الله في لبنان يستهدف تحركا لجنود إسرائيليين في المالكية عند الحدود    «التموين» تطلق أكبر قافلة من المساعدات لأهالي غزة منذ بداية الحرب    المؤتمر: السيسي وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته تجاه القضية الفلسطينية    "خلال الرقصة الأخيرة".. هل يقتل مبابي حلم ريال مدريد قبل الانضمام لهم؟    حبس المتهم بالشروع في قتل شقيقه بسبب خلافات الميراث في الجيزة    تأجيل محاكمة مرتضى منصور بتهمة سب ممدوح عباس    طفن إعادة التدوير.. ورشة لقصور الثقافة بمركز رعاية ذوي الهمم بالزيتون    ثقافة الإسكندرية تقدم أسرار سانتا كلوز على مسرح قصر الأنفوشي    «معيط»: استراتيجية متكاملة لإدارة الدين والنزول بمعدلاته لأقل من 80% في 2027    مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون: «لا نتوقع ضرب إيران قبل عيد الفصح»    نادي الأسير الفلسطيني: ارتفاع حصيلة الاعتقالات بعد 7 أكتوبر إلى نحو 8310    استقرار أسعار النفط بعد انخفاض حاد بسبب مخاوف إزاء الطلب العالمي    توقيع مذكرة تفاهم لتطوير البنية الفوقية وإدارة وتشغيل ميناء برنيس بالبحر الأحمر مع إحدى الشركات الكويتية    توريد 593 طن قمح بكفر الشيخ حتى الآن    مصرع شاب إثر انقلاب دراجة نارية بطنطا    فيديو.. الأرصاد تناشد المواطنين عدم تخفيف الملابس ليلا: الأجواء باردة على أغلب الأنحاء    الأحد.. النواب يعقد ثانى جلساته بالعاصمة الإدارية    25 أبريل.. انطلاق دورة إعداد المدربين TOT بجامعة بنها    فى اليوم العالمى للتراث.. دار الكتب تعلن عن خصم 30 % على الإصدارات التراثية    ردد الآن.. دعاء الشفاء لنفسي    دعاء العواصف.. ردده وخذ الأجر والثواب    مستشفى أهناسيا في بني سويف يستقبل 15 مريضا فلسطينيا و32 مرافقا    النشرة المرورية.. خريطة الكثافات والطرق البديلة بالقاهرة والجيزة    عضها حصان.. إصابة سائحة سورية في الأهرامات    ليفربول يواجه أتالانتا في الدوري الأوروبي    عاجل...غياب حسين الشحات بدء محاكمة لاعب الأهلي في قضية التعدي على الشيبي    "كنترول إس"، مشروع تخرج لطلاب إعلام حلوان يستهدف الحفاظ على الممتلكات العامة    وزير التعليم العالي يبحث تعزيز التعاون مع منظمة "الألكسو"    شعبة المستوردين تطالب بتبني سياسات مختلفة لزيادة معدل الصادرات    عالم هولندي يثير الرعب مجددا، تحذير من زلزال مدمر خلال أيام    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ وتسليم الوحدات السكنية بمبادرة «سكن لكل المصريين»    احذروا الذباب الصحراوي، ضيف ثقيل على مصر يسبب لدغات مؤلمة وحكة شديدة    عاجل.. شوبير يفجر مفاجأة مدوية بشأن فشل انتقال سفيان رحيمي ل الأهلي    "ريمونتادا" ومفاجآت فى ربع نهائى دورى أبطال أوروبا    بلدية النصيرات: غزة تحوّلت إلى منطقة منكوبة جراء حرب الإبادة الإسرائيلية    18 أبريل 2024.. نشرة أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية    الرعاية الصحية: 10 مستشفيات جديدة ومجمع الفيروز الطبي يدخلون الخدمة 30 يونيو المقبل    بالتواريخ| عدد إجازات الموظفين في عيد العمال وشم النسيم    هولندا تعرض على الاتحاد الأوروبي شراء "باتريوت" لمنحها إلى أوكرانيا    فيلم «عالماشي» يحقق إيرادات ضعيفة في شباك التذاكر.. كم بلغت؟    التموين تزف بشرى سارة عن أسعار السندويتشات في المحلات بسبب الرغيف السياحي    «الرقابة الصحية»: وضع ضوابط ومعايير وطنية لتدعيم أخلاقيات البحوث الطبية    مهيب عبد الهادي يكشف مفاجأة صادمة عن كولر    علي جمعة: الرحمة حقيقة الدين ووصف الله بها سيدنا محمد    «تعليم البحر الأحمر» تجري تعديل على موعد امتحانات الصف الثاني الثانوي بسبب احتفالات عيد السعف    السفارة الأمريكية تنظم فعاليات لدعم التدفق السياحي إلى الأقصر    تفاصيل المذبحة الأسرية فى الغربية ..المتهم والضحايا يقيمون فى منزل العائلة بكفر الزيات    «كن فرحًا».. مؤتمر لدعم وتأهيل ذوي الهمم بالأقصر    «صحة مطروح» تطلق قافلة طبية مجانية لقرية سيدى شبيب الأسبوع المقبل    منة عدلي القيعي: بجمع أفكار الأغاني من كلام الناس    وزارة الطيران المدني توضح حقيقة انتظار إحدى الطائرات لمدة 6 ساعات    ما حكم نسيان إخراج زكاة الفطر؟.. دار الإفتاء توضح    شاب يتحول من الإدمان لحفظ القرآن الكريم.. تفاصيل    مدير أعمال شيرين سيف النصر: كانت عايزة تشارك في عمل ل محمد سامي ( فيديو)    الصين قادمة    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الخميس 18/4/2024 على الصعيد المهني والعاطفي والصحي    إبراهيم نور الدين: كنت أخشى من رحيل لجنة الحكام حال إخفاقي في مباراة القمة (فيديو)    حسام عاشور: حزين من كولر بعد القمة.. وقررت دخول مجال التدريب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



روف الثوره | الغرفة السرية التى تحكم مصر.. الروينى يعترف: خائن فى المجلس العسكرى ينقل للإخوان اجتماعات المشير
نشر في الفجر يوم 04 - 07 - 2015

يكاد اللواء حسن الروينى لا يكف عن التدخين رغم نوبات السعال العابرة التى تنتابه أحيانا.. وإن اختار نوعا من السجائر الخفيفة التى صنعتها شركة "دافى دوف" السويسرية.
ومنذ جاء إلى الروف اختار مقعدا ثابتا فى منتصف المكان.. غالبا ما كان يفضل الجلوس عليه.. ويعكس ذلك الاستقرار فى العلاقات حسب التفسيرات النفسية الشائعة.. فمن يحافظ على مقعده فى بيت غريب يحافظ على صداقته مع صاحبه.. لكن.. الثبات لم يمتد إلى ثيابه.. فبعد أن كان يأتى بثيابه العسكرية أصبح يفضل أن يكون بيننا بالملابس المدنية.
وهو رجل بسيط.. متواضع.. معتد بنفسه.. ينصت أكثر مما يتكلم.. ما فى قلبه على لسانه.. يعرف حدود ما يصرح به.. يعرف كيف يكسب الناس من حوله.. ويتمتع بفضيلة التعلم.. وينسب الخبرة التى يكتسبها إلى أصحابها.
ذات مرة قال الدكتور حسام عيسى: إن"الشعوب تعيش على الأسطورة قبل الحقيقة أحيانا".. أعجبت الروينى الجملة.. ورددها كثيرا منسوبة لصاحبها.
كان حسام عيسى يقصد بجملته المأثورة أن يستفيد الجنرالات الذين تولوا حكم البلاد بعد تنحى مبارك من تجربة جمال عبد الناصر حين أعلن بعد 45 يوما من ثورة 23 يوليو 1952 قوانين الإصلاح الزراعى ووزع فى 9 سبتمبر التالى الأراضى التى صودرت من كبار الإقطاعيين على صغار الفلاحين.. فى ذلك اليوم خلقت ثورته أسطورتها.. وتخلصت من تهمة الانقلاب العسكرى.. فالثورة ليست حركة بدنية وإنما تغييرات واضحة فى البنية الاجتماعية والطبقية.
لكن.. المشير حسين طنطاوى الذى نقلت إليه النصيحة لم يستوعبها.. فخسر مكانته قبل أن يفقد مكانه.
كان طنطاوى رجلا حذرا بالطبيعة.. لا يميل إلى التغيرات الحادة.. ويحث مساعديه على إنجاز المهام الموكلة إليهم بإثارة حميتهم قائلا: إنهم "لن يقدروا على ما يكلفهم به".. فكانوا يشتعلون حماسا للتنفيذ.. وإن ابتسموا فيما بعد عندما كشفوا أسلوبه.
لكن.. طنطاوى كان سريع الغضب إذا ما مست كرامته.. ولو كان الذى مسها جمال مبارك نفسه.
كان مبارك وزوجته يشهدان احتفالا بافتتاح دار الدفاع الجوى عندما طلبا من طنطاوى أن يفاتح ابنهما جمال فى الزواج.. ربما كان فى وجهه القبول.
فى السنوات الأخيرة التى عاشها جمال فى لندن موظفا فى"بنك أوف أمريكا"تعرف على فتاة بريطانية من أصل إيرانى وانشغل بها.. وخشيت أمه أن يتزوجها.. وينسف حلمها فى التوريث.. فمن المستحيل أن يقبل أحد أن تكون زوجة الرئيس القادم أجنبية.."خواجاية" بالتعبير الشائع.
تحمس المشير للقيام بالمهمة.. فمن الصعب إغضاب الرئيس.. كما أن أحلامه أوامر.. والدليل على ذلك أن مبارك طلب طباخا.. فأدار طنطاوى عملية البحث عن الطباخ بنفسه.. استمرت العملية شهورا.. فتشوا فيها عن الطباخ المناسب فى كل دور القوات المسلحة جربوا فيها 400 طاهٍ.. لكنهم فشلوا فى الحصول على طباخ مناسب بينهم.. وساقت الصدفة رجلا نوبيا يلفت النظر بملابسه ناصعة البياض.. يعمل فى قطارات النوم.. دفعوا به إلى مطبخ الرئيس.. وكانت سعادة المشير غامرة عندما نال الطباخ رضاء الرئيس.. ووصفه بأنه رجل "بركة".. فقد انشغلت "المدام" وهو الوصف الذى يستخدمه مبارك عند الإشارة إلى زوجته به وظلت معه فى المطبخ أسبوعا تراجع كيفية إعداد الأكلات المفضلة والمناسبة بعيدا عن شئون الدولة.
كان جمال يقف فى طرف بعيد من القاعة واضعا يده فى وسطه كالعادة فذهب إليه طنطاوى واقترب منه قائلا:
يا جمال الوالد والوالدة يريدان أن يفرحا بك.
لم يتقبل جمال ما سمع وهب فى وجه المشير دون مراعاة لسنه أو منصبه وقال فى غضب مسموع:
لا أريد أحدا أن يتدخل فى حياتى الشخصية.
أصيب المشير بصدمة غير متوقعة وأحس بحرج شديد فقال محافظا على ماء وجهه:
عموماً أنا بلغتك رغبة الوالد والوالدة.. وأنت حر.
شعر جمال بأنه تجاوز حدوده فأراد أن يطيب خاطره فقال:
سيادة المشير.. لو كان عندك بنتا أو أختا لطلبت يدها منك وتزوجتها فورا.
لكن.. المشير رد عليه قبل أن يعود إلى الرئيس وزوجته قائلا:
لو كان فى عائلتى بنتا تصلح للزواج ستكون سمراء.. ولن تعجبك.
ويمكننى أن أقسم على كل الكتب المقدسة بأن ما عرفت من معلومات عن طنطاوى لم أسمعها من الروينى.. على العكس ظل الرجل وفيا لقائده يتكلم عنه بكل حب وتقدير ولا يمسسه بحرف واحد.
على الجانب الآخر كان الروينى أقرب الجنرالات للمشير.. ربما بحكم قيادته للمنطقة العسكرية المركزية.. ربما لتفانيه فى تنفيذ المهام المكلف بها.
لكن.. المؤكد أن جرأته كانت سر ثقة طنطاوى فيه.
كان الروينى قائداً للمنطقة الشمالية يوم دعا طنطاوى أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة لاجتماع فى الإسماعيلية.. وحسب التقاليد العسكرية فإن الحضور يكون بملابس التشريفات.. وجلس الأعضاء يدخنون فى انتظاره.. وفجأة وجدوه أمامهم غاضباً وهو يسأل عن سر الرائحة التى تعبئ المكان فلم يجب أحداً إلا الروينى وكان أصغرهم سنا وأحدثهم رتبة.. قال : "سجائر يا فندم".
وما إن انصرف طنطاوى حتى وجه بعض الأعضاء للروينى لوما فى شكل نصيحة.. قيل له :"عندما تجد المشير منفعلا فلا تتكلم وحاول أن تتجنبه".. لكن.. بعد قليل عاد المشير ليربت على كتف الروينى مشيدًا بصراحته.. مؤكدا أن الصراحة أسهل طريق إلى ثقة القائد فى مرءوسيه.
وقد وصلت صراحة الروينى إلى الذروة فى الشهادة التى أدلى بها أمام المحكمة التى تنظر قضية مبارك الأخيرة.. يوم 24 أغسطس 2014.. فقد كشف وهو تحت القسم عن وجود "خائن" بين أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة.. وإن لم يعلن اسمه.. وسبب ما كشف ذهولا لكل من يعرفه.. وسبب له عداء فى المؤسسة التى خدم فيها.. وربما لجرأته وصفه رئيس المحكمة المستشار محمود الرشيدى بأنه"أسد القوات المسلحة".
كانت مواقع الإخوان قد نسبت إليه تسريبات عن معلومات ادعوا أنهم عرفوها عبر تسجيل مكالمات تليفونية بين أعضاء فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة كانوا يجتمعون فى مبنى وزارة الدفاع.
والحقيقة أنها لم تكن تسجيلات تليفونية وإنما تسجيلات مباشرة فى مبنى وزارة الدفاع.. فى الساعة الواحدة والنصف من ظهر اليوم الذى أقيل فيه طنطاوى وعنان من منصبيهما.. يوم 12 أغسطس 2012.
لقد كان بين من حضروا الاجتماع من ينقل ما يجرى فيه إلى طاقم الإخوان فى القصر الجمهورى قبل أن يصل طنطاوى وعنان إليه.. دون أن يعرفا ما ينتظرهما.. وأغلب الظن أن التسجيل حدث بساعة يد.. فقد كانت الوسيلة المفضلة لقيادات الجماعة فى رصد ما يجرى فى الغرف المغلقة.
كانت تلك الواقعة وراء إعلان الروينى عن وجود"خائن"بينهم.. وربما.. كان بينهم أكثر من خائن.. ولو لم يلجأ للتسجيل.. كان يكفيه معرفة ما يجرى لينقله إلى الجماعة فى صورة نصائح مفيدة بناء على ما لديه من معلومات.. لقد أراد البعض ركوب الموجة القادمة ليظل طافياً على سطح الماء.
وبعد أن أدلى الروينى بشهادته ذهب إلى زيارة مبارك ومكث معه أكثر من ثلاث ساعات.
إن الأيام ستكشف فيما بعد عن ما لا نصدق من أحداث ومواقف.. فنحن لم نعرف من كواليس وأسرار ثورة يناير سوى القشور.
وقد جرى تقسيم جنرالات المجلس إلى ثلاثة أنواع.. نوع يمشى حسب الريح.. ونوع يقبل بكل ما يفرض عليه.. ونوع يرفض ويغضب ويواجه ويصطدم ويعبر عن نفسه وبلاده بشجاعة.
ومن سخرية القدر أن الروينى هو الذى وضع أكليل الزهور على النصب التذكارى لشهداء الشرطة فى نفس اليوم الذى اشتعلت فيها ثورة يناير.. وهو الذى كلف فيما بعد بمتابعة ملف الثورة.
لكن.. قبل ذلك.. تعجب قادة الجيش وعلى رأسهم وزير الدفاع ورئيس الأركان من جنوح مبارك ناحية الشرطة إلى حد أنه على غير العادة صلى صلاة عيد الأضحى الأخير فى أحد مساجدها.. وكان تفسيرهم الوحيد أن ابنه يراهن على المؤسسة الأمنية أكثر من رهانه على المؤسسة العسكرية فى دعم خطة التوريث.. ولم يبعد التفسير كثيراً عن الحقيقة.
على أن ذلك لم يمنع جمال مبارك من محاولة اختراق الجيش.. وسعى إلى خلق أنصار له فيه يساندونه فى تنفيذ خطته.. لقد نجح فى تغيير الحكومة والصحافة والبنوك والغرف التجارية وجمعيات رجال الأعمال.. لكن.. بقيت المؤسسة العسكرية عصية عليه.
لقد وصلت إلى أسماع رئيس فرع الأمن الحربى فى كفر الزيات أن عضوا فى مجلس الشعب هناك تعرض لمتاعب لم يحتملها من وزير الإسكان والمجتمعات الجديدة محمد إبراهيم سليمان.. كان النائب يثرثر عن اتصالات جمال مبارك بالقيادات العسكرية الوسطى ليجمعها معا كى تصبح سنداً له داخل مؤسسة القوة التى يستحيل تجاهل تأثيرها فى السلطة.. ونقل مسئول الأمن الحربى ما سمع إلى قائد المنطقة الشمالية فى ذلك الوقت.. وكان الروينى.. لكن.. الروينى رفض الاعتماد على رواية شفهية فى مثل هذه الأمور الخطرة.. وطلب أن يكتب عضو مجلس الشعب ما عنده من معلومات فى تقرير بخط يده.. وكتب الرجل التقرير بالفعل.. حمله مسئول الأمن إلى الروينى.. وحمله الروينى بدوه إلى طنطاوى وكأن تحت يده كنزا ثمينا.
كان طنطاوى بصحبة مبارك يفتتحان مستشفى عسكرياً فى طنطا عندما أصر الروينى على رؤيته منفرداً ولو لعدة دقائق.. واستجاب طنطاوى.. وأمسك بالتقرير.. وجرت عيناه عليه.. ولكن.. دون أن تظهر على ملامحه علامات غضب أو دهشة أو استنكار.. وما إن انتهى من التقرير حتى أعاده صامتاً دون تعليق ولو بكلمة واحدة إلى الروينى.
بعد شهور طالت نسى الروينى أمر التقرير وإن احتفظ بصورة منه فى جيبه.. وهو أمر غريب.. غير مفهوم.. وذات يوم فوجئ بالمشير يستدعيه من بيته على عجل بعد أن صرف سيارته الرسمية فاستقل سيارة أجرة واتجه بها إلى وزارة الدفاع.. وفى مكتب سامى عنان طلب المشير منه أن يكرر على رئيس الأركان ما فى التقرير من معلومات.. لكن.. الروينى اختصر الوقت وقدم لهما صورة التقرير التى يحتفظ بها فى جيبه.
لا أحد ممن أكدوا لى صدق الرواية يعرف مصير ذلك التقرير.. هل رفع إلى مبارك؟.. أم أن طنطاوى احتفظ به بعيداً عن الأيدى والعيون وكأن شيئا لم يكن؟.
هناك من يقول إن المشير آثر السلامة ولم يرفع التقرير إلى الرئيس.. متجنبًا مشاكل هو فى غنى عنها.. ومن ثم لا معنى لما قيل بعد سقوط مبارك أنه كان ضد التوريث وأنه كان غاضبا من خطة تنفيذه.
وهناك من يرى العكس.. ويدلل على ذلك بوثيقة ويكليكس المسربة على موقعه فى 4 مايو 2011 وفيها ذكر دبلوماسى أمريكى نقلاً عن عضو فى مجلس الشعب لم يذكر اسمه :"أن المشير حسين طنطاوى لم يعد يستطيع احتمال فساد جمال مبارك وحاشيته وأنه لا يستطيع الصبر على ما حدث فى البلاد وما يمكن أن يحدث فيها.. وهو يرى أن الانقلاب العسكرى هو الحل".
وفى مذكراتى الشخصية واقعة سجلتها فى شتاء 2013 تعيد قلب المائدة من جديد.
فى كافيتريا فندق"سوفتيل الكورنيش"على خليج أبو ظبى جلست إلى الفريق أحمد شفيق نتناول شطائر خفيفة ونتكلم فى موضوعات ثقيلة.. منها عدم قبول طنطاوى له.. وميوله التى جنحت ناحية مرسى.
وما إن فتحت سيرة طنطاوى حتى أضاف :"إن جمال مبارك وشلته كانوا يتعمدون الاستخفاف بالمشير".. لكن.. ما أثار دهشة شفيق :"أن مبارك لم يكن يتدخل لترضية طنطاوى وهو أمر غير معتاد أن ينام الرئيس ووزير دفاعه وقائد قواته المسلحة غاضبا".. وتفسير ذلك: "إن مبارك كان واثقا أن طنطاوى لن يحتج خشية ترك منصبه بكلمة واحدة منه".
لكن.. على جانب آخر.. نجح الفريق حمدى وهيبة عندما كان رئيسا للأركان فى التقرب من علاء وجمال مبارك.. ويبدو أن قربه منهما كان رهانا على مساندة خطة التوريث وطمعاً فى مكان طنطاوى.. لكن.. الخطأ الذى وقع فيه وهيبة أنه تصرف وكأنه وزير للدفاع قبل أن يصدر له قرار.. لم يستوعب كتالوج التعامل مع مبارك.. ولم يتوقف لفك شفرته.
سعى وهيبة وهو لايزال فى منصب الرجل الثانى إلى توسيع صلاحياته وتجاهل قياداته بمن فيهم المشير نفسه.. فلم يتردد مبارك رغم أنه كان يستريح إليه فى الإطاحة به.. فالقاعدة البيروقراطية الوحيدة التى كان يحرص عليها مبارك ألا يتجاوز المرءوس رؤساؤه.. لتسبق الأقدمية الخبرة مهما كانت المبررات والصلات والوصلات.
فى 14 أكتوبر 2005 وأثناء احتفال القوات الجوية بعيدها السنوى قال مبارك لطنطاوى :"حمدى وهيبة يسلم نفسه للهيئة العربية للتصنيع سيصبح رئيسا لها من الغد".. وراجعا معا الأسماء البديلة لتولى رئاسة الأركان.. وهو أسلوب شهير لمبارك أن يراجع مع مساعديه الشخصيات المرشحة لتولى منصب ما وهو يعرف جيداً من سيختار.. وهكذا.. أصبح سامى عنان رئيساً للأركان.
كان ذلك اليوم من أسعد أيام طنطاوى.. فقد تخلص من منافس قوى على منصبه.. وزادت سعادته نشوة وهو يستدعى وهيبة ليبلغه القرار.. ولابد أن وهيبة صدم من تحطم أحلامه.. وقبل أن يفيق مما وجد نفسه فيه عاجله المشير قائلا: "ارفع سماعة التليفون واشكر سيادة الرئيس".. وأسقط فى يد وهيبة.. ولم يجد الرجل أمامه سوى الانصياع للأمر.
وأصدر المشير أمراً آخر إليه.. أن يقوم بإخلاء استراحة رئيس الأركان التى يشغلها فى اليوم التالى.. فى سابقة لم تحدث من قبل.. فعادة ما يترك لوزير الدفاع أو لرئيس الأركان ما يشاء من وقت بعد ترك المنصب حتى ينتقل إلى مكان آخر... فمن الصعب لشخص مهما كانت قدراته أن ينقل متعلقاته فى ساعات قليلة.
وفيما بعد.. بقى طنطاوى نفسه بعد إقالته فى استراحته نحو الشهرين دون أن يطلب منه سلفه عبد الفتاح السيسى الإسراع بالخروج منها.. وفى الوقت نفسه لم يبق سامى عنان فى استراحته بعد إقالته سوى عدة أيام بها.. ونقلت زوجته متعلقاتهما الشخصية فى أكياس سوداء.. تستخدم عادة فى جمع القمامة.
وما يثير الدهشة أن طنطاوى ترك الاستراحة إلى شقته القديمة الصغيرة التى تقع بالقرب من إدارة سلاح المشاة.. لم ينتقل إلى قصره فى الحى الراقى من القاهرة الجديدة.. وكأنه أراد إيهام الناس بتواضعه ورقة حالته.
وما يضاعف من الدهشة أن طنطاوى ظل يذهب إلى مكتبه بعد إقالته بانتظام مما سبب حرجاً لكل من حوله.. ولكن.. بعد أيام كانت إجازة عيد الأضحى فبقى فى بيته ولم يعد يذهب إلى مكتبه الذى تردد عليه طيلة عشرين سنة.
لكن.. من المؤكد أن ما تحمله طنطاوى فى السنوات الأخيرة من حكم مبارك راكمت طبقات من الغضب فى صدره.. انفجرت مرة واحدة بعد تظاهرات يناير.. وعبر عنها برفضه منصب نائب الرئيس ورفضه منصب رئيس الحكومة.. وساعتها حذره مبارك فى ضعف بأن أحمد شفيق الذى سيشكل الحكومة سيرأسه مدنيا رغم تراجع أقدميته عسكريا.. لكن.. طنطاوى كان يعرف أن منصب وزير الدفاع هو الأقوى فى تلك اللحظات خاصة بعد نزول الجيش إلى الشارع يوم 28 يناير.
وحسب ما سمعنا من الروينى فى الروف فإنه وباقى أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة لم يغادروا وزارة الدفاع 14 يوما بدأت من يوم الحشد للثورة.. وظلوا فى حالة اجتماعات مستمرة ومطولة لتقدير الموقف الصعب والخطر لحظة بلحظة.. وخلال تلك الاجتماعات كانوا يأكلون سندويتشات الفول والطعمية والبقسماط.. وعندما كانت الاجتماعات ترفع للصلاة لم يكن المدخنون منهم يترددون فى استخدام غرفة اللواء محمد العصار القريبة من قاعات الاجتماعات لتعويض ما يحتاجون من نيكوتين.
وحسب ما سمعت بعيداً عن الروينى فإن جنرالات المجلس أقسموا على مصحف بأنهم إذا ما نزل الجيش إلى الشارع فإنهم لن يعودوا إلى ثكناتهم إلا بعد سقوط النظام.. كما أنهم قرروا التخلص من مبارك قهرا إذا لم يتنح رضاءً.
ولم ينكر الروينى أن بعض مدرعات الجيش تعرض للاعتداء كما أن بعض رجاله تعرضوا للسباب.. فقد تصور الثوار أن الجيش سيواجههم.. ولم يطمئنوا إلا عندما وجدوا جملة"يسقط مبارك"على آلياته.
ومما لا شك فيه أن وجود الروينى بانتظام فى الروف شجع غالبية الشخصيات السياسية والإعلامية على حضور جلسات النقاش والحوار التى جرت فى ذلك الوقت بمعدل مرة كل اسبوع تقريبا.. وهنا يمكن القول: إن الروف شهد نقلة نوعية بعد ثورة يناير.. ضاعفت من انجذاب المشاهير إليه.. فالكل كان يريد أن يعرف ما جرى؟.. والأهم ما سيجرى؟.. وتصور الجميع أن الروينى يملك مفتاحا للإجابة.
وقبل أن يظهر الإخوان فى الروف كانت الشخصيات المعبرة عن التيارات الأخرى تستأثر بالروينى.. كنا نخشى من تنامى قوة الجماعة ونتعجب من تسللها إلى جميع مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسة العسكرية.. لكن.. الروينى كان يرى أنها قوة منظمة فرضت نفسها على المشهد السياسى وإن كانت لن تستأثر بأكثر من 15 % من المقاعد البرلمانية.. ولم تكن تقديراته دقيقة كما ثبت فيما بعد.. بل.. هو نفسه تراجع عنها.. لكنه.. فى الوقت نفسه كان يتوقع صداما حتميا بينها وبين الجيش.. ولو تأخرت المواجهة.. وهنا صدقت توقعاته.
وبظهور الإخوان فى الروف لم يتراجع الروينى عن مواجهتهم بالأخطاء التى يرتكبونها.. لكنهم تعاملوا مع حدته بنعومة.. ومع شدته بليونة.. فهم أفضل من يطبق المثل القائل :"يتمسكن حتى يتمكن".
فى أول حفل تخرج لدفعة جديدة فى الكلية الحربية بعد ثورة يناير التقى مرسى الذى حضر المناسبة بصفته رئيس حزب الحرية والعدالة بالروينى ليقول له: "شوف عدد الخريجين كبير إزاى ورغم ذلك مفيش ولا واحد منهم إخوانى".
رد الروينى : "ولن يكون فى الكليات العسكرية إخوانى فيما بعد.. لن يكون هناك اختراقا للجيش وإلا انقسمنا وتصارعنا وتقاتلنا.. لا عقائد فى الجيش.. الجيش يعبر عن الوطن لا عن حزب أو جماعة".
وفيما بعد.. بعد حفل تنصيب مرسى فى جامعة القاهرة توجه الروينى إلى الهايكستب لحضور الحفل الذى أقامته القوات المسلحة للرئيس الجديد.. ورغم أنه وصل متأخرا فإنهم انتظروه.. وما أن لمحه مرسى حتى اقترب منه وأمسك بذراعه وضغط عليه فى شدة وشماتة قائلا: "ألم اقل لك إن الإخوان سيدخلون الجيش؟".
وأضاف مرسى: "إننى ملتح ورغم ذلك فأنا القائد الأعلى للقوات المسلحة".
فقال الروينى: "وأنا مازلت عند رأيى.. لن يدخل الجيش ملتحً أو معمم".
كانت لحظة احتفال الجيش بمرسى لحظة مؤلمة.. عصرت القلوب فى الروف.. وبللت العيون.. وأذهلت العقول.. لم نصدقها.. كيف يمكن أن يرفع قادة الجيش بالتحية العسكرية.. للإخوان.. إن الدراما تفرض نفسها على المشاهد التى نعيشها ونتعامل معها يوميا.
والحقيقة.. أن التيارات المدنية فى الروف كانت تتوقع ذلك.. وأكثر.. كنا نصف سياسة الإخوان الغاطسة بسياسة"النية الخفية"بأنها حقل الرمال المتحركة الذى يدفع الإخوان إليه الجيش بهدوء.. ولم يكن أمامنا سوى الروينى نصرخ فى وجهه.. أليس هو مندوب القيادة الحاكمة والمسئولة عن مصير البلاد؟
أكثر من جلسة عاصفة تعرض فيها الروينى إلى انتقادات حادة بسبب فشل مجلسه العسكرى فى كل ما يفعل.. وبدأت تلك الجلسات فى وقت.. بعد أسابيع قليلة من ثورة يناير.
فى إحدى هذه الجلسات خرج الفنان التشكيلى طه قرنى عن طبيعته الهادئة قائلا للروينى: "أنتم فاشلون فى الحكم.. تركتم زكريا عزمى فى الرئاسة عدة أيام ليعبث بملفاتها.. وتركتم مبارك ينعم بحريته فى شرم الشيخ دون حساب أو عقاب".
وقال محمد الخولى: "إن الخطأ القاتل الذى وقع فيه الجيش أنه اعتبر نفسه يدير ولا يحكم.. هل هذا كلام؟.. المشير كانت له جميع صلاحيات الرئيس فلماذا تعامل معها وكأنه رئيس شركة؟".
لكن غالبيتنا فى الروف اعتبر الخطأ القاتل الذى وقع فيه العسكريون هو الدعوة لانتخابات برلمانية ورئاسية قبل كتابة الدستور.. بما يشبه وضع العربة أمام الحصان.. فقد أظهرت الانتخابات القوة المفزعة للإخوان والسلفيين فراحوا يهاجمون بشراسة التيارات الأخرى ويتهمونها بالكفر ويطالبون برجمها وتوقيع الحد عليها.
قال الروينى: نحن نمارس وظيفة لم ندرب عليها.. نحن عسكريون لم يكن لنا فى السياسة.. وجدنا البلد فجأة مثل كرة نار ألقيت فى حجرنا.
واستطرد :"أنا شخصيا باعتمد على شخص يعلمنى ما لم أتعلم".
وعندما سألناه عن اسمه رفض ذكره.
وهروبا من مزيد من الثورة عليه أضاف: "يا جماعة نحن ندير ولا نحكم".. ومهمتنا توصيل البلاد إلى مؤسسات مدنية تأخذ بها إلى المستقبل.
وبعد شهر ونصف الشهر من هذا اللقاء جاء الروينى ومعه دفتر صغير قائلا: "يا جماعة قولوا توجهاتكم واقتراحاتكم وأنا أنقلها للمشير".
وتطوعنا جميعا بتقديم مقترحات لمساعدة الجيش فى مهمته السياسية والتنفيذية.. وراح الروينى يسجلها بحماس.. والمؤكد أنه رفعها إلى طنطاوى.. ولكن.. المؤكد أيضا أن طنطاوى لم يأخذ بها.. فقد كنا نفاجأ بقرارات وتصرفات منه عكسها.
وبعد عدة أسابيع أخرى بدأت انتخابات مجلس الشعب وسألنا الروينى عن توقعاتنا للنتيجة.. وكنا جميعا متشائمين من اكتساح تيارات الإسلام السياسى.. فقال الروينى: "هو أنتم متوقعين حد غيرها يكسب؟".
قال الدكتور محمد الوحش: "هذا الكلام مخيف".
قال الروينى :"نعم كلام مخيف.. لكنه.. واقع.. هو مين غير الإخوان والسلفيين متواجد فى الشارع؟.. مين عنده القدرة على الحشد غيرهم؟.. مين الموجود فى كل قرية وكل جامعة سواهم؟.. التيارات المدنية لا وجود لها إلا على شاشات الفضائيات.. ولن تخرج من الانتخابات بنسبة إلا بخفى حنين".. وقد كان.
وسئل الروينى عن الحل.
أجاب: أن نقبل بقائمة مناسبة على حساب المقاعد الفردية.. لكن.. لا أحد يسمعنا.
وبعد أن وقعت الفأس فى الرأس وخرجت نتيجة الانتخابات مؤلمة قال الروينى :"لقد رفضتم ما اقترحنا من حلول.. التيارات السياسية المدنية السبب".
لكن.. ذلك كله لم يعف طنطاوى من المسئولية.
لقد كان طنطاوى يؤمن بأنه يعمل لمصلحة البلاد.. لكنه.. لم يكن ليصدق أن الطريق إلى جهنم مفروشا بالنيات الطيبة.
ويبدو أنه فقد جرأته التى اشتهر بها بحكم السن.. كان يخاف من الإخوان.. ومن شباب الثورة.. ومن الولايات المتحدة.. وربما كان كبر العمر السبب.. فقد ولد فى 31 أكتوبر 1935.. ويوم تولى مسئولية حكم البلاد كان عمره 76 سنة.. سن تكون فيه الحذر أكبر من الإقدام.. والقلق أكثر من الاستقرار.. لذلك فهو رجل هزمه الزمن فى موقعه.
يضاف إلى ذلك شعوره بالذنب تجاه مبارك.. وهو شعور ظل يلاحقه.. ويؤرق عليه منامه.
بجانب شعور طنطاوى بالندم كان هناك سبب آخر لشعوره بالإحباط هو تجاهل رغبته فى الترشح للرئاسة.. أما الوحيد الذى تحمس لترشحه فكان محمد حسنين هيكل.
وكانت قد ظهرت فجأة حملة مجهولة تطالب المشير رئيسا.. تمثلت فى ملصقات وجدت مساحات أكبر لها فى الإسكندرية.. ونشرت المحررة العسكرية للأهرام تقريرا نسبته إلى مصدر فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة نفى فيه صلة المجلس بالحملة.. بل.. أكثر من ذلك نفى ترشيح أحد من العسكريين للرئاسة.. لكن.. ما إن نشر الخبر حتى فوجئ عبد العظيم حماد رئيس تحرير الأهرام وقتها باللواء إسماعيل عتمان مدير الشئون المعنوية ينفعل غضبا من نشر النفى.
ويتساءل حماد فى كتابه "الثورة الثانية": "ما الذى أغضب عتمان؟.. هل كان النفى تمويهاً لتغطية خطة طموح سياسى قد يكون راود المشير فى لحظة ما أراد عن طريق عتمان أن يجس نبض الرأى العام بإطلاق هذه الحملة".
لكن.. على الرغم من كل السلبيات التى تسببت فى انتقادات حادة للمشير من الليبراليين الذين شاركوا فى جلسات الروف معبرين عن رأيهم بصراحة لعله دير دفة البلاد ناحية الاتجاه الصحيح فإن الإخوان الذين شاركوهم تلك الجلسات كانوا يصمتون.. وربما ينافقون.. وكان نفاقهم بالطبع مضللا.. فقد انتظروا الفرصة للقضاء عليه.. بخدعة مباغتة.. حاسمة.. إن الصديق من صدق معك.. والعدو من غرر بك.
على أن الروينى ظل محتفظا للمشير بتقدير خاص.. ولم يكن يتردد فى الدفاع عنه.. وكان يحاول إقناعنا بأنه "ناصرى".. مستقيم.. لا يخرج عن التقاليد المصرية.. بسيط.. ظل يستخدم سيارة رسمية سوداء.. موديل قديم.. يمتد عمرها إلى أكثر من عشرين سنة.. وكان يجبر سائقها على الوقوف فى إشارات المرور.. وفيما بعد.. أضاف سيارة هيونداى موديل عام 2008.
وفى استراحته الشاطئية على بحر فايد رفض أن تتدخل قيادة الجيش الثانى لتطورها.. وظل على سبيل المثال مصرا على استخدام "براد" لتجهيز الشاى رافضا استعمال غلاية مياه بالكهرباء.."كاتيل".
ولا شك أن رفضه استخدام أبسط الأجهزة الحديثة اعتبر مؤشرا على بعد المسافة بينه وبين شباب الثورة التى انفجرت بتكنولوجيا الديجتال والفيس بوك والبلاك بيرى.
وكانت هذه المسافة كفيلة باختلاف الأفكار وتباعد وجهات النظر بينه وبين أجيال جديدة ثائرة فى عُمر أحفاده.. فكان من الطبيعى أن يصبح عدوا للتحرير بعد أن كان حليفا له.. وسمع بنفسه الهتافات الرافضة لوجوده.. وهو أشد ما عصر قلبه ألماً وحزناً.
وتمنى طنطاوى فى بداية حياته أن يكون لاعب كرة قدم.. وهو يجيدها.. وتحمس للنادى الأهلى.. لكن.. عندما لم ينجح فى الانضمام إلى فريقه انتقل بمشاعره ناحية نادى الزمالك.. مما يعطى مؤشراً عن واقعتيه.. وقد تصور نادى الزمالك أنه يمكنه أن ينقذه مما هو فيه فعرض رئاسته عليه.. لكنه.. كان يطمح فى رئاسة أخرى.. رئاسة البلاد.. وفى الوقت نفسه ظل يحترم النادى الأهلى.. وكان وراء حصوله على أرض فرع مدينة نصر.
أما تدليل الروينى على ناصرية طنطاوى فكان يرتبط برفضه بيع بنك القاهرة.. وقال فى مجلس الوزراء"فاضل تبيعوا الشعب المصرى أيضا".. والواقعة حقيقة أكدها لى وزير السياحة وقتها ممدوح البلتاجى.
المؤكد أن الروينى لم يمس قائده العام بكلمة واحدة.. بل.. برر كثيراً من قراراته.. وسياساته.
ولا شك أن صداقة الروينى بكثير من الشخصيات التى ترددت على الروف امتدت وتوثقت حتى بعد أن قدم استقالته وترك منصبه.
لكن.. السؤال الذى فاتنا الإجابة عنه: كيف عرف الروينى طريقه إلى الروف؟.. من الذى أتى به إلينا؟.
الحقيقة أن الروينى كان صديقاً قديماً من قبل الثورة للدكتور أحمد العزبى هو واللواء أحمد حسين الرئيس السابق لعمليات القوات المسلحة والذى أصبح فيما بعد محافظا لمرسى مطروح وبعدها محافظا للإسماعيلية.
يقول أحمد العزبى: إن كثيرا من قادة الجيش كانوا غاضبين من تعامل شلة جمال مبارك معهم بغطرسة.
ويروى العزبى: كنا فى فرح ابنه رجل الأعمال منصور عامر.. كنت أجلس على مائدة عليها اللواء حسن الروينى واللواء أحمد حسين وبالقرب منا كان يجلس زكريا عزمى ورئيس بنك الصادرات هشام حسن.. وجاء هشام حسن ليسلم علينا.. فعرفته بالروينى مضيفا: إنه قائد المنطقة المركزية.. فرفع هشام حسن يده بتحية عسكرية لا تخلو من السخرية.
وهشام حسن صديق قديم من أيام المدرسة لعلاء وجمال مبارك.. وعندما تشاجرا مع بعض زملائهم تدخل هشام للدفاع عنهما وجرح فى جبهته.. وكان هذا الجرح سببا فى سعده.. ففيما بعد رد علاء وجمال الجميل إليه.. وعين مسئولا عن بنك الصادرات.. وأصبح من الحاشية المقربة من الوريث.
فى ذلك الوقت كانت التظاهرت فى تونس قد اشتعلت محرضة على ثورة ضد نظام بن على وزوجته ليلى الطرابلسى فسئل هشام عن تأثيرها على النظام فى مصر فهز رأسه بنفس ملامح الاستهزاء ولكن دون تعليق.. كأن الأمر لا يستحق منه تعليقاً.
وخرج العسكريون من سخرية نظام مبارك إلى تعسف نظام مرسى.. وكان كثير من الشخصيات الإخوانية التى ترددت على الروف نموذجا مستفزا لكل من يقترب منها.. وعلى رأس تلك الشخصيات كان مراد محمد على.. وهو طبيب يشغل وظيفة تناسب طبيعته تماما.. وكيلا لشركة أدوية لعلاج الأمراض النفسية والعصبية والعقلية.. وأتصور أنه كان أول المستفيدين من الأقراص التى يبيعها.
كان يحضر إلى الروف ومعه شابان أوكل إليهما تسجيل كل ما يجرى حولهما.. إن التجسس صفة من صفات تنظيمه.. والتسجيل فى الروف أو رصد ما يجرى فيه كان بحكم تنوع الشخصيات التى تحضر وتناقش وتكشف عن ما فى صدرها كان كنزا من المعلومات بالنسبة للجماعة.. يضاف إلى ذلك أنهم عرفوا موقف كل واحد فى الروف منهم.
ذات يوم اقترب يوسف القعيد من مراد على وسأله: "هل أنت مصرى؟".
أجاب :"نعم ولكن والدى من أصول تركية".
ولو كان مراد على قد تسبب فى منع نبيل عمر من الكتابة فى الأهرام بعد أن هاجم مرسى وهو فى الرئاسة ونحن فى الروف فإن مراد على لم يستطع النيل منى وإن تمنى قتلى.
قبل جولة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية بين مرسى وشفيق بنحو أسبوعين ظهرت مع هالة سرحان فى برنامجها ومعى مستندات تثبت أن مرسى أجرى جراحة لإزالة ورم حميد فى المخ.. وأنه يعانى من أمراض تفقده القدرة على إدارة شئون الحكم.. ضغط دم مرتفع.. قرحة نازفة.. سكر.. وتليف فى الكبد بسبب فيروس سى.. وشاركنى فى الحلقة أستاذ العلوم السياسية الدكتور مأمون فندى مؤكداً أن صحة الرئيس أمر يجب مراجعته خشية أن تؤثر أمراضه على قراراته.
انفجرت القنبلة التى فجرتها فى مقر الحملة الانتخابية لمرسى فبادر مراد على بإجراء مداخلة هاتفية ظل يراوغ فيها نحو ثلث ساعة مؤكدا الطريقة الإخوانية الشهيرة فى اللف والدوران.. وتبعه إخوانى آخر هو طبيب الأشعة حسن البرنس.. لكنهما لم يستطيعا الصمود أمام المستندات الطبية وتشخيص طبيب المخ والأعصاب الموجود فى الاستديو الذى أكد أن مرسى يتناول أدوية وقائية تجنبه التعرض لنوبات صرع.
فى اليوم التالى ظهر مرسى فى حوار تليفزيونى مع وائل الإبراشى مدافعا عن نفسه قائلا :"إن جراحة المخ أزالت ورما لا يزيد على حجم الحمصة".. متجاوزا ان جلطة فى حجم السمسمة كفيلة بالشلل.. وأضاف: "إن أمراض السكر والضغط والتهاب الكبد الوبائى أمراض يعانى منها غالبية المصريين فما الغريب أن يصاب بها من يحكمهم".. دون أن يستوعب أن تصرفات الرئيس تتأثر بما يتناول من أدوية وبما يعانى من داء.. وفيما بعد.. ثبت صدق ما توقعت.. فالأدوية التى يتناولها مرسى جعلته ينام بالنهار ويسهر بالليل.. كما أنه لم يكن يتحكم فيما يفعل.. ولا يقدر آثار ما يصرح به.
كانت تلك القنبلة كفيلة باستعداء كل قيادات الإخوان ضدى وأولهم مراد على الذى عجز عن الرد على ما قلت وتفنيد ما شخصت.. لكنه.. بعد فوز مرسى ظهر فى الروف وعلى وجهه ابتسامة ساخرة شامتة.. تعمد أن يوجهها ناحيتى.. على أنه لم يعرف أن من يضحك أخيرا يضحك كثيرا.
وعند تشكيل حكومة هشام قنديل الإخوانية جرى ترشيح المهندس إبراهيم محلب وزيرا للإسكان.. وتحمس العزبى للترشح وفاتح مراد على فى الموضوع طالبا مساندته ودعمه.. مشيدا بمحلب وبكفاءته فى إدارة شركة المقاولون العرب.. لكن.. مراد على تدخل لمنع الترشح.
وفى إحدى جلسات الروف اشتد النقاش بين مراد على وحسام عيسى.. ولم يتردد عيسى بطريقته الحادة فى أغضابه.. فانحسب متجها للباب.. فجرى وراءه محمد محسوب ليخفف من الموقف.. خشية الإضرار بالطرف الآخر.. فقد كان محسوب على ما يبدو يعرف مدى قدرته على الإيذاء.
على عكس مراد على الذى بدا متأثرا بسلوكيات الجناح العسكرى كان محمد على بشر.. هادئاً.. ناعماً.. متردداً.. وربما لتلك الصفات كان يلعب دور المفاوض بين الجماعة والجماعات الأخرى.
ذات يوم ونحن فى الروف حاول محمد الخولى استفزازه فسأله عن رأيه فى جمال عبد الناصر بعد أن هاجمه مرسى بجملته الشهيرة"الستينيات وما أدراك ما الستينيات؟".
قال بشر: عبد الناصر قدم لوطنه الكثير.. ولكن له أخطاء.
اعترف الخولى بالهزيمة.. فقد فشل فى إخراج الحقيقة من صدره.. فلا يمكن أن يحب الإخوان جمال عبد الناصر بعدما جرى بينهما.
روى الخولى تلك الواقعة ونحن نتذكر ما جرى فى الروف لنسجله.. ولحظتها وجه يوسف القعيد كلامه إلى أحمد العزبى قائلا :"أنت يا عزبى وجهت لبشر أكثر من دعوة لحضور جلسات الروف بعد أن أصبح محافظاً للمنوفية ولكنه لم يأت.. أليس كذلك؟".
أجاب العزبى :"نعم.. لكنهم.. الإخوان.. يعطونك ظهرهم بعد أن ينالوا ما يريدون منك".
وأضاف العزبى :"إن محمود عبد المقصود هو من عرفنى به".
وذكرنا عبد السلام المحجوب بأن المنوفية أقل محافظة أعطت أصواتها لمرسى ومن ثم كان لابد من وجود محافظ إخوانى للسيطرة عليها فى الانتخابات التالية.
ومن جانبى ذكرت مجموعة توثيق ما حدث فى الروف بالحوار العلنى الذى جرى بينى وبين محمد على بشر.
كان بشر قبل الانتخابات البرلمانية يتحدث برومانسية مضللة عن التوافق بين القوى السياسية المختلفة لدخول مجلس الشعب دون خلاف.. وبدت كلمة التوافق مغرية.. ساحرة.. استسلم لها غالبية المتحدثين بعده.. لكنى اعترضت عليها قائلا:
"على أى أساس سيكون التوافق بين قوى مختلفة أيديولوجيا وأحزاب لا تتمتع بنفس الثقل؟.. هل سنحصى كل المجموعات القائمة ونقسم بينها مقاعد البرلمان بالتساوى.. أم أن التقسيم سيكون بالثقل النسبى لكل منها؟.. لو اعتمدنا مبدأ التمثيل النسبى فإن كل قوة ستدعى أنها الأكثر عدداً والأشد تأثيراً.. وسيكون الإخوان بالطبع فى مقدمة تلك القوى.. هنا سيدب الخلاف.. وسينتهى الحوار بأن ينفض المشاركون فيه ليذهب كل منهم فى طريق.. سيبكم من الكلام المخدر الذى يتحدث به الدكتور بشر.. فلن يثمر سوى ضياع الوقت على القوى المضادة للإخوان بينما الإخوان يرتبون للاستيلاء على الأغلبية.. ما يقوله بشر نوع من الشراك الخداعية أرجو ألا نقترب منها.. على كل قوة سياسية أو حزبية أن تنصرف بحثاً عما يؤهلها للتواجد فى مجلس الشعب".
وأنهيت كلامى مضيفاً :"لو كان لكلمة التوافق معنى فلنتوافق على أمر أقل من تقسيم مقاعد البرلمان.. لنتوافق على استرداد الشرطة لدورها.. مثلا.. وهو أمر نحن جميعا فى حاجة إليه فورا".
وسكت بشر.. هروبا من المواجهة.. وقام إلى البوفيه ليأكل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.